شارك هذا الموضوع

مشهد المعركة الرئاسية في إيران

محمد عبد اله العليمشهد المعركة الرئاسية في إيران
ما بين السيد الإمام والشيخ الرئيس .. عِقَارٌ مُر وتَجَرُّعٌ للسُّم


خلال استقباله جمعاً من الباحثين والمنتجين الزراعيين حَسَمَ رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي ونائب رئيس مجلس خبراء القيادة الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني (وبشكل مُبطّن) أمر ترشّحه للانتخابات الرئاسية التاسعة (17 يونيو المقبل) وإعلانه الدخول في المنافسة واصفاً قراره ذاك بتجرّع لعِقار مر أجبِرَ عليه لشعوره بالمسؤولية تجاه إيران والإسلام والقيادة (الولي الفقيه) ومن منطلق واجب الضمير والأخلاق ولعدم وجود أحزاب قوية وقادرة على تقديم الأشخاص ذوي الكفاءة رغم أنه لا يزال يرغب في أن يتولى شخص آخر من الكوادر الشابة (أو الجيل الثاني) هذا المنصب .


ولكون ذلك التوصيف (تَجرّعٌ لِعِقَارٍ مُر) مُرتبط تاريخياً بمقولة (مُشابهة) للإمام الخميني (قد) عندما أعلن الأخير موافقة الجمهورية الإسلامية على القرار رقم 598 القاضي بوقف الحرب مع العراق واصفاً قراره بتجرّع للسّم؛ فإنه يبدو بأن ذلك الوصف هو بداية انطلاق الحملة الانتخابية لرفسنجاني .


وفي الوقت الذي لم يبق فيه على الانتخابات الرئاسية التاسعة سوى أقل من خمسة وأربعين يوماً يبدو المشهد الإيراني دراماتيكياً بشدة كما هي طبيعته، إلاّ أن الأبرز فيه هو ارتخاء قبضة الجناحين على الكثير من الأوراق، فمن جهة لم يتفق المحافظون على مُرشّح أوحد يُمثلهم في الانتخابات رغم تصريح رضائي أنه من المحتمل تحديد مرشح يُجمع عليه (المحافظون) في أواخر شهر مايو المقبل، فقد أعلنت لجنة التنسيق بين القوى الثورية ترشيحها لعلي لاريجاني، بينما خرج العديد من الشخصيات المحافظة من نفوذ الأحزاب اليمينية التقليدية فنزول وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي كمرشح مستقل (رغم تواتر أنباء يمينية بأن ولايتي انضم إلى لائحة الأصوليين والحوار مع علي لاريجاني مستمر لحثه على الانضمام لهذه اللائحة) ونزول قائد قوى الأمن الداخلي السابق محمد باقر قاليباف كمرشح عن المحافظين الجدد ومحسن رضائي كمرشح مستقل وأحمد توكلي كمرشح عن قطاعات دينية وحوزوية محافظة ومحمود أحمدي نجاد عن القطاعات الرياضية، ثم وقوف الكتلة العلمائية المحافظة في المجلس النيابي الحالي مع هاشمي رفسنجاني، وكل تلك الأحداث ستُعمّق بلا شك من حالة انقسام تيار المحافظين، ويبدو أن هكذا حال هو مقبول إلى حد ما لدى أقصى اليمين وهو ما يُستشف من تصريح مسعود دهنمكي مدير أسبوعية (صبح دوكوهه) اليمينية المتشددة عندما قال بأن التنوع والتعدد داخل جبهة الأصوليين لا يُمكن إيقافه، إلاّ أن المصالح المشتركة تقتضي بأن يتوصل المحافظون إلى نوع من أنواع التعاون !!


في الجهة المقابلة يعيش التيار الإصلاحي ذات الإشكال وذات الانقسام فروحانيون مبارز وهي الحلقة المعتدلة في تيار الثاني من خرداد والقريبة من نواة السلطة دعمت ترشيح أمينها العام ورئيس البرلمان السادس الشيخ مهدي كروبي واصفة إياه بالرجل الأصلح لقيادة إيران ومسيرة الإصلاحات بالشكل الذي يحفظ مبادئ الثورة، في حين لا يزال اسم مصطفى معين مطروحاً من قِبَل غلاة الإصلاحيين رغم نفي علي شكوري راد دعم جبهة المشاركة له وفي الهامش يُوجد أيضاً محسن مهر علي زادة كمرشح لبطنٍ رخو في تيار الإصلاحيين، وفي الوقت نفسه أعلن كل من حزبي كوادر البناء والاعتدال والتنمية وهما من تيار الثاني من خرداد دعمها ترشيح رفسنجاني في حال دخوله المنافسة وهي جميعها إمارات حقيقية لحالة انشقاق في تحالفات الإصلاحيين الذين ظهروا بثلاثة مشارب


