شارك هذا الموضوع

حمل سنينه الـ130 على ظهره ومضى على مهل عبدالحسن لم يسمع باللكزس ولا بمجمع السِّيف...

حتى هذا اليوم وبعد مرور أكثر من 130 عاما لايزال الحاج عبدالحسن بن إبراهيم يجهل تاريخ ميلاده، غير أن عبدالحسن الذي ناهز عمره 13 عقدا يتذكر جيدا أنه كان في العاشرة من عمره حين تشييد مأتم بن خميس في قرية السنابس الذي تشير لافتته الى تأسيسه للمرة الأولى في العام .1887 المأتم تم تجديده ثلاث مرات منذ تأسيسه بسبب فعل الزمن وطيلة تلك السنين بقى عبدالحسن يراقب ما يفعله الزمن في مأتم القرية. مئة وثلاثون عاما قضاها عبدالحسن - ولايزال - يراقب بذهول فعل الزمن، قرن وثلث عاصر فيها الدولة العثمانية مروراً بالانجليز والانتداب وصولاً إلى الاستقلال في المملكة، شهد دخول الكهرباء للبحرين، وشاهد تحولات قريته من العشيش إلى مدن الاسمنت، "كانت البحرين خضراء - يقول عبدالحسن - لكن ذلك الاخضرار بتُّ افتقده".


عبدالحسن لايزال يستخدم في حديثه مصطلحات الروبية و الآنة والبيسة، والربعة والرطل، والفنر والصندوق المبيّت، ولم يسمع - وهو الذي خبر (الفشت: صخر بحري) أبّان يُحمل في (المراحل: سللة من خوص توضع على ظهر الدابة) - باللكزس، ولا بالديجتال، ولا الموبايل، ولم يسمع بمجمع السيف الذي لا يبعد عنه اكثر من خمسة كيلومترات لكنه ابتسم بارتياح حين ذكرنا ملكنا حمد فقد شاهده في التلفاز.


وعلى رغم ذلك لايزال عبدالحسن الذي توفى وحيده يوسف منذ سنوات كثيرة لا يذكرها من دون ان ينجب له أحفادا، لايزال يذكر فرضة المنامة مطلع القرن الماضي حين عمل حمالا للفشت الذي كانت تجلبه السفن من عرض البحر لتشييد بيوت البحرين العتيقة، وحين أحس أن ظهره الشاب القوي آنذاك بدأ ينوء تحت ثقل الفشت، تحول الى صيد السمك، وحين بدأ يشيخ في منتصف القرن الماضي امتهن تدريس القرآن في مسجد القرية، وحين ناء ظهره بحمل 130 عاما توقف عن العمل على رغم انه لا يعرف ماذا يعني مصطلح التقاعد.


كم يفرق عني الحاج عبدالحسن في العمر؟ سرعان ما راودني السؤال لاكتشف أنه تجاوزني بمئة عام.
قبل أن التقي عبدالحسن تذكرت أستاذ الأجيال المرحوم ابراهيم العريض إذ قال في لقاء معه: "اكتب عني... إذا طوى الله صفحة حياتي... فقد اكتفيت". لأجد الحاج عبدالحسن يقول إذ أسأله... أما اصابك الملل؟... "ليت الأمانة تُقبض"! معمّرنا لم يغادر البحرين إلا مرة واحدة فقط الى مكة، وقتما كانت الناس تطلبها على ظهور الأبل، ولم يركب طائرة قط، ولا سمع بأبراج مكة.


وعلى رغم سنينه فوق المئوية لايزال عبدالحسن يبصر، فحين أضاء مصور "الوسط" عيسى إبراهيم فلاش كاميرته تساءل معمرنا "ما بالها تبرق"؟! ولايزال يعي ما يدور حوله، ولايزال يقوم إلى حاجته وحده ولايزال ينتظر أن يجدد مأتم بن خميس للمرة الرابعة، ولم يفاجئنا إذ ختم لقاءنا معه قائلا: "حانت الصلاة دعوني أتوضأ"... توكأ عبدالحسن على عصاه... حمل سنينه المئة والثلاثين على ظهره المقوس... أسنده أحفاد أخيه... ومضى في دربه على مهل.


هذا المقال من صحيفة الوسط
http://www.alwasatnews.com

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع