شارك هذا الموضوع

الجمهورية الإسلامية وبازار اللامتوقع

محمد عبد اللهفإني أقدم شكري الجزيل لجميع السادة وبالأخص إلى سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر من ذخائر الثورة واحد الشخصيات البارزة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وآمل من أخي العزيز ورفيقي القديم أن يؤدي دوره مثل السابق في المجالات المهمة للنظام الإسلامي .


الإمام الخامنئي مُخاطباً الشيخ رفسنجاني بعد خسارته في الانتخابات


لم تشأ الأقدار لأن تنتهي حالة الانبهار عند حصول مُرشّح الرئاسة المحافظ محمود أحمدي نجاد (48 عاماً) على المركز الثاني في الدورة الإنتخابية الأولى من بين المرشحين السبعة، بل تمادت لتصل إلى نخاع العظم بفوزه الساحق على منافسة المخضرم الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي حصل على 10 ملايين و46 ألفاً و701 صوتاً في حين حصل نجاد على 17 مليوناً و248 ألفاً و782 صوتاً من مجموع الأصوات التي تمّ فرزها وهي 27 مليوناً و959 ألافً و253 صوتاً وإبطال 663 ألفاً و770 صوتاً .


ورغم أن الانتخابات التاسعة جرت وسط تغييرات هائلة في خريطة القوى السياسية والعلاقات التنظيمية والتنسيقية التي تحكمها إلاّ أنها أعطت انطباعاً عاماً بأن الساحة الإيرانية مُقبلة على جملة من التبدلات الحقيقية لمعظم الأفهام التي تمّ تداولها في الفترة التي أعقبت فوز السيد خاتمي، ويُمكن الإشارة في ذلك إلى الآتي :


1. إن حالة الاصطفاف السياسي والحزبي والديني الداعم للشيخ رفسنجاني لم يُغير من الواقع شيء، فرغم أن جبهة الثاني من خرداد (18 تنظيماً) وجميع تشكيلات قوى المحافظين (باستثناء ائتلاف رُوّاد إعمار إيران الإسلامية) بالإضافة إلى مراجع الدين في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة كموسوي أردبيلي ويوسف صانعي وجوادي آملي دعموا ترشيح الشيخ رفسنجاني إلاّ أن ذلك لم يمنع من أن يتغلب عليه أحمدي نجاد وبفارق سبعة ملايين صوت !!


2. إن معظم الخاسرين في الجولة الأولى من الانتخابات وأهمهم الشيخ مهدي كروبي (الثالث) ومحمد باقر قاليباف (الرابع) ومصطفى معين (الخامس) ومحسن مهرعلي زادة (السابع) - بالإضافة إلى الأصوات التي حصل عليها رفسنجاني - كلهم دعوا ناخبيهم للتصويت لصالح رفسنجاني ضد نجاد إلاّ أن ذلك لم يُغيّر من الواقع في شيء أيضاً .


3. إن أحمدي نجاد قد دخل حلبة المنافسة كمرشح مُحافظ من دون أن يحظى بمباركة المحافظين باستثناء ائتلاف رُوّاد إعمار إيران الإسلامية حيث استقر المجلس التنسيقي لقوى الثورة الإسلامية على دعم الدكتور علي لاريجاني كمُرشّح إجماع، وبالتالي فإن أحمدي نجاد قد فاز بعصامية صرفة وسط دفوع المحافظين نحو لاريجاني .


4. إنها المرة الأولى التي يذهب فيها المتنافسون إلى جولة انتخابية ثانية ولا يحصل أحد منهم على نسبة 50 بالمائة + 1 من مجموع المقترعين في الجولة الأولى، وهو ما يعني أن مفاعيل الأحزاب العريقة والشخصيات الرمزية بدأ في الانحسار، وأن مجسّات الوضع السياسي تنبأ بتشتت قواعد النخب وتبدلات عمودية في توزيع الولاءات .


5. إنها المرة الأولى التي يصل فيها أحد الأفندية (من غير المُعَمَّمين) لرئاسة الجمهورية منذ استشهاد الرئيس محمد علي رجائي في العام 1981 وبالتالي فإن ملامح المشهد السياسي قد بدأت في التطور نحو إبعاد المراكز التنفيذية العليا في النظام الإسلامي عن الإدارة الديوانية وإن على مستويات أقل مما يُطالب به البعض، خصوصاً مع وجود شخص غلام علي حداد عادل (وهو من غير المُعمّمين) على رأس السلطة التشريعية (البرلمان) منذ مارس 2004 .


وأمام تلك المعطيات المذكورة حول المعركة الانتخابية الأخيرة يزداد المشهد غموضاً وغرابة، ليفتح المجال واسعاً أمام تحليل ما أفرزته تلك الانتخابات، وحجم المؤشرات التي يُمكن التوصل إليها كنتيجة حتمية لما حصل، وهو ما يُمكن تسجيله في الآتي :


أولاً :  أن الانتخابات الأخيرة قد بيّنت بشكل واضح بروز ما يُسمى باليمين الراديكالي بجنوحه نحو اليُسروية مع تأصّل في المعاصرة على المستوى الاجتماعي مُطْبقاً بذلك على ثقافة اليمين واليسار المترهليْن ورافعاً لشعار إصلاح الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة والقضاء على الفساد وتخفيض الأسعار ومُعززاً من صِدقيته عبر تشريعات البرلمان الذي يُهيمن عليه المحافظون (الراديكاليون أيضاً) والذي سعى نحو الضغط على الحكومة لتثبيت الأسعار ولإنشاء صندوق لاحتياطات العُملة الصعبة المتحصّلة من فائض سعر النفط عمّا قُدِّرَ له في الموازنة العامة .