(1) روحانيون وحزب التضامن
(2) كوادر البناء وحزب العمل الإسلامي
(3) جبهة المشاركة ومجاهدو الثورة الإسلامية وتحكيم وحدت وبينهم أيضاً استقطابات داخلية قد تُفضي لتعميق الانقسام الإصلاحي الإصلاحي أكثر .


برامج المُرشحين
تقاربت برامج المُرشحين إلى حد كبير وتركزت حول المسائل الاقتصادية وأزمة البرنامج النووي الإيراني وقضايا الشباب والمرأة وتجويد الإدارة حيث اعتبر لاريجاني أن استثمار عشرة مليارات دولار في قطاع الصناعة والإنتاج سيوفر مليون فرصة عمل ويقضي على حجم كبير من البطالة، مُضيفاً بأن الفلاحين يشكلون أربعين بالمائة من نفوس إيران وينبغي العمل على ازدهار حياتهم وتسوية مشاكلهم، في حين أعلن كروبي أنه سيلجأ إلى استخدام الشباب في شتى مرافق حكومته ما لزم الأمر حتى لو لم يكونوا أعضاء في حكومته في حين صرح محسن رضائي أن بناء إيران المتقدمة هو أمر يدخل في نطاق الجهاد، وأن الفساد الإداري والاقتصاد المتخلف الذي يظهر في صورة التضخم والبطالة يؤكد أن التخلف له جذور عميقة مُعلناً بأنه يُؤمن بـ 4+2 فبالإضافة إلى مبادئ المحافظين الأربعة وهي الإسلام والإمامة والثورة والزعامة يُؤمن أيضاً بأن إيران والشعب الإيراني يُعيدنا بالضرورة إلى هذه المبادئ الأربعة أما قاليباف فقد أعلن عن ضرورة فسح المجال أمام الشباب كما تصدى هو في شبابه لقيادة فرقة عسكرية إبان الحرب مع العراق بينما أكد احمدي نجاد عن دعمه للقطاعات الرياضية والاهتمام بقضايا البطالة ورفع مستوى المعيشية، في حين رفع توكلي شعار أنه يريد حكومة متقشّفة وفي نفس الوقت فعّالة مؤكداً انه سيقضي على المحسوبية إذا ما جرى انتخابه، بينما قال ولايتي أن الرئيس المقبل ينبغي أن يكون فوق الميول والاتجاهات وعلى الحكومة المقبلة أن تتحمل مسؤولية هداية الجماهير ثقافياً، وأنه ليس لدينا في البلاد معضلة اسمها القوميات بل إن إيران الإسلامية ملك للشعب بكافة طوائفه وإثنياته (في إشارة إلى أحداث الأهواز الأخيرة) وأنه يحبّذ التدريس في الجامعة ويتسلّم راتبه منها (كما هو الآن) حين يُصبح رئيساً للجمهورية، في حين أعلن مصطفى معين أن برنامجه سيقوم على مواصلة الإصلاحات بأسلوب جديد أو كما سمّاها " الإصلاحات المشروطة " وأن برنامجه المقبل سيكون على شكل مثلث تكون الدولة أحد أضلاعه بينما تشكل النخب العلمية والجماهير ضلعيه الآخرين، وبإمكان التعاون بين هذه الأضلاع الثلاثة أن يقود إلى إيجاد حكومة نموذجية، بينما قال مهر علي زادة أن برنامجه الحكومي يقوم على توفير الرفاه وإطلاق تنمية شاملة في البلاد واعتماد اللامركزية .


أما الشيخ الرفسنجاني فقد كان حديثه خلال جلسة مجلس خبراء القيادة واضحاً بالتركيز على المسائل الاقتصادية وبالتحديد الخطة الخمسية الرابعة التي أعادها مجمع التشخيص إلى البرلمان لإجراء التعديل عليها وهي ذات الخطة المرتبطة بوثيقة إنجازات النظام العشرينية، مؤكداً أيضاً على معالجة تضاؤل القدرة الشرائية للطبقتين المتوسطة والفقيرة والحد من التبعية للدخل النفطي والاهتمام بعودة العقول الإيرانية المهاجرة .


