أرى –هذه وجهة نظري وقناعتي الذاتية التي أؤمن بها– أن الأستاذ إبراهيم الطريف (أبو عبد الجليل) رحمه الله، من خير من أنجبتهم قرية السنابس، ومن أفاضلها، ومن الشخصيات البارزة من رجالات القرية في أكثر من جانب من جوانب شخصيته الثرية، والتي لم تنل حقها من الالتفات والتكريم، ومن الدراسة والاحترام ولا حتى الاقتراب منها في أثناء حياته، بل على العكس من ذلك، كنت ألتمس ما ينافر هذا للأسف الشديد!!. وكنت أتألم من هذا التجاهل ، وهذا الإعراض، وعدم إعطاء الرجل ما يستحق من الالتفات والتكريم والتقدير الاجتماعي.
كان للأستاذ إبراهيم أدوار واضحة وملموسة في بدايات مشروع تعليم الصلاة ، وقد بذل جهودا متعددة لدعم المشروع في بداياته، ووقف بجانبه بكل ما يملك من وقت وجهد وتفكير ومال، وقد استعان به الأستاذ أحمد الإسكافي كثيرا ً حين فتح الفرع الثاني للمشروع في مأتم السنابس، وقد قام الأستاذ إبراهيم الطريف بالصلاة إماما ً للطلاب ، ولم يكن يتوانى أو يتخلف عن الصلاة في كل ليلة، بل كان الجد سمة بارزة في شخصيته، فهو جاد طوال حياته، ولم يكن يعرف الراحة أو السكينة حتى عند الكبر، وعندما تجاوز الثمانين من عمره، جاد في كل مناحي حياته المباركة، في عبادته وقراءاته ووقته وتفكيره ، ولم أره يوما في حياتي جالسا ً على قارعة الطريق بعد تقاعده عن العمل في وزارة التربية والتعليم كبقية أقرانه من الآباء والكبار، يتبادلون من الأحاديث ما لا يليق أو لا جدوى من ورائه، أو ما فيه من المنكرات والحرام ما فيه، من غيبة أو سخرية بالمؤمنين أو نميمة أو كلام فارغ كله لهو وقتل للوقت، بل إني كنت كثيرا ً ما أسمعه يتألم من هذا الوضع، وينتقده، ويتحسر على ضياع الوقت والعمر لهؤلاء فيما لا فائدة منه ، أو جدوى.
من الممكن أن نرسم أهم ملامح شخصية الأستاذ إبراهيم في ثلاث نقاط هي أهم ما يميز تلك الشخصية الثرية، وتجعلها تبرز بجلاء من بين رجالات قرية السنابس.
(1) ارتباطه الوثيق بالدين:
كان أبرز ما يميز شخصية الأستاذ عليه الرحمة هو ارتباطه الواضح بالدين، وانشداده بتعاليم الإسلام، والتدين القوي الذي يظهر على شخصيته، وتلمس ذلك حين تجالسه، وتتحدث معه، وتراه أمامك، كان حريصا على صلاة الجماعة، ومواظبا ً عليها، مع كبار العلماء، وبجانب هذا لم يكن يترك النوافل اليومية أبداًً، بل كان ملتزما بها حتى وهو في آخر عمره، وقد ضعف وأخذ منه المرض كل مأخذ، وكنت أراه يصلي العشاءين كل ليلة في المسجد الذي كان قائما ً على شؤونه، وكنت أراه يصلي بخشوع وتأن وانقطاع إلى الله، ومع الصلاة الواجبة كان يؤدي النافلة كل ليلة، ولم أره قد تخلى عنها ليلة واحدة، وكان يستغرق من الوقت ربما أكثر من ساعة في أداء صلاة المغرب والعشاء والنوافل، في بعض الأوقات يكون بعض المصلين قد انتهى من صلاته واشترى ما يحتاجه من عشاء ورجع للبيت والأستاذ مازال في المسجد يصلي، ومنقطعا ً إلى الله تبارك وتعالى !! في الوقت الذي كنا نصلي ونحن صغار على عجل وبدون تأن ولا خشوع أو التفات للصلاة فضلا عن النوافل، وكنت أعجب بهذا الذي أراه، ويكبر الأستاذ في عيني وأنا أشاهده بهذه الحالة من الانشداد إلى السماء والخشوع في الصلاة والحرص على النافلة، كنت أجده في القنوت في حالة غريبة من الانكسار والتبتل وهو يناجي الله، كل ليلة هو هكذا على هذا الحال ، لم يتغير أو يتكاسل أو يقل أو يتراجع، بل يزداد في كل يوم خشوعا وتوجها إلى الله، ويزداد صلاة وعبادة.
في سنوات الستينات والسبعينات حيث لم يكن المشروع قد أنشئ بعد، ولم تكن هناك مراكز دينية أو حوزات أو حتى توجه لدراسة الدين كان الأستاذ يعمل سكرتيرا ً في مدرسة السنابس الابتدائية، في المدرسة كان أحرص ما يحرص عليه هو أن يعلم الناشئة أصول الدين، وتعاليم الإسلام التي تقوم على أسس المذهب الشيعي، وكان يبذل كل ما يملك من جهد وطاقة في تنشئة الصغار على تلك الأصول الإسلامية، والتي تغيب ولم يكن لها حضور في تلك السنوات، لا في البيوت ولا في المساجد. في تلك الأجواء المعتمة يشمر الأستاذ عن ساعديه، وبفضل ما لديه في أعماقه من ارتباط قوي بالدين، وانشداد بعرى الإسلام، والخوف على الأولاد من الضياع في تيه التيارات المنحرفة أخذ يعلم وينير ويرشد تلك الأرواح النقية إلى حيث طريق الصواب، ومنبع الدين، وأخذ يدل على الخير والنجاح إلى حيث مرتع الدين ونقاء الفطرة، وكنا نراه شديدا ً في هذه الأصول وتعلمها من قبل الطلاب، والناشئة، ولم يكن يعرف التهاون أو التراخي مع من لا يجد في تعلمها وحفظها..ولا أتصور أن هناك رجلا ً من رجالات السنابس وشبابها لم يتعلم على يديه في المدرسة أصول الدين وكيفية الوضوء، وأداء الصلاة في تلك الحقبة المشهودة.. وربما ألمس من البعض استخفافا ً أو عدم تقدير لما كان يقوم به الأستاذ إبراهيم، فما هي إلا عبارات معروفة، وما هو إلا تعليم الوضوء والصلاة.. وتعليم أن أصول الدين خمسة: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.. فماذا صنع من وراء ذلك ، وما هو العمل الخطير في هذا حتى تشيد به كل هذه الإشادة وتعطيه كل هذه المنزلة ؟!
للحديث تتمة
علي المحرقي
10/2/2013م
التعليقات (3)
ابو عباس
تاريخ: 2013-02-17 - الوقت: 09:20 مساءًشكرا استاذي بانتظار التتمه
ابو عباس
تاريخ: 2013-02-17 - الوقت: 09:32 مساءًللعلم استاذ كان يصاحب الاستاذ ابراهيم الطريف استاذ محمد حبيب ربيع ( ابو باقر ) لك ان تستعين به
الطريفي
تاريخ: 2013-03-20 - الوقت: 11:40 صباحاًياريت استاذ لو تطلعنا على دور المرحوم في مششروع تعليم الصلاة