إن المتتبع للشأن العام يستشعر ويدرك مدى تأثير واستباحة الانفتاح المزعوم بالحضاري على خصوصيات مجتماعتنا المحافظة. وأصبحت تلك التأثيرات/التعقيدات/المُدخلات في عمق نسيج المجتمع ولا يمكن نفي ذلك. وتتجلى صور التأثير في شتى فعاليات المجتمع تحت مسمى التغيير والتطوير المبطن بنوايا لا تحمد عقباها.
وهنا نقف عند تعريف مصطلح "مؤسسات/منظمات المجتمع المدني"؛ ويستخدم البنك الدولي (World Bank) مصطلح "المجتمع المدني" للإشارة إلى مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف إلى الربح. ولتلك المنظمات وجود في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية، أو ثقافية، أو سياسية، أو علمية، أو دينية، أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح "منظمات المجتمع المدني" إلى مجموعة كبيرة من المنظمات تضم: جمعيات المجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، ومجموعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات العمالية، والمؤسسات.
كما يؤكد البنك الدولي على أن قطاع المجتمع المدني لا يبرز فقط كجهة فاعلة واضحة على المستوى المجتمعي في أجزاء كثيرة من العالم، لكنه يتسم كذلك بتنوع ثري في طبيعته وبنيته. ولهذا السبب، تتفاوت تعريفات المجتمع المدني بدرجة كبيرة استناداً إلى اختلاف النماذج الفكرية، والأصول التاريخية، والإطار القطري العام.
ونستشف من هذا المفهوم بأن مؤسسات المجتمع بأطيافها تشكل ثقل كبير أو بوابة لتمرير الثقافات والمشروعات التي تتبناها المنظمات العالمية بتقديم التمويل والدعم اللازمين باسم المساعدات، وهنا نقف لنتساءل عن مدى إدراك القائمين على المؤسسات الاجتماعية بثقل المسئولية في الحفاظ على هوية ومقومات وثوابت المجتمع قِبال تلك السياسات.
وعليه، أرى بأن عمل المؤسسات لا يقتصر على الرعاية/المساعدة الاجتماعية أو العمل التطوعي، بل يرتقي إلى التنمية والتطوير الاجتماعي، ولا يتأتى ذلك إلا بتكامل الأدوار بين مؤسسات المجتمع. والواقع الحالي يشير إلى أن المؤسسات مازالت تراوح في مكانها؛ من حيث الانتقال من مرحلة العمل الفردي إلى الجماعي، أو من مرحلة العمل الجماعي إلى مرحلة العمل المؤسسي. وأعتقد بأن مؤسساتنا مازالت في الأطوار البدائية وتحتاج إلى تطوير كوادرها للوصول إلى مرحلة العمل المؤسسي الذي من خلاله تتكامل مؤسسات المجتمع. والمؤشر الذي يؤكد ذلك هو التفكك المجتمعي الذي يعتبر أخطر من التفكك الاجتماعي؛ بمعنى تفكك المؤسسات التي تعتبر أقطاب المجتمع التي ينتمي لها الأفراد حسب الميول والاتجاهات وغيرها.
لذا، حتمية التكامل بين تلك المؤسسات أصبح مطلب ملح للحفاظ على كيان المجتمع، حيث أن التكامل لا يعني البرامج والفعاليات المشتركة، بل التنسيق بين المؤسسات في المستويات العليا من حيث وحدة ووضوح الرؤى والأطر العامة للوصول إلى الهدف السامي المتمثل في خلق مجتمع متوازن ومتكامل على مستوى الأفراد فضلا عن المؤسسات.
فالسعي نحو العمل المؤسساتي، أو ما يُعرف اليوم بـ "مأسسة العمل" يعتبر أحد الحلول للتغلب على النمط الإداري التقليدي للمؤسسات. ومأسسة العمل هو ذلك العمل المنظم الذي يستند إلى منظومة قيم، ويسعى إلى إنجاز مجموعة أهداف واضحة، ويخضع لقوانين ولوائح، وهو ذلك العمل الذي توزع فيه المسؤوليات والصلاحيات على هيئات، أو لجان، أو فرق عمل متخصصة، بما يحقق انسيابية العمل وفعاليته. وهو العمل الذي تكون فيه مرجعية القرار، من خلال إطارها الجماعي المنظم. وبتعبير آخر فان "المأسسة" تعني إلغاء كل أشكال الفردانية، والشخصنة، والاحتكارية، واللجوء إلى التخصصية، والتنظيم، والمسؤولية، والتنافسية، والإيجابية والتكاملية.
خلاصة القول، هناك ضرورة بأنْ تتكامل مؤسساتنا الاجتماعية، والعمل الجاد نحو صون المجتمع من التغييرات والغزو المسموم بشتى أنواعه، والحفاظ على ما تبقى وإدارك ما يمكن إدراكه!!
التعليقات (0)