شعر الرثاء الحسيني الشعبي يمثل مجموعة من مضامين السيرة السردية لمقتل الحسين وشهداء كربلاء من أهل بيته وأصحابه في شكل قصائد تحتوي على مجموعة من المشاهد الوصفية والحوارات المصاغة في أوزان وقوافي متعددة، كما هي ظاهرة الموشحات والأزجال والمقاطع ذات الإيقاع المتوازن، وتقدّم هذه الأبيات الشعرية في بداية كل مجلس ونهايته من مجالس الخطابة الحسينية، التي تعقد في عشرة شهر محرم من كل عام.
ومن أبر شعراء الرثاء الحسيني المعروفين في مجالس الخطابة الحسينية في البحرين الملا عطية بن علي الجمري، المولود في 1317هـ والمتوفى في 1401هـ صاحب ديوان "الجمرات الودية في المودة الجمرية"، وهو ديوان طبع في 4 أجزاء ثم تم جمعه في مجلد واحد من 754 صفحة، سنة الطبع 1328هـ - 1424هـ الناشر المكتبة الحيدرية، وقد جمعه وأعده للطبعة الأخيرة التي بين يدي ولده عباس ملا عطية ومحمد جمعة بادي مع ترجمة للشاعر وتحليل سريع لشعره، ويحتوي الديوان على قصائد الملا عطية التي قالها في مناسبات أهل بيت الرسول "ص" والتي يقدمها الخطباء في مجالس التعزية ويحفظها الكثير من الناس عن ظهر قلب.
ما استقر شعر في الوجدان الشعبي الشيعي في البحرين كما استقر شعر الملا عطية الجمري في قلوب الناس في مجال الرثاء الحسيني فما سر هذا الاستقرار والانتشار وذيوع الصيت، بحيث أصبح لهذا الشعر والشاعر مكانا في قلوب الناس، خصوصا عند من يتحلقون حول المنبر الحسيني، للإجابة على هذا التساؤل لنا أن ننظر إلى شعر الملا عطية كظاهرة اجتماعية أدبية " سسيولوجية".
لما كان الرجل علما بارزا ونجما متألقا في مجال الخطابة الحسينية صار قادرا أن يتبنى شعره فيجعله البداية والنهاية لمجلسه الخطابي على ما هي عادة الخطابة الحسينية التي تبدأ بأبيات في السيرة الحسينية وتنتهي بها، وبهذا أصبح المنبر الحسيني له بمثابة ورشة عمل تجريبية ميدانية لهذه الأبيات يختبر فيها ما يستجوده من مضامين وألفاظ وتراكيب وصور وأوزان ويرى مدى مناسبة للأطوار الحسينية، فيبقي ما يروقه ويروق مستمعيه منها ويكتشف ما هو متجانس مع مجالس الخطابة فيستكثر من الصيغ التي تنجح ويتفاعل معها المتلقون ويحذف منها مالا يروقه وما لا ينجح في الاستثارة والترديد، ولهذا فإن شعره جاء نتيجة اختبار وتجريب ميداني بما هو أدعى لان يبقى ويثبت بعد نجاحه عمليا، وهذه الخاصية لم تكن تتوفر عند غيره من الشعراء غير الخطباء إذ يبق شعرهم حبيس قلوبهم وحبيس دفاترهم وقد كان بعضهم لا يتعدى حدود النشر والطباعة، أما الملا عطية فقد كان خطيبا فتوفر لشعره ما لم يتوفر للآخرين من مجال التجريب والاختبار الذاتي.
وهو بهذا يكفيه إنه أخلص لموهبته واحتضن شعره ومنحه نفسه وجهده وهمه فصار الآخرون يحتضنونه، إنه شاعر عرف كيف يبقى مستقرا في الوجدان الشعبي لقد تبنى شعره فجعل الآخرين يتبنونه.
