ما يجري في العراق من إرهاب سينتهي حتما. القتل العُمومي، والذبح الرخيص الذي جرى الأسبوع المنصرف (وما سبقه أيضا) قد بيّن شيئاً واحداً، وهو أن الإرهاب لا يتقادم. هو يدنو باستمرار نحو حرارة ذاته الفَوَّارة، التي تنضح بالجُرم والضغينة بما لا يستقيم وعادة البشر الأسوياء.
في السابق كان يُقال بأن "العظمة الحقيقية هي المقدرة على احتمال المكارة" واليوم يُريد الإرهاب الأعمى من العراقيين أن يرفعوا منديلاً أبيض. يُريد أن يتقشّر الأمل من نفوسهم، فتصبح الحياة والفناء كلمتين لا يُفرّق بينهما سوى الحرف والتهجّي.
في السياسة يُمكن أن يقول المرء ما يشاء. قد يشتم وقد يفتري وقد يفتئت، فالمساحة واسعة ما دام الأمر في حدود قد تقبل القِسمة على أكثر من شخص والمفاضلة بين الأشياء. لكن في الحقوق وحُرمات الناس لا يُقال إلاّ ما يحفظ للبشر آدميتهم وحياتهم.
على مرّ التاريخ فشل الإرهابيون في نيل حظوة من الشرعية أو الصدقيّة. إرهابيو الديانات لم يكونوا وحدهم الفاشلين وإنما أيضا إرهابيو الصهيونية والحركات العلمانية فشلوا. باختصار كل من مارس الإرهاب ضد المدنيين طمعاً في المطلق لم ينجح.
في بيرو ساهمت جماعات الدرب المضيء في قتل سبعين ألفاً من المدنيين في بحر عقدين وانتهت بسجن زعيمها أبيمايل غوزمن وانقلاب المدنيين البيرويين عليها. وفي إيطاليا قتلت وسرقت واختطفت منظمة الألوية الحمراء طيلة ثمانية عشر عاماً لكنها لم تُشكّل يوماً قيمة للخلاص بالنسبة للشعب الإيطالي.
في كمبوديا قتل الخمير الحُمر PCK بزعامة بول بوت وخيو سامبان مليونين من الشعب الكمبودي في أقل من أربعة أعوام قبل أن يسقط نظامهم وتُبدي زعامتهم أسفاً على مرحلة دامية لم تُدرك وقائعها كما يجب.
كما لم تُفلح جماعات العنف في الولايات المتحدة الأميركية من تسجيل نقاط وسط الشعب الأميركي. فالكونكلاس والقوميون وأنصار المسيح والإنجيل لم يستطيعوا إيقاف الحركة الاجتماعية وتطورها والتي أتت بأوباما الخلاسي إلى الحكم.
اليوم في العراق لا يُفرّق الإرهاب الأسود ما بين احتلال أميركي تجب مقاومته وما بين المدنيين في أسواق شعبية لا همّ لهم سوى التكسّب للعيش وممارسة حياة أقلّ من عادية! إنهم الهدف الأسهل لإرهاب جبان لا يقوى على المواجهة بالصدور المفتوحة.
في كلّ عملية دامية يقوم بها الإرهاب بين صفوف المدنيين يحصد ما لا يتمنّاه. كل من له عداء وخصومة في السياسة يرى نفسه في موقع الإدانة لهذه الأعمال الهوجاء، فيتعرّى الإرهابيون ويُصبحوا بلا ظهر ولا غطاء.
لا يظنّ الإرهابيون (من أيّ جهة كانوا) بأن الموقف الرافض للاحتلال أو للحكومات القائمة في بغداد يُجيز لهم هندسة المقاومة حدوداً وأهدافا على شكل الأنظمة الأغراريّة الراديكالية، فهذا مُحال.
هم يُريدون أن يوقعوا أثراً في لحمة الطوائف العراقية لكنهم سيفشلون. الزيجات المختلطة في العراق صفعة قوية ضد الطأفنة. عراقي ينتهي نسبه إلى السيادة الموسوية يتصاهر مع عوائل ينتهي نسبها إلى أعرق العوائل السُّنيّة في العراق! هذه صناعة غير عادية في التجاور الطائفي والإثني لم تستطع حتى دول أوروبيّة ممارستها.
هذه كوابح طبيعية داخل المجتمع العراقي. لذا فلا يظنّ نوري المالكي أن حكومته (فقط) هي التي قهرت الحرب الطائفية (2006 - 2007) وأوقفتها، بل العراقيين أنفسهم ساعدوه على ذلك، وإلاّ لما استطاع أحد فعل شيء مهما كانت قوّته وسطوته السياسية أو الروحية.
إحدى الزعامات الدينية في العراق أنشأت ملجأ للأيتام في العام 2007. أول يَتِيمَيْن دخلا الملجأ كان اسمهما عليٌ وعُمر. وهو اليوم يدفع بُمرتّبات شهرية لعوائل ذات أعراق ومذاهب مختلفة! إنّه ملمح جيد من التعايش.
يبقى على العراقيين أمر واحد يُعمّدوا من خلاله انسجاماً سيقلب الطاولة على ما تبقّى من إرهاب. فحين تُستبدل مسمّيات الأحزاب ومصاديقها من طائفية إلى مفتوحة ويكون لها موقف مُحدّد من الاحتلال فسيكون ذلك خاتمة المطاف للإرهاب. وهي مهمّة ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة أيضا.
التعليقات (0)