قريباً يطلّ يوم الخامس عشر من شهر شوال يوم ذكرى غزوة أحد وشهادة الحمزة وهو يوم لدى الكثيرين كباقي أيام السنة لا أكثر ولا أقل !!..
وجدتُ نفسي حزيناً وملتاعاً في آن واحد حينما قرأت في بحار الأنوار :
( لَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ ص مِنْ أُحُدٍ رَاجِعاً للمدينة مَرَّ عَلَى دُورٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَ النَّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَ بَكَى ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَسمعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ذلك فأَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص بُكَاءَهُنَّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ إِلَيْهِنَّ وَ هُنَّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ص ارْجِعْنَ يَرْحَمُكُنَّ اللَّهُ فَقَدْ وَاسَيْتُنَّ بِأَنْفُسِكُنَّ )
نعم , صدقتَ يا سيدي " ولكن حمزة لا بواكي له "
كنتُ أتمنى أقول لك : "بل حمزة بواكي له !!"
أخذتُ أفتِّشُ عن الحمزة في نفسي وفي أحاديث المعصومين (ع) فوجدتُه سرّاً كبيراً :
فهو الذي لا يقبل الله حج حاجٍ ولا عمرة معتمر إلا به !! ولا يقبل رسول الله زيارة زائر له إلا به !! ولهذا قال (ص): " من أتى مكة حاجا و لم يزرني بالمدينة فقد جفاني...
ومن زارني ولم يزر عمي حمزة فقد جفاني !!... ومن جفاني جفوته يوم القيامة !!" ..
فما قيمة الحج والعمرة والزيارة حينها ؟!
وكأنّ ميقات وبوابة الحج والعمرة و الزيارة عند الحمزة لا غير !!
بل يكفيني أن أعرف مكانته الخاصة ومنزلته العظيمة من قول رسول الله (ص) فيه : " على قائمة العرش مكتوب حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء "
أو قوله (ص) أيضاً : " نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا و علي و جعفر و حمزة و الحسن و الحسين و فاطمة و المهدي "
أو قوله (ص) عن منزلته يوم القيامة وشفاعته لمحبيه حين قال : " إنه ليُرى يوم القيامة إلى جانب الصراط عالم كثير من الناس لا يعرف عددهم إلا الله تعالى هم كانوا محبي حمزة وكثير من أصحاب الذنوب والآثام فتحول حيطان بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنة .. فيقولون: يا حمزة قد ترى ما نحن فيه. فيقول حمزة لرسول الله (ص) ولعلي بن أبي طالب (ع) : قد تريان أوليائي يستغيثون بي فيقول محمد رسول الله لعلي ولي الله : يا علي أعِن عمَّك على إغاثة أوليائه واستنقاذهم من النار فيأتي علي بن أبي طالب بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله في الدنيا فيناوله إياه ويقول : يا عمَّ رسول الله وعم أخي رسول الله ذُد الجحيم عن أوليائك برمحك هذا كما كنت تذود به في الدنيا أعداء الله .فيتناول حمزة الرمح بيده فيضع زجه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وعبور الجنة على الصراط ويدفعها دفعة فينحيها مسيرة خمسمائة عام ثم يقول لأوليائه والمحبين الذين كانوا في الدنيا : اعبروا .. فيعبرون على الصراط آمنين سالمين قد انزاحت عنهم النيران وبعدت عنهم الأهوال ويردون الجنة غانمين ظافرين "
وبل يكفيني قول الإمام الصادق(ع) في شأن الحمزة :" إِنَّ فَاطِمَةَ ع كَانَتْ تَأْتِي قُبُورَ الشُّهَدَاءِ فِي كُلِّ غَدَاةِ سَبْتٍ فَتَأْتِي قَبْرَ حَمْزَةَ وَ تَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ " بل " إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ص كَانَ سُبْحَتُهَا مِنْ خَيْطِ صُوفٍ مُفَتَّلٍ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ عَدَدَ التَّكْبِيرَاتِ وَ كَانَتْ ع تُدِيرُهَا بِيَدِهَا تُكَبِّرُ وَ تُسَبِّحُ حَتَّى قُتِلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاسْتَعْمَلَتْ تُرْبَتَهُ وَ عَمِلَتِ التَّسَابِيحَ فَاسْتَعْمَلَهَا النَّاسُ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع عُدِلَ بِالْأَمْرِ إِلَيْهِ فَاسْتَعْمَلُوا تُرْبَتَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ وَ الْمَزِيَّةِ "
وفي مقام آخر يقول (ع) : " مَنْ سَبَّحَ بِسُبْحَةٍ مِنْ طِينِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع تَسْبِيحَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعَمِائَةِ حَسَنَةٍ وَ مَحَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَيِّئَةٍ وَ قُضِيَتْ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ حَاجَةٍ وَ رُفِعَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دَرَجَةٍ ثُمَّ قَالَ ع وَ تَكُونُ السُّبْحَةُ بِخُيُوطٍ زُرْقٍ أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ خَرَزَةً وَ هِيَ سُبْحَةُ مَوْلَاتِنَا فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ع لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ عَمِلَتْ مِنْ طِينِ قَبْرِهِ سُبْحَةً تُسَبِّحُ بِهَا بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ "
بل يكفيني فخر أهل البيت المعصومين (ع) به وهم على ما هم عليه من سمو ورفعة !!
يقول الإمام علي (ع) مفتخراً :
محمد النبي أخي وصنوي وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي
ويقول أيضاً (ع) فيما يقوله محتجّاً على القوم ومن غصبه حقه وخلافته : " ... فأنشدكم بالله أيها النفر جميعاً هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة غيري ؟! ... فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له عمٌّ مثل عمّي حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء غيري ؟! "
ويقول الإمام السجاد (ع) وهو في قيوده في مجلس يزيد : " أيها الناس أعطينا ستّاً وفُضلنا بسبع : أُعطينا العلم والحلم و السماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة , وفُضِّلنا بأن منا النبي المختار محمداً ومنا الصدِّيق ومنَّا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة ..."
فأيُّ فخرٍ أشد من هكذا فخر واعتزاز !!
بل يكفيني أن أعرف أن الحمزة وجعفر هما الشاهدان يوم القيامة على الأنبياء بتبليغ رسالتهم !! فقد روى يوسف بن أبي سعيد قال كنت عند أبي عبد الله الصادق (ع) ذات يوم فقال لي إذا كان يوم القيامة و جمع الله تبارك و تعالى الخلائق كان نوح صلى الله عليه أول من يدعى به فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيقال له من يشهد لك فيقول محمد بن عبد الله (ص ) قال فيخرج نوح فيتخطى الناس حتى يجيء إلى محمد (ص) و هو على كثيب المسك و معه علي (ع) و هو قول الله عز و جل فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا فيقول نوح لمحمد (ص) يا محمد إن الله تبارك و تعالى سألني هل بلغت فقلت نعم فقال من يشهد لك فقلت محمد .. فيقول(ص): يا جعفر و يا حمزة اذهبا و اشهدا له أنه قد بلغ . فقال أبو عبد الله (ع): فجعفر و حمزة هما الشاهدان للأنبياء بما بلغوا .. فقلت جعلت فداك: فعلي (ع) أين هو ؟ فقال هو أعظم منزلة من ذلك ..
ولهذا و لمكانة الحمزة الخاصة ولشهادته المفجعة وما جرى عليه من تمثيل وتشفٍ كان يومه على رسول الله يوماً قاسياً شديداً حتى قال الإمام السجاد (ع) في شأنه: "ما من يوم أشد على رسول الله من يوم أُحُد قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله .. وبعده يوم مؤته قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب" .. أفلا نعزي رسول الله في يومه الحزين هذا ونواسيه ؟!!
وإن كنا هنا وفي هذا الزمن الردئ يحقُّ لنا أن نتساءل كيف أصبحنا لا نستذكر ذكراه بل أصبح الكثيرون من المعتمرين وقاصدي الديار المقدسة وهم الذين قطعوا مئات الكيلومترات إن قصدوا قبر الحمزة يكتفون بالسلام عليه وهم جالسون في الحافلات !! ولا يكلِّفوا أنفسهم بعد قراءة الزيارة حتى بالنزول منها للسلام عليه وقوفاً بتبجيل و إكبار !! جهالةً وغفلةً منهم سامحهم الله .. وإن كان الكثيرون منهم يتعنَّون لأسواق مكة والمدينة القريبة والبعيدة !! بل أسواق جِدَّة و يقصدونها قصداً !!!
ولهذا أقول بأننا بحاجة لأن نقف من جديد لنصوغ المناسبات و ذكرى العظماء مرة أخرى .. ونحي ولو بالقراءة الحسينية أو اللطميات أو المهرجانات أو المؤتمرات أو التمثيل المسرحي ذكراهم .. لكسب الثواب و لنوفيهم بعض دينهم علينا ولنستلهم منهم .. عظماءنا أمثال عبد المطلب وأبي طالب المؤمن المفترى عليه لا لشيء سوى للنيل من مقام الإمام علي (ع) .. و أمّنا أمّ الزهراء و المؤمنين خديجة الكبرى (ع) .. (و إن كانت ذكراها في العاشر من رمضان وذكرى إبي طالب في السابع من نفس الشهر .. أي لا يحتاج أمر الإحياء لكثير من الترتيبات والعناء سوى إلفات نظر الخطباء لتخصيص يوم ذكراهم لهم ) .. وأخيراً أشير لعظيم آخر هو جعفر بن أبي طالب (ع) الذي عادةً ما يقترن اسمه باسم الحمزة وفيما ذكرت من الشواهد ما يوضح ذلك .. هذا الشهيد الذي بكاه الرسول (ص) يوم شهادته في الثاني من جمادى الأولى قائلاً " وعلى مثل جعفر فلتبكي البواكي " ..
وأخيراً أختم قولي بكلمة لا أذكر هي لمن : " أمةٌ لا تُحيي ذكرى عظمائها أمةٌ ميتة !! "
التعليقات (0)