يتساءل العالم اليوم عن سبب تزايد أدوات الدمار والقتل وسفك الدم، في الوقت الذي تعيش المجتمعات عصر التباهي بالتطور "التكنولوجي" والتقدم التقني، والذي من المفترض أن يجلب -هذا العصر المتطور- الأمن و نمو العلاقات الإنسانية، غير أن ما يحدث مغاير تماماً لهذا الاعتقاد.
"حلقة مفقودة"!!
لسنا هنا بصدد الحديث عن هذا الصراع "السياسي" بين دول العالم المتناحرة، بقدر ما نريد بيان الحلقة المفقودة التي من شأنها أن تضبط شهوة الإنسان على السيطرة، أو تحقيق الأهداف عبر الوسائل الغير مشروعة، ومنها الحروب، فمع هذا الكم الهائل من التطور التكنلوجي تزداد الحاجة إلى تلك الحلقة "المسيّطرة" التي بإمكانها أن تكبح جماح شهوة النفوذ او السلطة، والتي ينجم عنها هذا الدمار.
إن تجنب "دوامة الخطر" التي يعيشها العالم اليوم، بحاجة إلى القيم المناوئة لسلبيات المادة وشرورها، التي تحولت إلى محور اهتمام المجتمعات.. هذه القيم هي من ينتشل الإنسان من واقعه، وتسموا به شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى مراحل متقدمة من الهدوء والاطمئنان والاستقرار الكفيل بإزالة فكرة "الاقتتال" من أجل المادة، وهذه هي الحلقة التي نفتقدها اليوم.
لكن، من أين لنا الحصول على هذه القيم؟
يرى كبار علماء الاجتماع في العالم، أن الحروب و سفك الدماء و قتل الأنفس و كل هذه المفاسد المتزايدة اليوم إنما هي ناتجة من عدم توفر التوازن بين متطلبات الجسم و الروح، إذ تغيّب المجتمعات اليوم الفضائل الأخلاقية والروح المعنوية بعد أن سخرت الأرض والبحر والفضاء لصالحها، وهذا الغياب نتج عنه فقدان العدالة والنظام الواقعي الذي من شأنه أن يوفر الأمن والاستقرار لدى تلك المجتمعات.
"المهدي.. مصلح عالمي"
وبعد الفشل الواضح الذي انتج كل هذا التخلف والدمار في العالم، تزداد الحاجة إلى "القيادة الصالحة" أو ما يعرف بـ "المخلص" و"المصلح العالمي" ليدرّ على العالم قيم الفضيلة، والذي نعتقده نحن المسلمين هو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي نرتقب على يديه الشريفتين حكماً عادلاً ومجتمعاً تسوده الأخوة والوئام والصفاء؟
هذا الاعتقاد لم يكن يوماً وليد خرافة، أو فراغ فكري، وإنما جاء بناءً على إخبار النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله بذلك، إذ يقول: "المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا".
"ما لله في آل محمد حاجة"!!
وعلى الرغم من إخبار النبي بـ "الغيبة" في أكثر من مورد ومناسبة، إلا أن ذلك لم يكن محط نظر وتأمل الكثيرين، الذين راحوا ينكرون وجوده تارة، ويفندون مشروعه في إقامة الدولة العادلة تارة أخرى، ليطلقوا العنان لأقلامهم التي حاولت النيل من هذه العقيدة، والتشكيك في وجود شخص الإمام المبارك في وقتنا الحالي، على الرغم من ثبوت مرحلة تاريخية وثّقت هذا الوجود، أبرزها مرحلة السفراء الأربعة، والرسائل المختومة والموقعة من قبل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولم يكن كل ذلك غائباً عن النبي الذي تحدث بالتفصيل في موارد عدة عن غيبة الإمام المهدي، و "الحيّرة" التي تقع فيها الأمة بسبب غيبته، إذ قال صلى الله عليه وآله: "والذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون".
الإمام المهدي... أين؟
وبعفوية شديدة، يتساءل المحبون والموالون: "أين هو الإمام المهدي الآن"؟ وهو سؤال مشروع ومن حق أولئك الذين تعلقت قلوبهم بشخص الإمام المهدي دون أن يرونه أن يطرحوا مثل هذا التساؤل، خصوصاً وأنه ورد مضمونه في "دعاء الندبة" المروي عن الإمام الصادق عليه السلام قبل ولادة الإمام المهدي -ويشهد لذلك جملة من الروايات الشريفة- منها التساؤلات التالية: " أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى ، أين المضطر الذي يجاب إذا دعى ، أين صدر الخلائق ذو البر والتقوى ، أين ابن النبي المصطفى وابن علي المرتضى ، وابن خديجة الغراء فاطمة الكبرى ...."؟؟
وعلى الرغم من أن معرفة مكان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ينافي فلسفة "الغيبة"، لكن جملة من الروايات الشريفة أشارت إلى أماكن تواجده على وجه الأرض دون معرفته من قبل الناس، إذ يراهم ولا يرونه كما يؤكد ذلك الإمام الصادق عليه السلام في جملة من أحاديثه المروية عنه.
ويقول عليه السلام: "لا يطلع على موضعه -أي الإمام المهدي- أحد من ولده ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره".
"يمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم"!!
ولكن هناك الكثير من الأماكن التي يحضر فيها الإمام المهدي، يتردد عليها ويتنقل منها إلى أماكن أخرى، وتماماً كما كان يحدث مع نبي الله يوسف عليه السلام، الذي ظل لسنوات طويلة حاضراً بين الناس دون أن يتعرفوا على هويته. يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا الصدد ما يلي:
"فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه، صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتّى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتّى قال له إخوته : إنّك لأنت يوسف، قال: أنا يوسف".
غير أن المكان المؤكد فيه حضوره سنوياً، هو "مكة" حيث موسم الحج ويقول في ذلك الإمام الصادق عليه السلام: "يفقد النّاس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه"
ختاماً، لا تزال أمام مريدي أنظمة وأشكال الحكم الحالي في العالم المزيد من الفرص لإثبات عجزها تماماً عن إدارة البشرية وقيادتها إلى بر الأمان! كل ما نحتاجه اليوم القليل من الصبر الإيجابي المشفوع بالعمل الجاد، حتى يقبل علينا المهدي عجل الله تعالى فرجه كالشهاب الثاقب، بشيء يفوق التوقعات!!.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
التعليقات (0)