بين قصيدة الموكب وقصيدة الإصدار
بالأمس القريب كانت كافة الإصدارات والتي يتم الإعداد لها في البيت أو في المأتم بعيدا عن الأستوديو تحتوي على قصيدة الموكب ذاتها فمن قصيدة إلى قصيدة موكبية، حيث تتعدد القصائد في الشريط ، وربما كانت قليلة لطولها، بل أن بعض الأشرطة شابهت إلى حد بعيد الموكب نفسه ولم يكن هناك فرق كبير سوى في وضوح الصوت وبعض الأمور الأخرى.
فقد كان الإصدار البيتي القديم ـ إن صح التعبير ـ امتاز بالطرح الموضوعي إلى جانب الطرح الحسيني جنبا إلى جنب، أما اليوم فإنك ستشهد أن قصائد الإصدارات تمتاز بالطرح الأحادي وهو الجانب الرثائي المأساوي المصائبي، دون التطرق إلى أي جانب من جوانب حياة الأئمة عليهم السلام أو عاشوراء الحسين (ع)، حتى أنني أتذكر ذات مرة سألت أحد المهندسين حول قصيدة حسينية تتحدث عن إباء زينب (ع) وعن مواقفها البطولية فقال لي بأن هذه القصيدة لاتصلح لإصدار وإنما تصلح للموكب فقط!!
ألم تكن الأشرطة الفردية والإصدارات يباع منها آلاف النسخ، وحسب كلام الرادود المعروف جعفر الدرازي حول إصداراته الأولى وفي لقاء أجري معه بواسطة جريدة الوقت، فقد كان يباع من أشرطته أكثر من 20 ألف نسخة، ولاننسى بأنها في تلك الفترة كانت تباع في البحرين دون أن تباع ربما في مناطق أخرى.
وقد كان لتلك الأشرطة صيتها ورواجها الكبير بين الناس، فقد تحدث إلي أحد الإخوة من العراقيين ومدح أشرطة البحرين بشكل كبير حيث قال بأنكم تمتازن بالطرح، أضف أن أحد طلبة العلوم الدينية من العراق أيضا قال لي بأنكم أهل البحرين تمتازون بالطرح الموضوعي في القصيدة، بل أن اللقاء الذي أجري معي في قناة المنار كان أحد الأسئلة المهمة فيه هو الطرح الموضوعي في قصيدة البحرين الحسينية.
طبعا الأساس الذي أسس لرفع الطرح الموضوعي في الإصدارات هو النموذج الجديد عند بعض الرواديد وعند بعض الشعراء من أنه لاداعي لطرح أي شئ في الإصدارات سوى المصيبة، وهذا بحسب رأيي خطأ نقع فيه دون علم ودراية.
أنا لاأوافق أعزائي الرواديد إغفالهم الجوانب الأخرى في واقعة الطف العظيمة، وفي مواقف الأئمة عليهم السلام، وإنما يجب كتابة القصيدة بحيث تحوي حياة الطف وحياة أهل البيت (ع) لأن ذلك مما له أكبر الأثر في نفسية المستمع حيث تعمل القصيدة على التغيير وهو المطلوب، فلربما لاتجد للمحاضرة الفلانية أثرا كبيرا في نفس المستمع خصوصا فئة الشباب الذين لايستمعون إلى المحاضرات بشكل كبير، ولكنهم يتأثرون تأثرا بالغا بهذه العبارة أو تلك في القصيدة الحسينية.
هل علينا مثلا إغفال جوانب البطولة وعدم نقلها إلى الأجيال والإقتصار على الجانب المأساوي؟ وهل علينا أن ننسى كل تلك المواقف التي وقفها أئمة أهل البيت (ع) ووقفها الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه لنبكي عليهم فقط دون أن نذكر مواقفهم الخالدة؟ هل علينا أن ننسى موقف العقيلة التي تضاهي بمواقفها مواقف الرجال بل وتفوقهم، ونذكر فقط بكاءها؟ ألم يكن للأكبر كلام جميل جدا حول مفهوم الموت، وقع الموت علينا أم وقعنا عليه؟ فلم يكن يخاف الموت مادام هو على الحق! ألم يتحرك القاسم إلى المعركة بنعلين وقد انقطع شسع أحدهما فانحنى يصلحه دون أن يكترث بالعدد والعدة عند العدو؟ ألم يتحرك عبدالله بن الحسن والذي كان عمره 11 عاما فقط لينصر عمه الحسين (ع) وهو ملقى على بوغاء كربلاء؟ ألم تتحرك النساء في الطف لنصرة أبي عبدالله الحسين (ع) فكانت الواحدة منهم تقول لابنها أو زوجها، بيض وجهي عند فاطمة الزهراء (ع) يوم المحشر.