ويبدوا أن هذا اليمين الجديد الذي سيطر على المجالس البلدية في مارس 2003 وعلى البرلمان في فبراير 2004 والآن على رئاسة الجمهورية الإسلامية لم يعد يخضع عملياً لمجلس تنسيق قوى الثورة الإسلامية الذي يضم أهم قطاعات التكنوقراط من المحافظين، وهو ما دلّل عليه خلال تمرده على قرار الأمانة العامة لمجلس التنسيق في دعم علي لاريجاني كمرشح إجماع من قِبَل المحافظين، والأخطر من ذلك أن ذلك اليمين الراديكالي الجديد والمتمثل في ائتلاف رواد إعمار إيران الإسلامية قد بدأ يُروّج لنفسه على أنه تيار فكري خالص يرى الأصولية في الفكر والتعاون في العمل والحداثة في السلوك وهو ما يعني بروز تفسيرات جديدة متمردة على الأدبيات التقليدية التي كانت تتدفق من منظّري اليمين التقليدي عبر روحانيت مبارز وحزب المؤتلة الإسلامي وباقي التشكيلات المحافظة الأخرى، وقد بيّن ائتلاف رواد الإعمار في بيانه التأسيسي إلى أنه وفي الوقت الذي يعمل وفق مناهج علمية وإدارية وإصلاحية حديثة يتبنى وبإصرار راديكالي مبدأ ولاية الفقيه المطلقة كنموذج عيني للديمقراطية الدينية وأن الحفاظ على فكر وتعاليم الإمام الخميني (قد) والمقام المعظّم للإرشاد (الإمام الخامنئي) واجب، ثم الإشارة إلى الاعتقاد بالمنشأ الإلهي للدولة والاستناد إلى الثقافة والهوية الإسلامية، وإن ذلك الائتلاف يدعم المديرين ذوي الالتزام الديني والاجتهاد في نشر الأخلاق والجوانب المعنوية السليمة والعلاقات الاجتماعية والدفاع عن إقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي الفلسطينية .


ومن خلال التعاطي اليومي من تصريحات رجال اليمين الراديكالي يُمكن ملاحظة أن هذا الخط قد بدأ يفرض نفسه بقوة متعاظمة كردة فعل على الإصلاحيين المتطرفين الذين بدأوا في النمو بُعيد انتخابات 1997 الرئاسية والتي فاز فيها الرئيس محمد خاتمي ومن ثم السلوك اللامسؤول الذي مارسوه ضد الكثير من المؤسسات الموازية في النظام الإسلامي وضد منافسيهم المحافظون وهو ما يعني بروز ثقافة الثورة التي راجت في عقد الثمانينات والتي كانت تسعى إلى الحفاظ على الكيانات المدنية والثورية الناشئة .


ثانياً : بيّنت الانتخابات بأن التوجيه الرأسي من قِبَل الأحزاب إلى القواعد الشعبية لم يعد مجدياً، خصوصاً وأن رجل الشارع في إيران بدأ ينظر إلى مسؤولي الأحزاب تلك كأمراء الحرب الذين  أدخلوا البلاد والعباد في دوامة من الصراعات والاستقطابات المُرهقة مع تناسي لما يُعانيه المواطن الإيراني من مشاكل اجتماعية واقتصادية، كما أن تلك الأحزاب لا تُعلن عن وجودها إلاّ في فترة الانتخابات طمعاً في الحصول على أكبر عدد ممكن من الناخبين وبعدها تخرج من ميدان النشاط الاجتماعي (كما يقول النائب المحافظ محمود محمدي) لذا فإن المحافظين وبالتحديد اليمين الجديد انسحب إلى الظل في أوج الصراع المحتدم بين التيارات السياسية في الثمان سنوات الماضية وبدأ العمل بشكل خرافي متغلغلاً في القواعد الشعبية مُقدماً لها العديد من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية في المدن والقرى البعيدة عن المركز ومخاطباً الناس بالشعارات التي تطرب لها الأذن كالتركيز على توزيع الثروة وقطع أيدي الفاسدين (إن أكبر ثروة لشعبنا اليوم هي الصناعة والموارد النفطية، أعتقد أننا إذا أرسينا شفافية أكبر وإذا سهلنا الأمور وإذا نفذنا فعلاً في البلاد جزاءً مما يمكن أن ينفذ فيها، فإننا سنوفر بذلك مبالغ مالية لابأس بها – أحمدي نجاد) ومساعدة الناس (أنا فخور بأن يكون الناس عبروا لي عن ثقتهم وتعاطفهم، وفوق كل هذا، هناك شرف الخدمة، سواء من خلال مسؤوليتي كعمدة أو كرئيس أو عامل تنظيفات على الطرقات – أحمدي نجاد) وقد كان لذلك الخطاب أكبر الأثر في استحصال تعاطف شريحة واسعة من الفقراء والفلاحين، أضف إلى ذلك فإن ائتلاف رواد إعمار إيران الإسلامية بدأ في الحديث عن الاهتمام بالصناعات المحلية والصغيرة وعلى ضرورة دعم الاقتصاديات الوطنية وتفضيلها على الخارج وخصوصاً في القطاعات النفطية .


على أية حال، فالرئيس الإيراني الآن هو الدكتور محمود أحمدي نجاد الذي (سيستلم منصب رئاسة الجمهورية رسمياً في 02 أغسطس المقبل) لا يتردد في تقديم صورته كما هي وبدون محاباة أو تملقاً لأحد، وهو الآن مُطالب بأن يفي بشعاراته التي رفعها في الحملة الانتخابية، وأتصور أن الكثير من الملفات تنتظر أحمدي نجاد وخصوصاً الداخلية منها والتي يُمكن التعرض لها في مقال منفرد لاحقاً .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع