المرأة الكربلائية
الدور العام للمرأة في عاشوراء:
لايمكن بأي حال من الأحوال غض النظر عن حركة المرأة في عاشوراء إذ لولاها لكانت قد ضاعت تلك الثورة الكبرى فنرى الكثير من المواقف التي من خلالها لعبت المرأة دورا هاما ومن هذه المواقف:
* أبلغ الحسين (ع) جميع من كان معه قبل التوجه إلى كربلاء بأن الله قد شاء أن يرى النساء سبايا ومع ذلك ماجزعن وماتراجعن، علما بأن بعض الرجال تراجعوا.
* كانت المرأة تقدم الأضاحي واحدا تلو الآخر، فهي تقدم الزوج والإبن والأخ في سبيل نصرة الدين والعقيدة حيث أنها لم تكتف بالذهاب والتفرج فقط!
* الصبر على المصاب بعد مقتل الحسين (ع) ومقتل أصحابه والتمثيل بأجسادهم الطاهرة وسلب الخيام، وقد تعرضن إلى الإهانة والشتم في الأسر إلا أن التأريخ لم يورد لنا جزع امرأة واحدة.
* النقطة الأهم في حركة المرأة بأن ثورة الحسين قد وصلت إلى كل نقطة في العالم ببركة تلك الحركة الإعلامية الفريدة من نوعها.
بعد هذا المرور العام على الحركة العامة في عاشوراء نأتي لتبيين الأدوار العظمى التي قامت بها المرأة الكربلائية:
أولا: التربية العاشورائية:
* عرفت المرأة الواجب الشرعي فقامت بنصرة تلك الثورة العظيمة التي قادها الإمام المعصوم، وكانت تلك المعرفة متقنة بحق.
* التربية للأبناء كانت تربية حقيقة دفعت الأمهات أن يقدمنهن ضحايا، ذلك العطاء ماشابه تردد أبدا في إعطاء الدم من الصغير والكبير.
ومن الشواهد على ذلك وهي كثيرة خصوصا في تقديم الأبناء:
1. عمرو بن جنادة: في الرواية أن أباه قتل في الحملة الأولى وكان عمره إحدى عشرة عاما، أقبل يستأذن الحسين (ع) للقتال! فأبى الحسين (ع) وقال: هذا غلام قتل أبوه، ولعل أمه تكره ذلك. فقال الغلام: إن أمي أمرتني فأذن له، فقتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلا قريبا منها فمات.
2. القاسم بن الحسن (ع): كما ورد في الروايات فإنه لم يبلغ الحلم، تقدم إلى الحسين (ع) يستأذنه للقتال، فأذن له فقتل، والمعروف أن والدة القاسم هي رملة وهي التي قامت بتربيته وتنشئته، والغريب في أمر القاسم أنه وقف كالأسد لم يعبأ بالآلاف، وقف أمامهم ليصلح نعله والحرب مستعرة. تلك تربية ولاشك استثنائية لاتحظى بها إلا الأمهات الكربلائيات الحسينيات.
3. عبدالله بن الحسن (ع): وكان عمره إحدى عشرة عاما فقط، وقد رأى عمه الحسين (ع) ملقيا على أرض كربلاء، فأقبل مسرعا نحوه فحاولت زينب أن تمنعه إلا أنه أفلت من يدها، وأقبل نحو عمه، فأقبل بحر بن كعب " أحد جنود يزيد اللعين " رافعا سيفه ليضرب الحسين (ع) فصاح به الغلام: " يابن الخبيثة أتضرب عمي ؟"، فضربه بسيفه على يده فظلت معلقة فصاح الغلام: ياعماه، ووقع في حجر الحسين (ع).
نلاحظ نقاط هامة هنا في حركة المرأة تجاه أبنائهن أو أزواجهن:
* إقدام هؤلاء الأولاد دون تردد أو خوف لأنهم معبؤون من قبل أمهاتهم وآبائهم وأهلهم.
* الجرأة الشديدة لنصرة الحق فموقف عبدالله بن الحسن (ع) مثلا يدل على ذلك.
* فهم المرأة للواجب الشرعي في نصرة العقيدة حتى لو كان بفلذات الأكباد والأهل.
ثانيا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى في سورة التوبة: " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "
تظن بعض النساء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب على الرجال دون النساء والحال أننا نقرأ في كل عام من عاشوراء ذلك الدور العظيم في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر من قبل المرأة في كربلاء، ومن هذه الرواية رواية زوجة زهير بن القين الذي لم يكن مشايعا لأهل البيت (ع) وقد صدرت كلمة واحدة تأمره بالمعروف من امرأة هي زوجته، فاستمع لها وحصل على الشهادة والحياة الأبدية الخالدة.
في الرواية أن الحسين (ع) اثناء مسيره إلى كربلاء نزل بمنطقة كان قد نزل بها زهير ومن معه، فبعث الحسين (ع) رسوله يدعو زهيرا للحاق به، فسكت زهير! فتحركت امرأته وحثته على المسير إليه وسماع كلامه، تقول الرواية: فمشى زهير إلى الحسين (ع) وما أسرع أن عاد إلى أصحابه فرحا وقد أسفر وجهه ثم ودع أهله، فقالت له زوجته: خار الله لك وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين (ع).
هذه الكلمة البسيطة التي زرعت خيرا لذلك الرجل تدعوا للتأمل الكبير.
فالمرأة تتحمل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل الأحوال والظروف تماما مثل الرجل دون أدنى شك:
* فيجب عليها أن لاتخجل في ذلك سواء مع زوجها أو ابنائها أو أسرتها والقريبين منها، بل ومع المجتمع بأسره.
* ألا يمكن للمرأة أن تدعو المرأة الأخرى إلى الحشمة والعفاف من خلال لباس الزينة الذي أراده الله للمرأة، ومازينة المرأة إلا بلباس الحجاب فهو لباس العفة والزينة الحقيقية.
وفي رواية أخرى أن القوم وأثناء سلب بنات رسول الله (ص) نظرت امرأة من آل بكر بن وائل كانت مع زوجها، إلى بنات رسول الله (ص) بهذه الحال فصاحت: يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله؟ لاحكم إلا لله، يالثارات رسول الله، فردها زوجها إلى رحله.
سبحان الله! فقد حركت الغيرة هذه المرأة ولم ترض بما رأت مع أن الرجال كانوا سكوتا في ذلك الموقف!!
ثالثا: الجرأة عند المرأة الكربلائية:
لايحدثنا التأريخ بجرأة المرأة من أجل شرع الله مثلما نجدها في كربلاء، فإن المرأة هناك ضربت أروع الأمثلة في هذا الصدد.
* فمثلا أم وهب كانت مع زوجها في كربلاء وحينما أقبل يقاتل جعلت تستحثه على القتال، وحملت عمودا وأقبلت نحوه تقول له فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (ص) فأراد أبووهب أن يردها فلم تطاوعه فناداها الحسين (ع) جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيرا ... .
* ونجد المثال الآخر في موقف فاطمة بنت الحسين (ع) حينما جئ بها مع نساء الرسالة إلى الكوفة وقفت شامخة الرأس تحدث القوم بخطبة هزت مشاعرهم وكان من بعض كلامها : " تبا لكم فانظروا اللعنة والعذاب، فكأن حل بكم وتواترت من السماء نقمات " تقول الرواية فارتفعت الأصواب بالبكاء والنحيب.
* والموقف الثالث لأم كلثوم حيث خطبت في القوم ايضا فقالت في بعض خطبتها: " يا أهل الكوفة سوأة لكم، مالكم خذلتم حسينا وقتلتموه، وانتهبتم أمواله ".
لاشك أننا كأمة بحاجة إلى تلك المرأة التي تستطيع أن ترهق العدو، وأن تصنع المعجزات من خلال الجرأة في سبيل الله.
رابعا: العبادة العاشورائية:
يقول المقرم في مقتل الحسين (ع): " والتفت الحسين (ع) إلى ابنته سكينة التي يصفها للحسن المثنى، بأن الإستغراق مع الله غالب عليها " وهذا يعطي دلالة واضحة جدا بأن سكينة كانت من أهل الله تعالى.
كما أننا نجد أن فاطمة بنت الحسين (ع) تحمل تلك الصفات التي تجعلها في مصاف العباد الزهاد النساك، حيث يصفها الحسين (ع): " بأنها أكثر شبها بأمي فاطمة، أما في الدين فتقوم الليل وتصوم النهار " وتلك هي العبادة العاشورائية التي ربى الحسين (ع) عليها أولاده وبناته وأهله وأصحابه.
أين دور زينب في ذلك كله؟
وكيف كان حضورها في كل تلك المواقف؟
رأينا أن لبعض النساء بعض الأدورا أو ربما دور واحد في كربلاء، أما بطلة كربلاء فإن لها كل تلك الأدوار فهي كربلاء وهي كل تلك النساء.
حياتها كانت واضحة المعالم فهي القائدة بعد أخيها، وهي الجريئة على أعداء الله بل حتى في ساحة القتال حينما خاطبت عمر ابن سعد، وخاطبت أعداء الله، وحينما خاطبت يزيد واصتغرته، وهو الذي يظن أنه الأعلى!
وهي زينب التي قدمت أولادها واحدا تلو الآخر، وقدمت الإخوان والأحباب، ومع ذلك كله لم تمن على الله تعالى في شئ، وإنما رفعت جسد الحسين (ع) المطهر وناجت ربها قائلة : " اللهم تقبل منا هذا القربان "
وهي زينب التي ماتركت صلاتها ومانست ربها قط، حتى في ليلة الحادي عشر قامت لتصلي صلاة الليل مع أنها كانت مثقلة بالهموم والمآسي والآلام.
وهي التي حافظت على روح القيادة المتمثلة في الإمام زين العابدين عليها السلام حينما تعرض للقتل مرتين فقالت لايقتل حتى أقتل.
وهي التي أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ولم تأخذها في الله لومة لائم.
كانت زينب عليها السلام مثلت المرأة الكربلائية المكتملة.
التعليقات (0)