السِّيَاسَةُ لا تَقْبَلُ بْرُوْفَات الإعْلام
كنتُ مشاركاً في ندوة الأطر البديلة لأمن الخليج التي عقدت بدبي في يونيو/ حزيران 2004 بتنظيم من معهد ستانلي ومؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، إذ شارك فيها زهاء الخمسين شخصية، من بينهم مسئولون وأكاديميون من الجمهورية الإسلامية الإيرانية كسفير إيران لدى جنيف ورئيس معهد الدراسات السياسية في طهران كاظم سجّاد بور ومستشار الرئيس الإيراني السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران صادق زيبا كلام، وكان الحديث حينها يتركّز حول المحور الإيراني باعتباره مكوّناً أساسياً لأمن الخليج ومآخذ طهران الاستراتيجية بشأن ميزان القوى التقليدي الذي تنتهجه دول الخليج في سياستها الخارجية، ومآخذ دول الخليج على إيران بشأن آلية تعاطيها مع مسألة الطاقة النووية والأمن في المنطقة .
إلاّ أن ما لفت الانتباه بالنسبة إلى الجميع خلال إحدى المداخلات لباحث إيراني مشارك عندما قال : " إذا كانت دوافع قلق دول الخليج من البرنامج النووي الإيراني لها صلة بالنزاع بشأن الجزر (أبوموسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى) فعليهم ألاّ يقلقوا كثيراً، لأن إيران لا تنظر إلى قضية الجزر على أنها ذات أهمية استراتيجية، إنها مسألة كبرياء وطني ليس إلاّ " وبغض النظر إن كان هذا الكلام يعكس حقيقة التوجّه الرسمي الإيراني أم لا إلاّ من قالها يبقى قريباً من موقع صنع القرار أو على الأقل يعرف الممر الذي تجري من خلاله أمور السياسة والحكم داخل أكثر الأنظمة السياسية الحديثة تعقيداً بسبب امتزاج الدين والدولة وتوزيع مراكز القوى والنفوذ .
وبما أن الحديث السياسي والإعلامي في اليومين الأخيرين دخلا مرحلة خطيرة من التعاطي غير الموزون فإن إيقاف كرة الثلج (أو النار سمِّها كما شئت) تبقى مسئولية الجميع، فلا يُمكن أبداً أن يقبل الإيرانيون ولا البحرينيون بأن تُختصر مسيرة العلاقة بين البلدين التي أفرزتها مجموعة من التراكمات الإيجابية ومن تمكين المؤسساتية على التغييرات التي تطرأ في المفاهيم الراسخة عبر مزيد من اتفاقات التعاون سواء الشامل أو الجزئي أو التعاوني أن تكون ضحية بين ليلة وضحاها لمقال كتبه شخص غير مسئول بالمفهومين التنفيذي والمهني، فهو أولاً ليس بوزير للثقافة والإرشاد الإسلامي ولا ناطق باسم الحكومة ولا الخارجية ولا ممثل للولي الفقيه ولا متحدثاً باسمه كما صورته وسائل الإعلام، خلاصة الأمر هو أن هذا الرجل الذي أدانته محكمة الثورة للمطبوعات بسبعة وعشرين تهمة قبل خمس سنوات، هو رئيس لمؤسسة " كيهان " العملاقة التي كانت أيام الحكم الشاهنشاهي من أكبر الصحف الإيرانية، واستقرت على هكذا حال بعد انتصار الثورة الإسلامية في فبراير/ شباط 1979 حين وُظّفت طاقاتها الإعلامية للترويج للحكم الجديد، لكنها أولاً وأخيراً لا تُمثّل الرأي الرسمي للدولة في إيران إذ تُمثّله عملياً وإدارياً صحيفة «إيران» التي تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي أو صحيفة «همشهري» الصادرة عن المجلس البلدي لبلدية طهران أو «جامه جم» الصادرة عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وبالتالي فإن أصل المقال المنشور في صحيفة " كيهان " لا يُمثّل وجهة النظر الرسمية أبداً، ولو أن العلاقات الثنائية بين إيران والدول العربية (والخليجية تحديداً) خضعت لقصاصة خبرية هنا أو مقالة رأي هناك لما استقامت علاقة بين الطرفين ولما تطورت في ظل التراشق والتنابز الإعلامي المقيت للكثير من الصحف شبه الرسمية في المنطقة والتي ذهب بعض الكتّاب والصحافيين العرب فيها إلى مدى غير مسبوق كنعت إيران بحاملة لواء الغزو الصفوي أو الفارسي أو المجوسي على سبيل المثال ونعت الإيرانيين بتبعية هذا البلد أو ذاك إلى أراضيهم !
الغريب أن المقال غير المسئول الذي كتبه حسين شريعتمداري وما تبعه من ضجّة صحافية جاء متزامناً مع استقبال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بمكتبه أمس الأول (الثلاثاء) لراشد سعد الدوسري لدى تسلمه أوراق اعتماده سفيراً للبحرين في طهران خلفاً للسفير كامل صالح الصالح، والتي أكّد خلالها الرئيس نجاد على سياسة إيران الخارجية في تعزيز العلاقات مع دول الجوار وخصوصاً البحرين، وقال بالحرف " إن العلاقات الودية بين طهران والمنامة بإمكانها أن تكون في خدمة تعزيز التعاون الثنائي وتطور البلدين وخدمة السلام والأمن بالمنطقة، وضرورة تعزيز العلاقات الودية والأخوية بين الشعبين الإيراني والبحريني في ضوء حكمة وجهود مسئولي البلدين " . وبالتالي فإن الأولَى أن يكون تصريح الرئيس أحمدي نجاد هو الحجّة في تقييم العلاقة بين طهران والمنامة بالنسبة إلى الصحافيين والإعلام على اعتبار أن أحمدي نجاد هو أعلى مسئول تنفيذي إيراني لا على مقالة صحافية متوتر جاءت بعيد صدور بيان وزراء الخارجية الخليجيين في الرياض في الثامن من يوليو/ تموز الجاري بشأن الجزر الثلاث المتنازع عليها .
إن زيارة جلالة الملك إلى طهران في الثامن عشر من أغسطس/ آب 2002 وزيارة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة في سبتمبر/ أيلول 2004 (بصفته وزيراً للعدل والشئون الإسلامية سابقاً) ثم زيارة مستشار جلالة الملك لشئون السلطة التشريعية ونائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الدكتور محمد علي بن الشيخ منصور الستري في مايو/ أيار 2006 (بصفته وزيراً للعدل سابقاً) والزيارات المتكررة لوزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، ومن الجانب الآخر زيارتي الرئيس محمد خاتمي إلى البحرين، وأيضاً زيارة رئيس السلطة القضائية آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في يونيو 2005 وغيرها من الزيارات المتكررة كلها إشارات على عمق هذا التعاون الذي اقتنع بحتميته الجميع، وهو ما يُذكّرني جيداً هنا بالرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولاداسيلفا لصحيفة كلارين الأرجنتينية عندما قال " إننا أدرنا ظهورنا لبعضنا بعضاً في أميركا الجنوبية طوال القرن العشرين، ولقد وصل بنا الأمر حتى إلى الشجار بين رؤساء بلداننا بشأن من هو أقرب صديق للحكومة الأميركية، ولقد بدأنا ندرك الآن أن الشركاء الرئيسيين لنا هم نحن أنفسنا " .
التعليقات (0)