كل تلك المواقف والبطولات نختزلها في طرح المصاب والرثاء والحزن فقط؟؟!!
أنا دائما وأبدا أدعو لقراءة تائية دعبل الخزاعي حيث دمج فيها الكثير من المفاهيم الإسلامية، والحسينية، والعقائدية، بل وحتى السياسية، كما أن قصيدة الله أي دم في كربلاء سفكا، قد تعرضت ليزيد وآل زياد بالتقريع واللعن ووصفتهم بأسوأ الأوصاف التي يستحقونها.
فنحن لانطلب مزيدا أكثر من هذا على الأقل لأن ذلك كفيل بحفظ الثورة الحسينية بشقيها الرثائي والثوري، الحزن والإنتصار فلسنا ممن يرى وجها واحدا فقط للثورة ليحفظها في دموع تبرد بعد حين وإنما يجب أن تتحول هذه الدموع إلى ثورة حقيقية وهذا تماما ماحدث عند البعض، وقد أشار الدكتور الوائلي رحمه الله تعالى إلى أن الدمعة تحولت بالفعل إلى ثورة في ثورة التوابين وغيرهم ضد بني أمية الظالمين وضد أعداء الدين.
وقد كنت قبل عدة أيام أتحدث إلى الشاعر الشيخ مجيد التوبلاني حول الموكب وحول الإصدارات وقد كان يستغرب كل الإستغراب حول عدم الطرح الموضوعي في قصيدة الإصدار، وقد قال كلمة جميلة حيث قال بأن العزاء في الشريط ليس موكبا حقيقيا واللطم كذلك فكيف نسمح بأن تكون لنا قصائد فيها طرح في الموكب الحقيقي، ولانسمح بذلك في إصداراتنا التي يمكن أن تلعب دورا هاما في الوعي الحسيني وفهم الثورة الحسينية بحقيقتها!!
هذه دعوة جادة للوقوف على موضوع الطرح الموضوعي في الإصدارات بدلا من الإقتصار على الجانب الرثائي لكي نستطيع أن ننقل الثورة الحسينية وحياة أهل البيت (ع) ناصعة بيضاء يستفيد منها الجميع ليقتدوا بالأطهار الميامين، وهذا لن يكون إلا بعمل جاد وجرئ من جانب الرواديد من جهة ومن جانب الشعراء من جهة أخرى، وكذلك النقاد والمهتمين.
التعليقات (4)
ابو زهراء الهملي
تاريخ: 2007-03-11 - الوقت: 20:58:55السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الأخ والرادود حسين سهوان المحترم هنالك كلمة للمرجع الديني آية الله الميرزا جواد التبريزي يخاطب فيها الشعراء ـ وانا أورد المعنى هناـ (( خذوا من روايات أهل البيت ومن سيرتهم ومن منهجهم، ل القيم والمثل، وبينوا مظلومية أهل البيت من خلال الروايات والأحاديث الثابته عنهم (عليهم السلام) )) وأنا أفهم من كلامه ( رضوان الله عليه) أن على الشعراء أن يستنيروا بهدى الروايات والسير والعطرة لاهل البيت لكي يتضح للناس مدى مظلمويتهم (عليهم السلام) حيث ارى غن الطرح الموضوعي الهادف هو ركيزة اساسية لترسيخ القيمل والمبادئ والمثل في قلوب الناس. هذا ولكم جزيل الشكر والتقدير أخوكم أبو زهراء الهملي
عباس عبد النبي عباس
تاريخ: 2007-03-12 - الوقت: 01:35:18بسم الله الرحمن الرحيم اعقب على موضوعك يا ابى علي بشكل موجز ومختصر .............. نلاحظ في هذه الايام كثرة القنوات الشيعيه ((اللهم حفظها )) تطرح الكثير الكثير من الامور منها. المقاطع العزائيه /المسلسلات /المسرحيات/ سيرة اهل البيت /الخطابه/الشعر /كلامات واحاديث اهل البيت ((ع)) بجميع اشكالها وانواعها . وهناك ايضا مشاركات لمراجع لو رجعنا لخطبهم لوجدنا انهم يجسدو مواقف الحسين (ع) من الجانبين جانب الطرح الموضوعي اي اسباب ثورة الحسين وما جراى على الحسين واهل البيت (ع) وكذالك جانب الرثاء والعزاء على مصائبهم ....فلا نرى التركيز على جانب دون اخر . فكيف لايكون هناك طرح في الموكب او الاصدار بشكل يتناسب مع الرثاء .
المعارض ، عضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2007-03-12 - الوقت: 11:00:34بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأستاذ الكاتب حسين سهوان المحترم تحية طيبة و بعد ، أودّ أن أشكرك أولاً لطرحك هذا الموضوع ، و أرغب بأن أعلق على مقالكم الهادف ببعض النقاط إذا سمحت لي . 1- هدف القصيدة العزائية : أ- تهدف القصيدة العزائية في الموكب إلى إحياء ذكرى مصائب أهل البيت عليهم السلام ، فقد قال الإمام علي بن موسى عليه السلام للشاعر الموالي دعبل الخزاعي موصياً : [ يا دعبل أحب ان تنشد شعرا فان هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصا بني أمية. يا دعبل من بكى أو أبكى على مصابنا كان أجره على الله. يا دعبل من ذرفت عيناه على مصاب جدي الحسين عليه السلام غفر الله له ذنوبه.] . ب- إفتقار الشيعة في البحرين لقتناء وسائل الإعلام رغم أنهم يشكلون الأغلبية في عدد السكان دفع الشعراء لستغلال قصيدة الموكب لطرح المواضيع الإجتماعية و حتى السياسية للتعبير عن الفكر العقائدي و السياسي المعارض أحياناً . 2- ظهور التسجيل الإصداري : أ - الحاجة الماسة لتسجيل فردي : إن آذاننا كبحرينين تتكيف لسماع أي قصيدة عزائية ملقات سواء داخل أم خارج المأتم ، و لكني حينما ألتقي مع الأخوة الغير بحرينين في الخارج كثيراً ما يبدون لي إمتعاضهم عن صعوبة سماع القصيدة العزائية التي تلقى في الخارج ، فرغم تقدم تقنيات التسجيل كالتسجيل المباشر إلا إنها لا تستطيع أن تقهر الظروف الطقس المناخية خصوصاً في فصل الشتاء ، و كثيراً ما ذهبت (شيلات) ضحية سوء التسجيل ؛ لذا عمد بعض الرواديد أن يسجل أجود القصائد في عمل فردي ليحفضها. ب- ظهور التسجيلات المتطورة : بتقدم الزمن ، وجدت قصائد العزاء مكاناً في إستديوات صوتية و مرئية تمنحها جودة و نوعية أرقى ، و لكن يجب الحذر كل الحذر من مواد التسجيل المتطور كستخدام المؤثرات الصوتية الكولارية و الموسيقى أيضاً ، حيث أنه ليس كل مرجع يجّوز إستخدامها خصوصاً أدواة الموسيقى التي يستخدماها أهل الفسوق في أغانيهم ، لذا يجب أن تعرض هذه الأعمال على المراجع و العلماء للبت في شرعيتها . 3- الموضوعية : يعد بعض السياسين أن الإعلام هو السلطة الرابعة التي يرتكز عليها النظام الدمقراطي بمحاذات السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضائية ، و نحن كطائفة مسلمة شيعية مطالبين أولاً إبراز مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، و الدعوة الإسلامية على نهجهم ، و من ثم نتطلع لقضايانا الإجتنماعة و البسياسية و محاولة طرحها بأسلوب حضاري محاولين أن نعالجها فكرياً ، و لكن يجب علينا أن لا نهمش موضوعية أهل البيت عليهم السلام فنكون نحن و طواغيت عصرهم عليهم معاً . أكتفي بهذا القدر ، و أتمنى أني لم أكن ثقيل الظل عليك . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
محب الموكب
تاريخ: 2007-03-13 - الوقت: 16:55:27بداية اشكر العزيز حسين سهوان على طرحه الموضوعي الجميل حول قصيدة الموكب التي باتت تئن وتشتكي في الآونة الأخيرة من هزالة الكلمات التي تسترعي السجع والإيقاع بدلا من المعنى والطرح. أقول كانت قصائد موكب البحرين تسترعي انتباه دول الجوار، أما الآن مجازا يمكن القول بموت القصيدة. مثال ذلك كانت القصيدة أو جزء منها يحفظ حال انتهاء الموكب ويردد المستهل وللكلمات ايقاع على القلب. حاليا ينتهي الموكب ولا تدري ما قيل وماذا يراد من القصيدة، فضلا عن عزوف الكتاب عن طرح ولو الشئ اليسير عن حياة صاحب الذكرى. على كل لا بد من النهوض بالموكب وبالقصيدة لنعيد الموكب إلى سالف عهده. فالموكب مدرسة جمهورها كبير فلابد من تسخير ذلك لمصلحة الدين والطائفة. نتمنى من ذوي الشأن الإلتفات لذلك، ووفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.