وقد جرى العرف واستقرت العادة أن يكون لكل خطيب بارز مريدون وتلاميذ يحتذونه وينهجون على نهجه، ولما كان الملا عطية الجمري خطيبا ناجحا صار له من التلاميذ من يقلدونه في أطواره وطريقته الخطابية فيحفظون قصائده ويقدمونها في مجالسهم التي يقرؤونها في عشرة شهر محرم طبقا لطريقته وأسلوبه وبهذا يتم تسويق شعره للناس وللخطباء الآخرين سواء من خلاله أو من خلال تلامذته المجودين لأطواره وطريقته.
ومما ساعد على ذلك هو تلك الأطوار والألحان المتميزة التي يختلقها الخطيب المبدع ليقدم من خلالها أبياته بما يجتذب قلوب المستمعين ليلبي الحالات المختلفة التي يحتاجها الخطيب من انفعالات نفسية فلكل حالة طور مناسب فهناك طور لسرد أبيات الحرب "الأرجاز" التي قيلت في معركة كربلاء، وطور للنعي والبكاء، وطور للندبة وطلب النصرة، وطور لسرد المقتل، وطور للرثاء الباكي، وطور للتعزية والنواحة ولكل خطيب ناجح أطواره الخاصة به حتى أنه ليقاس تميز خطيب عن خطيب آخر فيما يبتدعه من أطوار جديدة مناسبة لغرض الأبيات التي يأتي بها، وإن للملا عطية ما يبرزه في هذا المجال ويجعل منه مدرسة يحتذا به بين الخطباء في أطواره وألحانه الحسينية، فكيف به والأبيات أبياته فهو من صاغها وهو الأعرف بمداخلها ومخارجها ومواضع الكثافة الشعرية فيها ومواقع المباشرة والتقريرية فيها، بما يجعله قادرا على قيادها وتقديمها في الطور المناسب لها بحسب ما وضع هو فيها من معاني وعواطف وهو أعرف دائما بالغرض المراد من كل لفظة فيها، وبهذه الأطوار التي برز فيها الملا عطية صار الطريق سهلا لقصائده لكي تنتشر وتذيع وتستقر في الوجدان الشعبي.
أما من النظرة الأدبية لشعره فإنه يضاف إلى تلك الأمور التي جعلت شعره ينتشر بكثرة ويكون سائغا وحاكما وسلطانا للقصيدة الحسينية الرثائية في نظر الخطباء والناس هو ذيوع قصائده بسبب كثرة ترديدها على المنبر في كل عام لسهولة تراكيبها وتلقائية لغتها وتداولية معجمها على المستوى الشعبي وجريانها على كل لسان بما جعلها تستمكن في قلوب الناس وتستقر في الوجدان الشعبي الشيعي في البحرين بخاصة، ويكفي التفحص في الديوان من خلال نظرة أدبية ووقفة صوتية سريعة على للنظر في تقنيات الإنشاد الشعري ليرى القارئ ما أشرت إليه من وضوح وسهولة واستساغة بما يجعل هذا القصائد سائغة لكل أذن وسهلة على كل لسان وهو شيء ظاهر لكل من يطلع ويقرأ شيئا من ديوان الشاعر أو يسمع قصائده على المنبر الحسيني.
وبعد كل هذا لنا أن نتساءل عن الصورة التي يقدمها الملا عطية لأهل البيت وهل تحكم فيه غرض الإبكاء والنعي على الصورة الحقيقة لهم، فتم صنع صورة مأساوية باكية بعيدة عن الغرض الأساسي للحركة الحسينية الرافضة للظلم، واستمكنت صورة البكاء على صورة الرفض، كما فعل الكثير من شعراء التعزية هل تم تجزيء الصورة والحوادث إلى الحد الذي قطعها عن غرضها الأساسي، هل استمكنت الحالة الشعرية بآفاتها من التحكم بصورة أهل البيت عند الملا عطية وصنعت لهم صورة مخالفة لحركتهم ولمجموع مقولاتهم التغييرية، أم أن الملا عطية قدم صورة متميزة في هذا المجال فلم يغلّب الصورة المأساوية على الصورة التغيرية ولم يجتزئ المواقف من سياقاتها ولم يضف إليها من المخيال من أجل البكاء واستكمال المشهد ما يحرفها عن غرضها التغييري هذا ما أتركه لمراجعة وبحث ونظر وتفحص قادم.
حتى نستطيع أن نقول أن شعر الملا عطية حين استقر في الوجدان الشعبي قد استجاب لحالة اجتماعية سائدة أوأنه قد أضاف إضافة نوعية متميزة عن غيره على المستوى الثقافي المغاير والساعي لتقديم صورة تتعالى على الشوائب وتتنقى من الآفات الشعرية.
التعليقات (4)
حسن
تاريخ: 2007-01-27 - الوقت: 09:51:38ممتاز جدا جدا اول مرة اشوف شعر احليو
سعد الفوادي
تاريخ: 2007-03-13 - الوقت: 12:42:32(((رائــــدة الثـــــورة))) زينب ياعزم ماذل ولا انظــــــــــــــام عذراًخـــاف انه ايقصــرثنـــائـــــــي وشتوصفــــــــــــج يحره اليـوم الاقـلام اوياشـــــــــاعريحــدج يــاروائــــــي انتــــــــي امن الولادة اوجـاج الافطــام والبستـــي الحــزن والهــــم ردائــــي عينــــج عالحسيـــن اوترفـض اتـنــــام اوجـــــن تاخــــذ تماريـــن الوقائـــي جـــن تـدري ابحـــرم تبقـــى وبالايتــام اوجــــن تـدري ابعظـم ذاك المسائـي ياثـــــورة خــدرياأوثــــــــق احــــــزام لحسيـــــن اونعـــــم ذاك الاخــــائــي إنتـــــي أول وزيــره إتقــــــودالإعــلام فــــي عصرالجهـــل وتبث فضـائــي صبــــرج ذبـذبـه والمــــوجــــــه الالام وروس العلرمح صـــــــارن هوائــي وظــــل بثــــج يحــــره لهـــاي الايــــام لأن بثـــــــج حقيقــــــه أومـــودعائـي أوتشـــويــش العـلـيــج البـثـتـه الشـــــام مثــــــــل بـث الجزيـــره الإفتـرائــي قمــــة إنتـــي إبجبــل وأعدائـــج أقـــزام أومـــايوصــل قـــزم قمتـــج نهــائـي أولومــــاوكفتــــــج يابنـــــت الآكـــــرام ماجــان إنعــــرف طــــف كـربلائي إسنيــــن إتعـاكبـــت وندثـــرت أعــــوام وإنتــــــي إسمـج علــم طرزسمائــي إنتـــــــــي أول وزيـره إبدولة إســــــلام ثبتــــت للامــــــم دورالنســـــائـــــي إنت أصلـــج صلــب والعادتــــــج جــام والجـــام إنعــــرف طبعــه الرخـائـي أومنعوفــج ابــــــد مهمـــا الظلــــــم دام أويبقــــالـــج نفـس ذاك الـــــولائـــي أولـوزرعـــواطريقــــــج كله بألغــــــام نـــزحــــف مانـرد نحـــــوالورائـــي ولائــــــج زلــــزت لعــروش إلاجــرام مـــن إنتـــي إرتقيتـــي اقوى إرتقائي إولائـــــي إتوارثـــــت من لائــج إقــدام وبـــوجــــه النواصـب تدوي لائي شعر/ابويقين الصالحي
أم عمار
تاريخ: 2007-04-23 - الوقت: 02:25:38موضوع جيد جدا يا أخ حبيب ، وطرح أكثر من رائع ، حيث التميز و الإبداع .. حقيقة أنا أحب هذا الشاعر وأتابع عن كثب ما يُقال عنه ، وإني لأشعر أن لملا عطية منة علينا جميعا ، فقد أثرى المنبر الحسيني وساهم بشكل فعال جدا بتطوير الخطابة الحسينية في جميع الأقاليم التي تبكي الحسين .. فلله دره وحشرنا الله معه بجوار الحسين وآل الحسين .
نور الحوراء
تاريخ: 2007-10-29 - الوقت: 11:06:57روعه جدا والله يوفقكم جميعا لخدمة محمد والمحمد عليهم السلام ورحم الله خادمهم الملا عطيه وحشره الله معهم .