شارك هذا الموضوع

هل يُجيد الشعلان دور روكامبول العراق

محمد عبد اللهجاءت تصريحات وزير الدفاع العراقي حازم شعلان ضد طهران وقبلها تصريحات الرئيس العراقي المؤقت غازي عجيل الياور لتعيد مسار العلاقات الإيرانية العراقية إلى المربع الأول بعد أن عاد إليها الدفء بُعيد اجتماع وزراء داخلية دول الجوار العراقي (بالإضافة إلى مصر) في طهران مطلع الشهر الجاري، رغم أن تصريحات شعلان ليست الأولى في هذا الشأن كما أن حديث الرئيس الياور هو أيضاً ليس الأول من نوعه فقد سبق له وأن ذكر ذات العبارات خلال انعقاد قمة الثمانية في سي آيلاند بولاية جورجيا الأمريكية في شهر يونيو الماضي عندما صرّح خلال اجتماعه بالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بأنه " يجب أن تتصرف إيران على نحو ينمّ عن تحمّل المسؤولية، إن المرء يأمل أن تُصبح العلاقات جيدة إلى درجة لا تنشب فيها حرب ثانية بين العراق وإيران " .


والبائن من تلك التصريحات مجتمعة أن خريطة توزيع القوى في توليفة الحكم العراقية الحالية باتت تفرض على أفرادها أجندة متباينة تجاه القضايا والملفات ومن ضمنها ملف العلاقات مع دول الجوار، لأنه وفي الوقت الذي نسمع فيه مثل تلك التصريحات السيئة نسمع أيضاً تصريحات مُغايرة لمسؤولين عراقيين، وهو ما يُفسر حداثة نضج القيادة العراقية الحالية وعدم إجماعها على خطاب سياسي مُوحّد .


وهنا أثير تساؤلاً مشروعاً : كيف يريد العراقيون (أمثال شعلان والنقيب والياور) من إيران أن تتعامل معهم وبأي طريقة ومنهج سياسي يُحبون، فطهران اعترفت بمجلس الحكم الانتقالي وبالحكومة المؤقتة، كما رحبت بالقرار الأممي رقم 1546 بشأن نقل السيادة للعراقيين، وساندت إجراء انتخابات عامة بهدف إسباغ الشرعية للحكم الجديد وإحراج الإحتلال، وأبقت على علاقاتها مع التيارات السياسية وبالأخص التيار الصدري بالقدر الذي لا يُزعج العراقيين أو يُسبب حرجاً لحلفائها في الداخل وهو ما صرّح به نائب الرئيس العراقي الدكتور إبراهيم الأشيقر  خلال مقابلة أجرتها معه في قناة العربية الفضائية عندما قال (خلال زيارتي لإيران وجدت تفهماً جيداً للحالة الموجودة بالعراق إن لم تُطابق فهي تقترب إلى حد كبير لما نفهمه نحن) هذا على المستوى السياسي.


 أما على المستوى الاقتصادي فقد قامت إيران بشحن آلاف الأطنان من البضائع والسلع والمؤن بمختلف أنواعها عبر حدودها الشرقية الشمالية وتزويد المناطق الجنوبية بالطاقة الكهربائية، وقدمت خلال الاجتماع الدولي الثالث لخبراء صندوق الدعم المالي لإعادة بناء العراق (آي.آر.اف.اف.آي) في 13 أكتوبر المنصرف في طوكيو مبلغ عشرة ملايين دولار كوجبة أولى رغم أن العراق مدين لها بأكثر من 100 مليار دولار نتيجة الحرب المفروضة، وقبل أيام أعلن في طهران أنه سيبدأ تسيير خط بحري بين مدينتي خرمشهر والبصرة بهدف تنشيط التجارة البينية عبر نهر أروندود، وعلى المستوى الثقافي قدمت إيران خدمة طباعة الكتب الدراسية العراقية وتنظيم المهرجانات الثقافية والسينمائية، وهي جميعها مُدخلات رئيسية لإبداء حُسن النية، إلاّ أن الرد العراقي (عبر بعض الشخصيات غير المسؤولة) جاء حِدّياً لدرجة غريبة، فاتهم طهران بإدخال أكثر من مليون عميل للتأثير على الانتخابات المُرتقبة في يناير المقبل وهو ادعاء لا يتفوّه به صاحب دراية، إذ كيف تقوم إيران بإدخال مليون من عُملائها هكذا وبدون رقيب أو حسيب أم أنهم من الجان والعفاريت التي ليس لها حيّز يُبان ؟!!


ومن أين لها هذا الكم الهائل من العُملاء المُنظّمين حديدياً لدرجة لا يُكشف أمرهم ولا هوياتهم !! كما تمادى الرد العراقي على موقف إيران (عبر تلك الشخصيات) باتهامها أنها تقوم بتهريب المُخدِرات إلى المناطق الجنوبية والوسطى في العراق، في حين أن الأمم المتحدة وباقي المنظمات المعتمة بذلك وفي كل عام يُشيرون بالتقدير إلى ما تقوم به إيران من مكافحة شرسة لتجارة المُخدِرات، وقد ضبطت الجمهورية الإسلامية خلال العشرين سنة الماضية زهاء الأربعة ملايين و700 ألف كيلو غرام لأنواع مختلفة من الهيروين والكوكايين، وقدمت في سبيل ذلك أكثر من خمسة عشر ألف قتيل وجريح من قواتها المسلحة خلال مواجهات حقيقية مع جماعات وعصابات التهريب النشطة التي تردها من محور الإنتاج وقلاعه في المثلث الذهبي الذي يتألف من لاغوس وتايلاند وكمبوديا ثم نزولاً نحو أفغانستان وباكستان، وقد قُدرت الميزانية التي تضعها طهران لمكافحة المخدِرات إلى مليار دولار سنوياً ..


كما ومن المراهقة السياسية أنه حين تقع أي حركة غير عادية في شمال العراق تُتهم تركيا بذلك وعندما تقع مثلها في الشمال الغربي تُتهم سوريا بذلك وعندما تقع في الجنوب الشرقي يتهمون إيران التي أضحت العدو الأول للعراق على حد تعبير المدعو حازم شعلان الذي استبد به الشذوذ السياسي لدرجة إدانته القائمة الوطنية الشيعية المُؤيّدة من المرجعية العليا مُعتبراً إياها بأنها قائمة إيرانية وأن معظم مُرشحيها هم حلفاء تقليديون لإيران .


والمتابع للشأن العراقي قد لا يُعير تلك الاتهامات أهمية كُبرى خصوصاً إذا تمّ التثبّت من أن مصدرها أو منطلقها هو ضغائن فشل شخصي، وإنما الأهم من ذلك هو الوقوف أمام حقيقة الموقف الإيراني من الحالة العراقية، ثم الاقتراب من الفهم الإيراني لواقع العراق والذي يُمكن تلخيصه في المُعطيات التالية :


1. سقوط نظام صدام حسين الذي كان يُمثل خطراً مُتعاظماً لإيران طيلة خمسة وعشرين سنة وبالتالي فإن سقوطه شكّل انفراجاً رأت فيه طهران مكسباً مُهماً، من دون أن تُساهم في طلقة واحدة .


2. إحتلال أمريكي مباشر للعراق الأمر الذي جعل الطوق الأمني والعسكري حول إيران شبه مُكتمل، فباكستان جسّرت علاقات انبطاحية مع واشنطن لتعقّب مقاتلي طالبان والقاعدة في مناطق القبائل، وأفغانستان صار الوجود الأمريكي فيها واقعاً قائماً ومُراً ولآجال غير مُسمّية، وآذربيجان سبقت الأفغان في ذلك التحالف، وتركمانستان قامت بتأجير قاعدة عسكرية مركزية مُهمّة في عُمق العاصمة عُشق آباد لأكثر من 25 سنة، بالإضافة إلى قاعدة إنجرلك التركية المُزودة برؤوس نووية .


3. صعود المعارضة العراقية القريبة من إيران وحصولها على مناصب مُتقدمة في الحكم العراقي الجديد على غِرار ما حدث لمعارضة تحالف الشمال في أفغانستان الأمر الذي أعطى طهران أملاً جيداً لبلورة سياستها في العراق، كما أن علاقاتها الجيدة بالأكراد ضمِنَ لها ذلك النفوذ بشكل أكبر .


4. بقاء منظمة مُجاهدي خلق الإرهابية في العراق تحت الحماية الأمريكية رغم قرار مجلس الحكم الإنتقالي المُنحل طرد هذا المجموعة الإرهابية، واستخدامها كورقة ضغط من جانب الولايات المتحدة على إيران .


5. دخول تل أبيب إلى الأراضي العراقية عن طريق شركات تجارية وشركات مقاولات واتصالات مُستغلة الوجود الأمريكي وحميمية علاقتها الإستراتيجية مع واشنطن وعلاقاتها الاستخباراتية مع الأكراد، وهو ما يُشكل هاجساً متعاظماً لدى الساسة في طهران .


 
وبناءً على تلك المعطيات فإن إيران لا تفصل سياستها الواقعية العقلانية الدولية والإقليمية عن سياستها تجاه العراق من دون أن تجعل الأخير ساحة ميدانية لتصفية حساباتها مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع أي جهات أخرى، إلاّ أنها مُجبرة أن تتعامل مع تلك المعطيات كما هي وبدون أدنى محاباة لأي طرف، وبالخصوص تأثير وجود قوات أمريكية لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن حدودها والذي بات يُشكل خطراً غير عادي على الأمن القومي الإيراني، وإذا كان بعض الساسة العراقيين لا يريدون أن تكون مسألة العلاقات مع أي دولة من الدول تعيش انعكاسات لموازنات شرق أوسطية أو دولية، فإن وجود واقع يُغاير ما يريدون هو ضريبة طبيعة للمنهج الذي اختاروه في معالجة صراعهم المرير مع الحكم العفلقي البغيض، خصوصاً وأن الاستعانة بقوة عُظمى (وقبل أن تكون احتلالاً) لا تحظى بترحيب بعض القوى في المنطقة بالإضافة إلى رفض شعبي واسع لها وهو ما يُعقد المسألة أكثر وعلى الجميع تحمّل عواقبها .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع