مأتم عبدالإمام
عبد الإمام هذا كواهُ اليُتم بلوعته... نشأ يتيم الأب تتلاطمُ به أمواجُ الحياة ... ترعاهُ أمٌ رؤوم ليسَ لها من الصبية سواه ... وفي هذا البيت المتواضع القابع على أطراف زاوية من زوايا مقبرة السنابس عاش ... الأرض التي يقع عليها المنزل وما جاورها من فراغ صادرها المُتنفذون ...
كانت لأبيه ولكن دون أوراق ثبوتية ... شاءت مصالح السُرَّاق أن يُسجلوها للأوقاف لأمر ما كما يقول هو ... بهكذا مُعاناة بدأت الحياة طريقها معه ... فبات يملك سكناً ولا يملكه ... كالقابض على الماء في كفه ...
وليست صدفة أن تُطلق عليه أمه هذا الاسم ... اسمُ يُكفّرنا به الآخرون وينعتوننا بالشرك بمجرد تلبسنا به ... كلا تلك عُبودية تشرف وانتساب وليست عبودية عبادة ...ألم يقل عليٌ (ع) أنا عبدٌ من عبيد محمّد ... عليٌ بكل ما يملك من خصال ملكوتية يكون عبداً لمحمّد .... علي المعصوم يضع خدمته لمحمّد إكليلاً على رأسه وينعت نفسه بالعبودية له ... أفلا نتشرّف نحن المُقصرون بإضافة أنفسنا عبيداً لسيد الأحرار والمُضحِّين ...
عبدالإمام نسجت الأقدار طريقه في هذه البقعة المُغتصَبة ليسترجعها برفضه... وإن لم يسترجعها للآن إلا أنّهُ أقام عليها في يوم ما بؤرة مٌعارضة للظلم والإجحاف ...في الفناء الخارجي المُجاور لمنزلهم المتهرئ أقام حجرة من الأخشاب القديمة ... جعلها مأتماً يُقيم فيه الخطابة على سيد الشهداء ويعقب الخطابة العزاء ... في هذا المأتم ألقى هذا الشاب ما في قوسه من طُموح ...
في كنف الألواح الخشبية أشاد المأتم يأمه الفتية المُتحمّسون لتأدية مراسم العزاء كالكبار ... وبعيداً عن الكبار ... في فسحة من أمرهم... أخيراً حطّطنا قدم التسيار في مأتم عبدالإمام اليتيم ... مأتم جمع في فنائه مشروع عِدّة مآتم صغيرة ... رحت أواصل تطلعي إلى تنمية قُدراتي في الموكب ... قبلها بسنوات كنت أتابع العزاء وأغبط كل رادود بما يحتله من مكانة ... ولا أكذب إذا قلت أنَّ الحسد كثيراً ما يدخل في الخط ويُلغي الغبطة ...
هي حالة تُصاحب الفتية في مثل هذا السن ... تطلع للوصول إلى مرتبة الرادود ... أصبحت هذه البقعة موقعاً يأوي إليه الشبيبة ... في تلك الأثناء وما سبقها من وقت تعرفت على الرادود رياض يوسف ... جمعتني به رابطة حب الخط العربي ... رآني أخط بقلم من الحبر بريت سِنه بطريقتي ... طلب مني أن أصنع له قلما مثله ... وبهذه الطريقة توطّدت العلاقة ..
بحكم سبقه في ممارسة الإنشاد في الموكب كان يُنشد قصائده في مأتم السنابس ... مهما نسيت لا أنسى قصيدة ألقاها في محرّم الحرام في موكب المسير ... القصيدة من نظم الشاعر العراقي هادي القصاب المولود في عام 1340هــ ... الحرب لحسين إجت امسيرة ... هذي قضية امدبرة....
مع أنَّ الوقت كان مطلع الثمانينات إلا أنَّ هذه القصيدة فيها كفاءة على مزج الحاضر بما سبق من زمان ... وبالتجول في أروقة أبياتها نجد الشاعر يعكس أحداث الطف على واقعنا المأساوي ... هناك حرب أقيمت ضد الحسين وهنا حرب تقام على المسلمين ... وللشاعر براعة في مقاربة الصور بأسلوبه الرقيق ...
في قصيدة أخرى يعقد علاقة تشابه بين كسينجر وزير الخارجية الأمريكي وشمر بن ذي الجوشن ... يقول ... بوسيطين ابتلت الدنيا شمر وكسينجر ... لا أمان لمن ... خان حق الوطن ... وهما الاثنان يعبثان بمُقدّرات الأوطان ... قصائد هذا الشاعر صورة جلية لما للشعر الحسيني من باع طويل في مُعالجة قضايا الأمة والخروج من عاشوراء بحلول لكل زمن رديء ...
بلى في تلك الفترة أشرقت العلاقة بيني وبين رياض يوسف .... وإلى هذه الفترة باشرنا بممارسة الرثاء بإمكانات بدائية ... من مأتم عبدالإمام ينطلق الموكب كالجدول المُترقرق متجها إلى الغرب على امتداد الشارع ... يجوب الشارع حتى المنعطف إلى الشمال ... وفي الختام يُعرّج على مأتم بن خميس داخلاً باحته ونعود إلى موقع المأتم... حتى رأينا أنّ سعة المأتم تضيق بالمشاركين ....وبقليل من التبرعات وسع المأتم في الزاوية الأخرى من الأرض ... هذه المرة كان البناء مُطعّماً بالطابوق والخشب وبسعة مضاعفة...
التعليقات (0)