من المكان الصغير
لا زالَ الشيخ جمال يقص علينا مسيرة الكفاح الخُمينية ... مقعدي الأول من أمام طاولته يُتيح فرصة التمتع بحديثه أكثر من غيري... أعجبني في هذا الشيخ قوة شكيمته وعدم مُبالاته بالآخرين في ذات الله ... ولا أنسى ألقا في توقيعه باليد اليُسرى حين يختم التوقيع بقلم الحبر الأسود ... لعلها من أجمل الصُدف أن أكون أنا أيضاً ممن يكتب باليسرى ... قرأت في هذه الصُدفة تفاؤلاً جميلاً يُدغدغ طُموحي في التمثل بشخصه الكريم.
لم يكن استخدامه لليسرى من الفطرة... كان السبب لعائق منعه من الكتابة باليمنى... هو بنفسه روى لنا السبب... حين اشتعلت الإنتفاضة في قم ... وتحصن طلبة العلم الحوزويون بالمدرسة الفيضية... هاجمتهم جلاوزة الشاه لأيام ... كانوا يقتاتون الخبز اليابس فيها... دارت بعدها مواجهات بين مُدرعات النظام الشاهنشاهي والطلبة ... تلقّى على إثرها رصاصة استقرّت في كتفه الأيمن... كشفَ لنا عن جُبّته وثوبه... رأينا أثر الرصاصة لحماً غائراً في كتفه...
دعانا الشيخ لحضور المحاضرات المقامة في مأتم الحاج محمّد علي العكري بقرية الديه .... على ما أتذكر حضرت محاضرته الأولى هُناك... كانت تهمي حِمماً على فساد القضاة المستفحل في البلاد... بكل ما يحمل هذا الشيخ من خِصال طيبة توطّدت علاقتي الروحية به...وكان حافزاً لي على طريق الحسين...
أبديت له مرة عدم مقدرتي على شراء كتاب من مكتبة أهل البيت... كتب توصية لصاحب المكتبة بإعطائي الكتاب وتسجيله على حسابه... عندما أنزلت المكتبات كتاب ((لخميني أقواله وأفعاله)) كان يرغب في شرائه... لكنه نفذ قبل ذلك... استعاره مني ... وكانت بعدها أحداث غيبته في سُجون الاضطهاد وغيّبت كتابي بغيابه.
لمس أصدقائي من محاولاتي في التقليد على خطابة الدكتور الوائلي صوتاً يمكن أن يُقدم شيئاً ... شجعوني على خوض التجربة في موكب اللطم ... في تلك الحُجرة الخشبية كُنا نلتقي ... ذلك المأتم الصغير المكسو بالسواد وبالأعلام الصغيرة المُطرّزة بالقماش الأخضر والأحمر... عبارة (يا حسين) لها نصيبُ الأسد في الأقمشة... تراها في جانب مكتوب بالصبغ وفي جانب آخر مُطرّزة بالقماش ... وأعلام أخرى مكتوبٌ عليها (يا أبا الفضل) .... من هذا المكان الصغير كانت أولى خُطواتي.
لجأت لديوان المنظورات الحسينية كالباقين... حصلت على القصيدة التي سألقيها ... مصدر النور النورمن براهينه ... تجد على وزن هذه القصيدة مجموعة قصائد ... وهو أسلوب عند هذا الشاعر ... حيث يكتب مجموعة قصائد على نفس الوزن ليستوعب ما يُريد إفراغه في هذا الوزن ... لحّنت النص بالخبرة البسيطة من خلال سماعي لقصائد الكاسيت للراواديد العراقيين ... ألقيت القصيدة فلاقت استحساناً من الشباب...
التعليقات (1)
المعارض ، عضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2008-02-03 - الوقت: 05:33:05بسم الله الرحمن الرحيم الأستاذ الكاتب عبدالشهيد الثور تحية طيبة و بعد ، شكراً لك أولاً لإطلاعنا عن الحقبة التاريخية التي بدأت فيها تجربتك في الإلقاء العزائي (الشيل) ، و لكن أودّ أن أسئلك عن صورة الشيل في القرية قبل أن تخوض التجربة ، و من هم رواديد القرية؟ أتمنى أن تجيب عن تساؤلاتي في مقالك القادم و لكم مني فائق الإحترام و التقدير . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته