تتقدم السنوات تأكل من أعمارنا ... وبين إغماضة والتفاتتها يكون الماضي بعيد جداً.... ويحمل في دفاتره أياماً سوداء بسواد لياليها ... سوادٌ لا يمحوه بياضُ الثلج المتساقط على الكرة الأرضية بأجمعها ...
ولولا الأمل لأصبح هذا السوادُ تابوتاً يُحيطُ بالإنسان من كُل الجهات ... وفي ماضينا عِبرٌ نرويها ... لنقول لجيل جديد بعدنا من أخطائنا تعلموا ... ومن كبواتنا قوموا واستأنفوا العمل ... والعقل السوي ذلك الذي يُدرك ما لا جدوى من الاستمرار فيه فيقلع عنه رغبة في الفلاح ...
بالعلاقة المُتلاحمة القوية بيني وبين الأخوة الرواديد في مأتم بن خميس لم يكن من عائق بيني وبين المشاركة في اليوم الثاني (ثامن) ... استقبلوني استقبال الزرع للماء بعد عطشٍ مُميت ... ولم يكونوا بعيدين عمّا جرى بالأمس القريب ...
الشباب هُنا في مأتم بن خميس يجدون متسعاً من الحرية ... ولهم تسيير الموكب مثل ما يشاءون ... أيدي الشباب قابضة وذات سُلطة مُهيمنة وأقوى شوكة من الآباء ... الآباء قد يُعارضون ولكن الشباب بنفوذه في كل الأروقة طبيعي أن يكون الأقوى .... وفي أي موقع يكون الشباب متمكن من إنجاز ما يحمل من طاقة يكون الموقع مؤهل للتقدم ... ومتى ما كفّت أيديهم فقد كف التقدم وأصبح وقفاً على المُتقوقعين ...
باتت المشاركة في يوم الثامن وشيكة ولا بُدَّ منها ... وهكذا أصبح الفتيل مهيأً للانفجار وبتتابع الخطوات المعقدة التحليل ... فلو افترضنا أنَّ تركي للميكرفون خطأ ... وقرار الكبار بحجبي عن المشاركة خطأ يتبعه ... والمشاركة في اليوم الثاني مباشرة في مأتم بن خميس خطأ ... تلك إذن كتلة أخطاء لا تستلزم إلا التوتر في المنطقة ... ولو افترضنا صحة بعض الخُطُوات السالفة فستبقى بتقديرما عمل صحيح ضاعَ بينَ الأخطاء ...
قدّمت قصيدة ... جاسم ضحّى بدمه ... في اليوم الثامن ... ولأي سبب كانت القصيدة ناجحة نجاحاً منقطع النظير لا أعلم ... أصبحت قصيدة الموسم في عاشوراء ذلك العام ...
بهذا أضرمت النار أكثر واستعرت ... ولو قُيّضَ لي الرجوع في أمور اقترفتها لكنت أأجل هذه المشاركة ... ولكن بيد السماء مفتاح الأمور ... شاركت بالقصيدة صباح يوم العاشر من المحرّم في المنامة ... حيث يذهب موكب بن خميس كل عاشر وأربعين ووفاة الرسول (ص) إلى هناك ...
وثلثت بها في ليلة الثالث عشر ... كل القصيدة لا تتعدّى خمسة وعشرين بيتاً ... جميعُها بقافية المستهل ... حينها كنتُ مولعاً بنمط القصائد ذات الوزن الواحد والقافية الواحدة ... في وقتها لم يكن مطلوباً من الرادود سوى تكرارأربعة أبيات ثُمّ ينعطف لتوصيلة المستهل ...
القصيدة فيها مخالفات في القافية ... الخبرة لدي في ذلك الوقت لم تكن كافية ... اعتمدت قافية الميم المُتصلة بالهاء ... وفيها أبيات كثيرة يكون موقع الميم مجروراً ... وهذا ما يسبب خللاً في النطق بها ... بينما القافية المعتمدة تكون الميم فيها منصوبة ...
قبل هذه القصيدة وبعدها أتلفت قصائداً كثيرة ... وألغيتها من دفاتري ... للضعف ولكونها باكورة الإنتاج .... ولكونها لا ترقى إلى الشعر الصحيح ... وبعكس ذلك أبقيت هذه القصيدة ولم أبدل بها تبديلاً ... لمكانتها وموقعيتها عندي ... وللنجاح الذي نالته كقصيدة ولحن ... لم يعبث بها الشطب ...
حتى جاء الوقت الذي قررت فيه طبع الجزء الأول من الدموع الجارية ... وللأسف لم يكن المُشجعون كثير في أوساطنا ... المشجعون كأفراد موجودون ويجودون بما يستطيعون ... أما طلبة العلم وأصحاب الرسالة المظلومة فأعينهم في غطاء عن أمري ... وآذانهم يعبث بها الوقر ...
وجدت نفساً سخية معطاءة تجشمت العناء في إظهار كتابي ... (الشيخ محمّد علي الناصري) رحمة الله عليه .... تكفل بتحصيل الإجازة من وزارة الإعلام ... طبعاً مستهل القصيدة لا يروق لهم ... جاسم ضحى بدمه ... والشباب يثور بعزمه ... أي بني جاهد وناضل ... اقترح الناصري استبدال كلمة (يثور) بأخرى (يهيج ) كي لا تثور حفيظة الرقيب ...
فمقصهم الإعلامي به حساسية من كل ما يتعلق للثورة بنسب ... أبدلت الكلمة تلبية للطلب ... وليست لي قناعة بجدوى الكلمة ... فالمفردة الجديدة (يهيج ) لا تحمل فاعلية (يثور) ..
الهيجان حركة انفعالية لا تنم عن تخطيط وفكر ... وبعكسها تكون الثورة ... أجازت الإعلام الكتاب وطُبع ... ولكن تبقى الكلمة الأصلية في الذاكرة راسخة بلحنها المُتحفز الحماسي النابض بالانفعال ... لنا عودة
التعليقات (1)
فاطمة العسكري
تاريخ: 2008-02-24 - الوقت: 00:18:36بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته حضرة الكاتب الرادود الأستاذ عبدالشهيد الثور تحية طيبة و بعد ، لقد تابعت سلسلة مقالاتك حتى الرقم الثاني عشر و إسمح لي بأن أطرح تساؤلات متعطشة لردوك. 1- لم تتكلم عن نشاط الشيل و الإلقاء في مآتم القرية في فترة بداياتك ، فمأتم بن خميس مثلاً الذي تأسس في عام 1877م كان يشهد نشاط أجادادنا في هذا المجال و بالتأكيد بما أنك شغوف بالشيل فإنك تعلم عن هذه الأنشطة ، فالصورة التي رسمتها برسشة كتابتك للمضوع لم تلون خلفية اللوحة مازالت مظلمة تحتاج إلى توضيح و تلوين . 2- إن الإخلاف بين حضرتك و إداريي مأتم السنابس لم يكن سببه الرئيسي هو إنسحابك الإرتجالي من الموكب حيث أن المعزين لم يحفضوا المستهل جيداً ، مع إنه تصرف سلبي مع إحترامي لك ، و لكن السبب هو ما جئت به من طرح سياسي في قصيدتك يتعارض مع قوانين الإدارة في الشيل ، و أتمنى أن تفسر هذه النقطة االحساسة لأن كتابة التاريخ للأجيال هي أمانة في أعناقنا . 3- كيف إلتحقت بلجنة الشيل في مأتم بن خميس ؟ هل عن طريق الرادود الأستاذ حسن المعلمة ؟ أتمنى من الأخوة المؤمنين العاملين في موقع حسينية الحاج أحمد بن خميس أن يوصلوا هذه التساؤلات بأمانة إلى الكاتب ، ليكون حوار حيوي يفيد القراء ، و لكم منا فائق الإحترام . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته