ذكرنا في المقالين السابقين مجموعة من النصوص التي تدلل حسب رأي أصحابها على أن العالم الشهير آينشتاين كان ضد الدولة الصهيونية ، وضد إقامة دولة ما يسمى بإسرائيل، وأنه يدعو للتعايش والسلام، وفيما يلي من الصفحات نورد مجموعة من النصوص والوثائق والتواريخ التي تقوم على المشاهدات حسب التسلسل الزمني، مرافقين آينشتاين في كل نشاطاته وحركاته التي تنطلق من حسه اليهودي والصهيوني، من إلقاء الخطب وجمع المال وإنشاء الجمعيات واللقاء بالمسئولين الأمريكان وغيرها، والتي تدلل حسب رأي أصحابها على أن عالم الذرة كان له الدور الكبير في قيام إسرائيل ودعم الكيان الصهيوني، وكان عنصرا ً فاعلا في جمع شتات اليهود في دولة واحدة على حساب العرب أصحاب الأرض، وإن حاول التنصل في أخريات حياته من هذا النشاط المشبوه !! .
ما كُتب حول دعمه لإسرائيل والصهيونية:
قبل الحديث عن آينشتاين لابد أن نعرف بشخصية وايزمان، لأنه سيرد اسمه كثيرا ً، حيث كان مرافقا ً لآينشتاين في أغلب تحركاته ، ولندرك حجم الدور الذي لعبه آينشتاين في إيجاد الكيان الصهيوني من خلال التعرف على رفيق دربه وايزمان ، الشخصية الأخطر في نشأة إسرائيل .
يعتبر حاييم وايزمان (27 نوفمبر 1874 - 9 نوفمبر 1952) أشهر شخصية صهيونية بعد تيودور هرتزل. لعب الدور الأهم في استصدار وعد بلفور نوفمبر 1917 واكتشف نوعا ً من المفرقعات مما زاد اهتمام بريطانيا به . كان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية منذ عام 1920 حتى عام 1946 ثم انتخب أول رئيس لدولة إسرائيل 1949.ولد في روسيا، وكان نشيطا في الحركة الصهيونية منذ بدايتها. شارك عام 1903 في تأسيس الكتلة الديمقراطية التي نادت بالصهيونية العملية، في عام 1904 هاجر إلى بريطانيا حيث حصل على شهادة جامعية في الكيمياء من جامعة مانشستر. ساهم في المناقشات التي أدت إلى صدور "وعد بلفور" عام 1917. ترأس وايزمان اتحاد النقابات الصهيونية "الهستدروت"، واعتبر رجل الارتباط الأساس مع حكومة بريطانيا بين عامي 1921 و1946 مع توقف قصير بين عامي 1931 و1935. أيد قرار تقسيم فلسطين، وكان يميل إلى انضمام إسرائيل إلى اتحاد شرق أوسطي. توفي حاييم وايزمان يوم 9 نوفمبر عام 1952 في إسرائيل في بلدة ليهوفوت وقد خلفه إسحاق بن زفي.
التوجه لأمريكا لتأييد الدعوة الصهيونية واللقاء بوايزمان:
في عام 1921م سافر آينشتاين إلى أمستردام لإلقاء بعض المحاضرات، وبعد عودته منها استضافته جامعة براغ، وبعد براغ سافر أينشتين إلى فيينا ، وعند عودته إلى برلين اتصل به الزعيم الصهيوني المعروف وايزمان الذي نجح في الحصول من الحكومة البريطانية على وعد بلفور الشهير الخاص بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وطلب وايزمان من أينشتين مساعدته في حملة لجمع التبرعات من المواطنين الأمريكان لإنشاء جامعة عبرية في أورشليم. وبطبيعة الحال أراد وايزمان الاستفادة من شهرة أينشتين التي طبقت الآفاق، وتشجيع الناس على التبرع، وراقت لأينشتين هذه الفكرة وخاص بعد أن استطاع واحد من غلاة الصهاينة استمالته وجعله واعيا ً بجوهره اليهودي، فدفعه هذا الوعي إلى التحمس لإنشاء وطن قومي في فلسطين لبني جلدته.
وفي أول أبريل 1921م وصل إلى ميناء نيويورك كل من أينشتين وزوجته ووايزمان وزوجته على ظهر الباخرة روتردام، وتصادف وصولهم يوم السبت فقرروا على حسب عادة اليهود عدم النزول من الباخرة حتى غروب الشمس. وتجمهر على رصيف الميناء حشد غفير من اليهود الذي رحبوا بمقدم وايزمان وأينشتين برفع أعلام صهيون البيضاء، وتعذر على السيارة التي أقلّت أينشتين ووايزمان وزوجتيهما أن تشق طريقها وسط هذا السيل من السيارات والجموع الحاشدة.
ثم ذهب أينشتين برفقة وايزمان إلى واشنطن لمقابلة رئيس الولايات المتحدة آنذاك وارين هاردنج، وهناك ألقى أينشتين خطابا ً أمام الأكاديمية القومية للعلوم، ولم يدخر الرفيقان وسعا ً في التجوال دون كلل أو ملل في ربوع الولايات المتحدة من أجل جمع التبرعات لليهود. وفي تلك الآونة جاء إلى فلسطين وفد بريطاني يتكون من ونستون تشرشل الذي كان يشغل آنذاك وظيفة سكرتير المستعمرات البريطانية برفقة صاحبة ت.أ. لورانس وهربرت صاموئيل المندوب السامي في فلسطين لتدارس أنجح وسيلة لتنفيذ وعد بلفور. ووقع اختيارهم في البداية على قطاع غزّة الذي يسكنه خمسة عشر ألف عربي مقابل أقل من مائة يهودي، غير أن هذا الوفد البريطاني قوبل بمظاهرات الاحتجاج من جانب العرب، وكان لورانس العرب الوحيد بين أعضاء الوفد الذي يعرف اللغة العربية والذي فهم صياح المتظاهرين العرب "الموت لليهود" و "اقطعوا رقابهم" . وفي فلسطين قام تشرشل بزرع شجرة على جبل سكوبوس وهو الموقع الذي اختير لإقامة الجامعة العبرية عليه، قال تشرشل وهو يزرع هذه الشجرة : بالأصالة عن نفسي فإن قلبي يمتلئ بالعطف على الصهيونية. وفي أحاديثه الخاصة أبدى تشرشل إعجابه باليهود الذين جعلوا الصحراء خضراء يانعة، والحقيقة أن المستوطنات اليهودية الأخرى كانت أسوأ حالا ً من البقعة التي اختيرت إنشاء الجامعة العبرية، وطلب وايزمان من يهود العالم التبرع لمساعدة بني جلدتهم على الهجرة والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ورسم وايزمان صورة مستقبلية للتواصل بين الجامعة العبرية المزمع إنشاؤها وأعرق الجامعات الأمريكية، فتحدث عن تبادل الزيارات بين أساتذة جامعة أورشليم وأساتذة جامعة هارفارد.
وفي أثناء تجواله مع وايزمان في ربوع أمريكا ألقى أينشتين طائفة من المحاضرات وطمأن دعاة الصهيونية واليهود المتدينين إلى أنَّ نظرية النسبية لا تتعارض مع الإيمان بوجود الله، وللتعبير عن تحمسه لإنشاء جامعة عبرية في فلسطين قال أينشتين: إن هذه الجامعة سوف تكون أعظم إنجاز يتحقق بعد هدم الهيكل اليهودي في أورشليم مشيرا ً إلى أن الجامعات في شرق أوروبا ووسطها تحرم الطلبة والأساتذة اليهود من فرصة الالتحاق بها.
وفي أوائل مايو عام 1921م بينما كان أينشتين يتحدث في شيكاغو عن ضرورة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وقعت أعمال شغب بين العرب واليهود في يافا فسقط ثلاثون يهوديا ً وعشرة عرب قتلى في المعركة التي دارت بينهم، فاضطر المسئول البريطاني هربرت صاموئيل تعليق هجرة اليهود إلى فلسطين بصفة مؤقتة.
في عام 1922 منحت لجنة نوبل جائزتها لأينشتين، ولكن لم يتسلم الجائزة بنفسه في الاحتفال الذي أقيم لهذا الغرض في 10 /12/1922م، نظرا ً لأنه كان على سفر ويجوب العالم، وتسلم الجائزة نيابة عنه المبعوث الألماني إلى السويد، فبعد انتهاء زيارته إلى أمريكا قام بزيارة فرنسا وبعد فرنسا زار كلا ً من الصين واليابان، وفي طريق عودته من اليابان توقف هو وزوجته في فلسطين، وفي فلسطين استضافهما هربرت صاموئيل المندوب السامي البريطاني . وفي 7 فبراير 1923م استقبله المسئول الصهيوني في فلسطين استقبالا ً رسميا ً. واعتذر أينشتين عن عدم استطاعته التحدث باللغة العبرية. وفي اليوم التالي استقل مع إلزا عربة لحضور حفلة استقبال لهما في مدرسة يهودية، واصطف تلاميذ المدرسة لتحيته فوصف ذلك اليوم بأنه أعظم يوم في حياته، وأضاف أن العصر
الذي نعيش فيه هو عصر تحرير الروح اليهودية، وأن هذا التحرير تمَّ على أيدي الصهاينة، وهي روح لا يستطيع أحد تدميرها على حد قوله.
مكث أينشتين 12 يوما في فلسطين، وفي 9/2/1923م تحدث من مرتفعات سكوبوس وهي المكان الذي وقع عليه الاختيار لبناء الجامعة العبرية. وكتب أينشتاين الموجود في فلسطين إلى سولوفين صديقه اليهودي يقول:" لقد فتنني بنو جلدتنا في فلسطين بمهارتهم كمزارعين وعمال ومواطنين". وأعرب عن تفاؤله بمستقبلهم، ولكنه أظهر عدم رغبته في البقاء معهم حتى لا يصبح معزولا عن عمله وأصدقائه في أوروبا حيث يعيش حرا طليقا. وبعد أن غرس شجرة في جبل كارمل قام بزيارة مدرسة حيفا العليا ومدرسة الفنون والصنايع، ثم تجول في إحدى المستعمرات. وعندما همَّ بالسفر بالقطار من محطة أورشليم يوم 14/2/1923م سأله سائل يهودي إذا كانت لديه ثمة نصيحة لتحسين أحوال اليهود في فلسطين؟ فأجاب بقوله :" اجمعوا المزيد من التبرعات" ثم التفت إلى وايزمان وقال له:" الصعاب كبيرة ولكن المزاج النفسي ينم عن الثقة بالذات، كما أن العمل الذي تم إنجازه يثير العجب والدهشة".
كان أينشتين يهودي الديانة شديد العطف على بني قومه من اليهود، يسعى قدر طاقته إلى تقديم العون إلى المحتاجين منهم.ففي عام 1929م وهو عام الكساد العظيم ارتفعت نسبة البطالة في برلين وحدها إلى حوالي نصف مليون عاطل، وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة ساءت أحوال اليهود المهاجرين من روسيا وبولندا إلى ألمانيا، واستطاع أينشتين عن طريق إنشاء إحدى الجمعيات الخيرية أن يجسد جهود اليهود المرموقين في أوروبا من أجل التكاتف مع بني قومه اليهود مثل صديقه الروائي أرنولد زويج وفرويد الذي ناشده أن يسمح باستخدام شهرته في انتشال اليهود من وهدتهم، فرد فرويد عليه بأنه يخجل من نفسه لضآلة قدرته المادية على مساعدة اليهود المحتاجين :" أنا لست رجلا عجوزا وضعيفا ومنهوكا فقط، بل إن كاهلي مثقل بالالتزامات المالية". رغم ذلك فقد تبرع فرويد بمبلغ من المال إلى جمعية أينشتين الخيرية الساعية إلى مساعدة بني إسرائيل، ولزيادة قدرته على الإنفاق على أعمال الخير وعلى رأسها مساعدة اليهود لجأ أينشتين إلى بيع مخطوطة بحثه الذي يقع في 6 صفحات في الولايات المتحدة عن طريق وكيل أعمال أمريكي، كما أنه بدأ يتقاضى مبالغ رمزية مقابل التوقيع على الأوتوجرافات وإجراء الحوارات الصحفية معه لزيادة موارد جمعيته الخيرية والتي تذهب أموالها في النهاية لصالح الصهيونية وإنشاء وطن لليهود.
وفي مؤتمر عقده اليهود عام 1929م كان أينشتين حاضرا فيه بقوة هو ووايزمان، في هذا المؤتمر وقف على قدميه مع جموع الحاضرين لتحية وايزمان حين قال:" نحن لا نريد من فلسطين أن تكون في أيدي الصهاينة، نحن نريدها لليهود جميعا فوعد بلفور موجه إلى كل اليهود" . وحول الدولة اليهودية إسرائيل وجمع شتات يهود العالم أجرى معه الصحفي الأمريكي ألماني الأصل جورج سيلفستر فيريك لقاء ، وفي هذا اللقاء دارت بينهما أسئلة مباشرة من قبيل :
س: هل تعتبر نفسك ألمانيا أم يهوديا؟
ج: في الإمكان أن أكون ألمانيا أو يهوديا، غير أنني أعتبر نفسي إنسانا. إن القومية مرض طفولي وهي الحصبة التي تصيب البشرية.
س: فكيف تبرر قوميتك اليهودية إذن؟
ج: أنا أؤيد الصهيونية رغم أنها تجربة قومية؛ لأنها تجمع بين اليهود في بوتقة الاهتمام المشترك، فهذه القومية لا تشكل خطرا على الشعوب الأخرى. إن دولة صهيون أصغر من أن تكون لها تطلعات وأهداف استعمارية.
س: أنت لا تؤمن بالانصهار (يعني انصهار اليهود في القوميات غير اليهودية) ؟
ج: نحن معشر اليهود نتلهف إلى التضحية بخصائصنا من أجل التواؤم مع المجتمعات غير اليهودية، في حين أن الجماعات والأمم الأخرى تحرص على غرس التقاليد الخاصة بها. فلماذا نضحي بتقاليدنا؟ وإذا نحن جردنا كل جماعة عرقية من التقاليد الخاصة بها فسوف يتحول العالم إلى مصنع فورد هائل لصناعة السيارات، وأنا أؤمن بالتماثل في إنتاج السيارات وليس البشر . انتهى
تأمل إجاباته وهو ينفي عن الصهيونية أن تكون لها تطلعات وأهداف استعمارية!! لتعرف مدى إخلاصه للصهيونية وعمله الدءوب من أجل تثبيت أركانها وتحقيق أهدافها المخطط لها على أرض فلسطين المغتصبة.
وللحديث تتمة
علي المحرقي
26-12-2012
التعليقات (0)