فرفسنجاني الذي تولى منصب رئاسة الجمهورية في الفترة من 1989 وحتى 1997 يعتقد بأن الإنجازات التي بدأها قد أصابها التكلّس والانكماش بسبب تغيير السيد محمد خاتمي أولويات السياسة الإيرانية الداخلية من تنمية اقتصادية إلى تنمية سياسية بُعَيْد انتخابه رئيساً للجمهورية بدون خطوط موازات الأمر الذي أدى لأن يتعثر الجزء الأخير من الخطة الخمسية الثانية التي بدأها رفسنجاني، وهو ما أثّر أيضاً وبشكل أوتوماتيكي على مسيرة الخطة الخمسية الثالثة في العام 1999 والتي كانت أكثر ارتباكاً من سابقتها بسبب تدني أسعار النفط التي وصلت بدءاً من العام 1997 – 1999 إلى أقل من 10 دولارات وفي مرحلة منها إلى 6 دولار وبالتالي انخفض مخزون إيران من العملة الصعبة التي تأتي 82 بالمئة منها من عائدات النفط، كما انخفض مُعدّل النمو إلى 3 بالمئة بعد أن كان 6 بالمئة إبّان حكومة رفسنجاني، رغم أن تلك الأرقام تحسنت عند الإعداد التنظيمي للخطة الخمسية الرابعة فانخفضت مُعدلات البطالة إلى ما يُقارب الـ 10 بالمئة بعد أن كانت 15 بالمئة كما ارتفع معدل النمو إلى 8 بالمئة من دون النفط وهي أحد أعلى معدلات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وازداد مخزون إيران من العُملة الصعبة متجاوزاً العشرين مليار دولار، كما ازداد توجه الاستثمارات الأجنبية نحو قطاعات غير النفط بعد تعديل قانون الاستثمار وتوحيد سعر صرف العملة الأجنبية وإصلاح النظام التجاري وتحرير الاقتصاد .


وكان خاتمي قد تنبه جيداً لحقيقة ذلك الخطأ في دورته الانتخابية الثانية وبالتحديد في العام 2001 فسارع لتدارك التدهور الاقتصادي الذي استنزفته الحرب السياسية الداخلية التي أشعلها الإصلاحيون المتطرفون، وبدأ في عمليات ضخ في الصناعة الثقيلة ونفض الغبار عن بعض الملفات المتعلقة بالبنية التحتية لعدد من المحافظات .


كان رفسنجاني ومع حلول العام 1987 مهووساً بتوسيع خيارات إيران الاقتصادية للخروج في ركام المشاكل المتلازمة للاقتصاد الإيراني، في الأيام الأخيرة من الحرب كانت عائدات إيران من النفط تذهب لشراء المواد المُصفّاة مثل البنزين والنفط الأبيض والجازولين، وكانت ميزانية الدولة تُعاني من عجز يُقدّر بخمسين بالمائة أي نِصف الميزانية كانت تُستدان من البنك المركزي، وكان كل احتياط إيران من الذهب في البنك المركزي قد تمّ بيعه أو رهنه من أجل تغطية تكاليف الحرب، وكانت لدى إيران ما يُقارب الثلاثة عشر مليار دولار ديون فورية ومباشرة في ظل إيرادات لا تتجاوز السبعة مليار دولار فقط، وعندما انتهت الحرب كانت الطرق والموانئ وشبكات الكهرباء في خوزستان وإيلام وباختران وآذربيجان الغربية شبه مدمرة (لتماسها مع خطوط القتال) وكان جزء كبير من التجارة الداخلية تُدار من قِبَل السوق السوداء والتجارة الخارجية للقطاع الخاص متهالكة بل ووصل الحد إلى أن السعر الحقيقي للبضاعة وسعرها في السوق السوداء كان يصل إلى المائة ضعف !! وأمام ذلك الخراب في البنية التحتية فقد كان رفسنجاني مثقلاً بهمٍّ قاتل عندما تسلّم رئاسة الجمهورية في يوليو 1989 فقدم أول خطة خمسية بقيمة 135 مليار دولار ثم تلاها بخطة خمسية ثانية فانخفضت البطالة إلى 09 بالمائة بعد أن كانت 15.6 بالمائة وارتفع إنتاج الصلب من مليون إلى سبعة مليون في نهاية الخطة، وعندما تسلّم خاتمي الرئاسة في العام 1997 كانت نسبة التضخم قد انخفضت من 30 بالمائة إلى 17 بالمائة وبديون تبلغ 17 مليار دولار مع احتياطي يبلغ 12 مليار دولار بعد أن كان الدَّين يبلغ 13 مليار مع احتياطي تحت الصفر وانخفض الصرف المركزي بما يُقارب الخمسة عشر مليار دولار وحافظ الناتج القومي على مستواه وهو 06 بالمائة وبناء وإحداث 300 مدينة صناعية .


ويبدو أن رفسنجاني مُصرّ الآن (عندما تحمله صناديق الاقتراع لسدة الرئاسة) على أن يستمر وبتشكيلة تكنوقراطية بذات البرنامج الذي كان يعمل به خلال ثمان سنوات تنفيذية كان قد تربّع عليها لاعتقاده بأن تلك السياسة هي الآن مطمح شعبي في ظل الضغوط الاقتصادية الهائلة، وهنا يجب أن نؤكد وفي استحقاق أخير أن المعركة الانتخابية في الانتخابات القادمة سوف تتركز بين ثلاثة فقط وهم هاشمي رفسنجاني (حين يدخل المنافسة) ومصطفي معين ومهدي كروبي وفي ذلك يُمكن الإشارة إلى التالي :


1. إن الإصلاحيين المتطرفون قد خسروا معركة الانتخابات البرلمانية في فبراير 2004 بسبب سياساتهم الداخلية التي لم تنعكس كثيراً على الأوضاع المعيشية للمواطن الإيراني، كما فشلوا قبلها في انتخابات المجالس المحلية، وعليه فإن الانتخابات الرئاسية هي اختبار أخير لهذا التيار، وبالنظر إلى برنامج السيد معين فإن رسائله إلى الناخب الإيراني تبدو غير مُوفقة خاصة بعد اختياره لمحمد رضا خاتمي (شقيق الرئيس خاتمي) ليكون مساعده الأول في حال نجاحه في الانتخابات، كما اختار إلهة كولائي متحدثاً رسمياً باسم مركزه الانتخابي واختار علي شكوري راد مديراً لحملته الانتخابية وهم جميعاً من غلاة الإصلاحيين، وبالتالي فإن وقوف مثل هؤلاء وراء معين قد يُؤثر كثيراً على شعبيته .


2. إذا ترشّح فعلاً هاشمي رفسنجاني للإنتخابات فقد يدفع ذلك بالكثير من القوى المحافظة (وبالتحديد روّاد الإعمار) لأن تستسلم أمام قوة الرجل وتعلن دعمها وترشيحها له مع نهاية شهر مايو، خصوصاً مع إعلان السيد يعقوبي مدير حملة ولايتي الانتخابية أن الأخير سينسحب من المنافسة إذا أعلن رفسنجاني دخوله المعركة الانتخابية، وبالتالي يتحزّب التيار المحافظ حوله، ويتخلى عن باقي المرشحين الذي قد يستبقون ذلك بالانسحاب من حلبة المنافسة والاستمرار فيها بتحصيل حاصل خاصة مع وجود تأييد هام من تكتل الثاني من خرداد لرفسنجاني عبر كوادر البناء وحزب العمل الإسلامي ومن قطاعات واسعة من التيار المحافظ وأبرزها روحانيت مبارز التي ينتمي رفسنجاني إلي هيئتها المركزية .


3. بالنظر إلى أوضاع الإصلاحيين وفي ظل إصرار كل من كروبي ومعين ومهر زادة (وهم من الإصلاحيين مع الفارق) على نزول الانتخابات قد يسقط مهر زادة مبكراً ويتقدم كروبي على معين ويذهب إلى جولة ثانية مع رفسنجاني، وهو ما قد يُحوّل مسألة تأييد التيارات للمرشَّحَين المتنافِسَيْن لجولة أخرى من الانقسام والتشطير الداخلي لتلك التيارات بسبب تداخل المصالح السياسية والدينية بين القوى المحافظة والإصلاحية معاً، خصوصاً وأن كلاً من كروبي ورفسنجاني هما مستشارين للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام الخامنئي وهو ما يجعل الأمر أكثر إحراجاً بالنسبة للمحيطين ويفتح المجال للمزيد من عمليات المزايدة والتزكيات المفتعلة.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع