يذكر السيد عبد العزيز الحكيم أن السيد الصدر حورب كثيرا ً، وأن من النادر أن يتحمل إنسان ما تحمّله وهو يُحارب بهذا الشكل. وفي هذا السياق نقل عن السيد الصدر نفسه أنه في إحدى الجلسات تاوّه وقال لطلابه : ما لقيته من أهل العلم أشد مما لقيته من حزب البعث ، وكان بعضهم قد سعى لقتله مع الحكومة العراقية. وعلى الرغم من متانة العلاقة التي كانت تربط بين السيد الصدر وبين السيد محسن الحكيم، فقد كان الأول يتأسف من موقف حواشي الأخير منه ومن بعض تلامذته، وكان السادة مهدي ومحمد باقر وعبد العزيز الحكيم يشكلون استثناء منهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى حواشي أستاذه السيد الخوئي رغم متانة العلاقة الشخصية بينهما، والتي بقيت مع ما عصف بها من أحداث عامة مكللة بالاحترام الشديد المتبادل إلى آخر أيام السيد الصدر.
1. ذات مرة ذهب إلى بيت أحد المراجع حيث لاقى استقبالا ً باردا ً، وقد قدّموا إليه كأسا ً من الماء، وعندما خرجوا قاموا بغسلها بناء منهم على تنجسها بعد أن شرب منها !!
2. كان السيد يُنسب إلى الضلال لا لشيء إلا لأنه ينادي بإقامة الحكم الإسلامي على أساس الكتاب والسنة.
3. ظل بعض موزعي شهريات المراجع يتعاملون مع السيد الصدر على أنه طالب عادي، فكانوا يقدمون له شهرية قيمتها خمسة دنانير كباقي الطلبة، ومرة قال للشيخ عفيف النابلسي وهم يسلمونه المبلغ: تأمل هذا التعامل، لا يريدون الاعتراف بأني أوزع كل شهر أكثر من عشرة آلاف دينار على الطلبة، ولازالوا في هذه المعاملات المحقرة.
4. كان أحدهم يعبر عنه قائلا ً : نعم، إنه أحد أفاضل الطلبة العرب .
5. وكان البعض ينعته بأنه صاحب الكتب الأدبية.
6. لقد كانت أبسط الشبهات التي أثيرت حوله أنه عاطفي لا يصلح للمرجعية، والقيادة والمرجعية يجب أن تكون للأشدّاء الأقوياء فقط، أما للعاطفيين الذين ترق قلوبهم أو تدمع عيونهم لهذا أو ذاك فلا.
وكان السيد الصدر يتألم حينما تبلغه تلك الانتقادات لأنها تصب في إطار تهديدهم الحوزة والمرجعية، وهو ما كانت تستهدفه السلطة. وفي جوابه على هؤلاء قال: ماذا يريد هؤلاء مني، هل يريدون أن أتعامل مع الناس بجفاء وخشونة، هل يريدون أن لا أمنحهم حبي، إذ كيف يمكن للأب أن يربي أبناءه بقلب لا يحبهم، أليس هؤلاء هم الذين سيحملون راية الإسلام ويدافعون عن كرامة القرآن، إذا كنا لا نسع الناس بأموالنا فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا ؟ . وقد صرّح السيد الصدر للسيد محمود الخطيب بأنه لا يرضى أن يُقال عنه إنه عاطفي، لأن الكلمة تحمل مدلولا ً سلبيا ً.
7. أحد أسباب الحملة ضده تعاطيه الفلسفة وكتابته فيها، حتى أن أحد أصدقاء السيد ذيشان حيدر جوادي في مدرسة البخارائي كان يستهزئ به لأنه يدرس عند السيد الصدر الذي أصدر كتابا ً في الفلسفة، وكان يطلب من الطلاب مقاطعته ورفقاءه لأنهم صدريون.
8. لقد أدّت الضغوطات التي كان يتعرض لها طلاب السيد الصدر إلى انفصال بعض تلامذته عنه، كما حدث مع الشيخ مفيد الفقيه الذي كان يتألم لذلك ويبكي أحيانا ً لأن قلبه مع أستاذه، ولكن الضغوط كانت شديدة عليه.
9. وقد دفع أحدهم أخاه ليشهّر بالسيد الصدر وينتقص منه ويكيل إليه –بحسب المصدر- ألوان التهم والأكاذيب المخجلة ويحول دون إقبال العلماء حضور بحثه. كما عوتب أحد الفقهاء لكونه يوصي العلماء والطلبة بحضور بحث السيد الصدر. بل إن هذا المذكور لم يكتف بما أسنده لأخيه، بل تبرع ليصف السيد الصدر بأنه وهابي إثر صدور كتابه (بحث حول الولاية)، وحاول التشكيك ببعض عبارات ذلك الكتاب.
10. ولما أدرج الكتاب المذكور (بحث حول الولاية) ضمن قائمة الكتب التي رفعت الدولة الحظر عنها، علّق أحد العلماء على الموضوع بأن السبب في ذلك هو أن الكتاب يخدمهم، ولما بلغ ذلك السيد الصدر تأذى، وحول أصل الموضوع كتب فيما بعد لأحد طلابه:
وعلى أي حال فاعلم يا ولدي أن ما مر به أبوك من مراحل في حياته وما شاهده بعينه وسمعه بأذنه ووصل إليه من الضجيج والكلمات حوله واتهامه حتى بما يشبه التسنن، وهو أعرف خلق الله بأنه من أبعد خلق الله عن ذلك وأنَّ التشيع يجري في عروقه كما يجري الدم .
11. كان شيخ من أقربائه ينتقص من أعلميته، وعندما يُسأل عنها كان يقول: هل هو مجتهد؟! وقد سأله بعضهم : إن بعض المؤمنين يرجعون في تقليدهم إلى السيد الصدر، فما تقولون بذلك؟!، فكان جواب الشيخ : إن حبك للشيء يعمي ويصم، وإن هذا التقليد باطل، وهل أن السيد محمد باقر الصدر مجتهد أصلا ً؟ . وعندما كان يُنقل كلام الشيخ إلى السيد كان يحاول استبعاد ذلك واحترامه أمام المؤمنين.
12. والبعض كان يزاحمه في مجلسه، فهاهو يحضر أحد المجالس التأبينية لأحد العلماء نهاية العام 1972م، فيضايقه أحد المعممين عندما يحاول الجلوس، ولم يسمحوا له بالجلوس في ذلك المكان رغم توفر المكان، فحاول الجلوس في مكان آخر فضايقه آخران وبالأسلوب نفسه، فما كان منه إلا أن ابتسم وجلس في مكان آخر رغم أن البعض قام ليعطيه مكانه. وكانت هذه الحادثة على مرأى من بعض تلامذته الذين تأثروا غاية التأثر. فلما انتهى المجلس أخبره السيد محمد الحيدري بتأثره وإخوانه لما حصل، فشكر لهم عواطفهم ومحبتهم تجاهه وقال لهم : هذه أمور بسيطة ينبغي أن نتحملها ولا ننشغل بها، فإن أمامنا مهام كبيرة علينا العمل على تحقيقها والتضحية من أجل الإسلام العظيم. وينبغي أن لا ننجر إلى مثل هذه الأمور الجزئية.. .
13. البعض كان يمسك كتاب (اقتصادنا) من وراء العباءة كي لا يمسه.
14. وكان البعض يدير وجهه إلى الحائط إذا التقى به مارا ً في الزقاق.
15. وكان أحد مدرسي كتاب (المكاسب) يتحاشى الالتقاء به كي لا يضطر لرد السلام عليه.
موقف الشهيد الصدر :
لقد كان السيد الصدر يدعو بالهداية لمن يؤذيه ويطعن فيه، وذات مرة جرى الحديث عن بعض الأشخاص الذين يتقولون عليه، فحاول أحدهم انتقاصه بذكر بعض عيوبه فمنعهم من الدخول في هذه الأمور التي تؤدي إلى الغيبة.
وانفصل أحد طلابه (وهو من السادة وكان ربما اتهمه بالعمالة) عن درسه وعن خطه الفكري الإسلامي، ثم بدأ يشتمه وينال منه في غيابه أمام الناس، وكان الكثير من كلماته يصل إلى مسامع السيد الصدر. وكان السيد كاظم الحائري ذات يوم جالسا ً عنده فجرى الكلام عن هذا الطالب، فقال السيد الصدر : أنا لا زلت أعتقد بعدالة هذا الشخص وأن ما يصدر منه ناتج من خطأ في اعتقاده وليس ناتجا ً من عدم مبالاته بالدين.
كان الشيخ محمد طحيني حاضرا ً في مجلس السيد بحر العلوم في شهر محرم الحرام حيث كان يُقام مجلس عزاء كبير، فجاء السيد الصدر إلى المجلس وجلس إلى جانب أحد المشايخ الذي أعرض بوجهه إلى الجانب الآخر، وكان الشيخ طحيني جالسا ً إلى جنبهما. وبعد لحظات أخذ السيد الصدر يحدّث الشيخ بأسلوب رقيق والشيخ ممتعض الوجه، ولكنه أكثر من الحديث والملاطفة والنقاش. وما هي إلا دقائق حتى انفتحت أسارير الشيخ وأخذ يقبل بكله على السيد الصدر في الحديث والحوار. وبعد فترة راح الشيخ يتردد على دار السيد الصدر ويكن له كل احترام وتقدير وإعجاب وإجلال.
وكان السيد حتى بعد تصديه للمرجعية إذا التقى بالسيد الخوئي يقبّل يده، ولم يكن يسمح لأحد بذكره بشيء مع ما كان يلاقيه من حاشيته، وعندما سُئل عن السبب قال: حتى أعلمكم كيف تحترمون أساتذتكم .
وكان شديد التحفظ في التعامل مع ملف حاشية السيد الخوئي ، وكان في هذه الأجواء يقول : لو يُقال إن السيد الصدر يعتبر خادما ً للسيد الخوئي فهو أهون علي وأحب إلي من أن يُقال إن بين السيد الصدر والسيد الخوئي حزازة.
حتى أنه لم يكن يقبل أن تحكى في مجلسه لطيفة (نادرة) عن السيد الخوئي يحكيها الأخير عن نفسه، ولما قيل له : هو يذكرها ويتحدث فيها قال : منه لطيفة، ومنا وخصوصا ً هنا ليست لطيفة.
التعليقات (1)
ابن السنابس
تاريخ: 2013-01-26 - الوقت: 07:48 مساءًأﻻ ترى أستاذ بأن المشهد نفسه يتكﻵ مع كل مصلح شيعي ؟ محسن اﻷمين وفضل الله وشريعتي ومغنية. . فيبدو أننا سواء من المعممين أو من العوام ﻻ نقبل بأي مصلح يرينا ويدلنا على عيوبنا أو يبرز من بيننا. . لن نفلح أبدا إﻻ إذا تركنا التقليد واتجهنا نحو اﻹصﻻح والتجديد والبحث عنهما أينما كانا. . شكرا لك على هذه المقاﻻت وننتظر المزيد والمزيد منك بارك الله فيك وفي قلمك