اليوم.. يقف العام بأسره حائراً يبحث عن شكل "الدولة" التي يضمن من خلالها إقامة العدل وبسط الأمن والسلام، حيث ينشدون عيشاً كريماً في ظل دولة يسود الوئام بين أفراد مجتمعاتها مع تعدد مكوناتهم.
منذ قرون ولا يزال العالم يسعى باحثاً عن سبلٍ جديدة غير تلك التي استفذت قواها وفقدت شرعيتها شيئاً فشيئاً بعد أن نالت نصيبها من الرفض ومن ثم الفشل، لتبدأ بعدها مرحل التناحر والاقتتال والتكالب على السلطة بحجة التأسيس لما هو أفضل، ولإنتاج شكلاً سياسياً جديداً ربما يكون أكثر عدلاً وتحضراً من الذي سبقه.. غير أن النهايات تكون متشابهة دائماً.
ولعل هذا التصارع وتكرار الفشل الذي تشهده تلك الأنظمة الحاكمة؛ هو من يجيب عن تساؤلٍ عريض: "لماذا لم تستطع البشرية حتى يومنا هذا من إقامة دولة عادلة يسودها سلامٌ دائم؟"
إلا إن هذا الكم الكبير من التعطش للقتل والدم، وتحت عناوين ومسميات متعددة؛ يهدي المتسائل إلى حقيقة مفادها، أن إمكانية انتاج نظاماً سياسياً عادلاً ربما تكون شبه معدومة لدى الإنسانٍ الطبيعيٍ الخاضع للعصبيات وهوى النفس والأنانيات. وهنا تظهر أهمية وحاجة أن يكون للبشرية حاكمٌ لا يخضع لتلك الآفات، والتي - وكما هو واضح لدى الجميع- تكون بعيدة أشد البعد من "الإنسان" المرتبط بالله والمنصب بأمر منه، وهو ما حدث تحديداً مع الأنبياء والأئمة عليهم السلام.
يحل العدل مكان الظلم على يد إنسان!
المسلمون على وجه الخصوص، وفي القرن الحادي والعشرين، لا يزالون ينتظرون ذاك الحاكم العادل "المخلّص" الذي سوف يقطع دابر الظلم والفساد و التخلف والفقر، سيما وهم يتابعون المشهد السياسي والاجتماعي بترقب على أمل أن يحدث ما يغير حالهم نحو الأفضل، إلا أن إرادة الله شاءت أن يعيشون هذه الأجواء المشحونة بكل ما يعكر صفو أمزجتهم وقلوبهم ويهدد أمنهم واستقرارهم، ولعل الحكمة من كل ذلك، هو ليجربوا كل أشكال الحكم والأنظمة والقوانين الوضعية ويعرفون جيداً إمكانياتهم "المحدودة" كبشر في مثل هذه المجالات أمام قدرة السماء التي بإمكانها أن تمنح الجميع نسيم الأمن والسلام عبر شخصٍ واحدٍ يشببهم ظاهراً، إلا أنه بشرٌ استثنائيٌ وهو الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه، الذي يأمل أهل العالم على عهده انتهاء حقب الظلم والحرب والدمار.
وبعيداً عن المسميات المتعددة التي تنسب من قبل كل جماعة أو دين أو مذهب لعنوان الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه؛ فإننا نتفق مع الجميع على أن هناك "مخلصاً" وراء كل هذا الدمار البشع.. ولكن، من هو الإمام المهدي الذي ننتظره نحن الشيعة؟ وما هي قصة "التتويج" التي يحتفي بها اليوم الملايين من الشيعة في العالم؟
الإمام الثاني عشر..
هو الإمام محمد بن الحسن العسكري، آخر الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، ولد في سنة 255 هـ، وقد بشّر به النبي محمد، صلى الله عليه وآله، في مواقف ومناسبات عديدة، ومنها قوله: "والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى منا ثم ضرب يده على منكب الحسين وقال: من هذا، من هذا".
وجاء في كتاب أعلام الهداية حول ولادته أنها كانت، "في ظروف حرجة جداً لم تكن لتسمح بالإعلان العام عن ولادته، ولكنّ أباه الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، وعدّة من أهل بيته وأقربائه كحكيمة ونسيم وغيرهما قد شهدوا ولادته وأعلنوا فرحهم وسرورهم بذلك".
بعد 5 أعوامٍ من ولادته.. المهدي (عج) إماماً للمسلمين
وبعد شهادة الإمام الحسن العسكري ،عليه السلام، في الـ 8 من ربيع الأوّل سنة 260ﻫ، توّج ولده الإمام المهدي، عليه السلام، بتاج إمامة المسلمين في الـ 9 من ربيع الأوّل من العام نفسه.
ويعيش الشيعة في مثل هذا اليوم أجواء الفرح بهذه المناسبة، إذ يقيمون الاحتفالات ابتهاجاً بهذا الحدث، حيث يعتبر اليوم الأول على إمامة وخلافة منجي البشرية، وآخر الحجج لله على أرضه.
وتسلّم الإمام المهدي، عليه السلام، مهام الإمامة وهو في الخامسة من عمره الشريف، ليكون بذلك أصغر الأئمّة، عليهم السلام، سنّاً عند تولّيه الإمامة، وهذا الأمر لا يعد الأول من نوعه في تاريخ الأنبياء والرسل وأئمّة أهل البيت، عليهم السلام، فقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء ومنهم النبي عيسى، عليه السلام، وكذلك مع الإمام الجواد عليه السلام فقد حملا راية الرسالة، ومسؤولية الأمة في أعمار تتراوح بين 7 – 9 سنوات فقط.
الغيبة الصغرى..
وفي مثل هذا اليوم أيضا تبدأ الغيبة الصغرى للإمام المهدي، عليه السلام، عن أنظار الناس، التي استمرت سبعين عاماً حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبدأت بعدها الغيبة الكبرى.
ولم يطَّلع خلال السبعين عاماً هذه على مكانه أحد من الناس، إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط، وكانوا يتّصلون به عبر أشخاص مُحدَّدين، وهم الذين كانوا يحملون مسائل الناس إلى الإمام عليه السلام وكان يجيب عنها على شكل رسائل وكتب خطية.
إعلان بدء الغيبة الكبرى..
قرابة الـ 70 عاماً.. وهي فترة الغيبة الصغرى للإمام عليه السلام؛ كان يتواصل مع الأمة عبر سفرائه الأربعة المعروفين لدى الشيعة، وهم: "أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي" و "أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري" و "أبو القاسم حسين بن روح النوبختي" و آخرهم "أبو الحسن علي بن محمد السمري" والذي انتهت بوفاته الغيبة الصغرى ليعلن بعد ذلك الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بلوغ الأمة إلى مرحلة الغيبة الكبرى، حيث كتب له الإمام رسالة جاء فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم :- يا علي بن محمد السمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
وحقاً.. في اليوم السادس مرض السمري رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: لله أمر هو بالغه.
المصدر: الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
التعليقات (0)