هل ينتفع الديك بصداقة الثعلب ؟!!
كلما قام إرهابي نزق بالارتماء فوق رؤوس الكَسَبَة والفقراء في سوق شعبي أو باحة رزق ليقتل منهم مقتلة النعاج والأضحيات، قالت وسائل الإعلام إن هذا الانفجار هو الأعنف منذ سقوط العاصمة العراقية (بغداد) في إبريل/ نيسان من العام 2003، من المسيّب إلى الحلّة إلى قضاء الشعلة إلى الكرادة إلى مدينة الصدر إلى سوق الحويش إلى سوق الهرج إلى حي الصدرية الأخير الذي قُتِل فيه أكثر من 130 عراقياً ليس لهم ذنب سوى أنهم مُتبضّعون .. ولأن هذه المنطقة هي موزاييك إثني وطائفي من شيعة وسنة وعرب وأكراد فَيليين فإن الضحايا لم يكونوا أكثر من جنس عراقي خالص لا تستطيع فرز تقاطيعه أية آلة في هذا العالم... اليوم ونحن نتابع تلك المأساة نتساءل : أنأسف على العراقيين أم على العراق .. أنأسف على اجتماعه أم على اقتصاده أم على وحدة أراضيه أم على احتلاله أم ماذا ؟!
هَرْج ومَرْج ودمار وتخريب بدأ يتربّع على هذا البلد منذ أن دنّسَت أرجل المحتل أرضه حتى ردّد أحدهم ما جاء في الأثر «ها هنا كانت الزوراء» وطفِقَ آخر مُبشّراً بظهور المهدي المنتظر، وتمادى آخر فادّعى مصاهرته، وتفنّن آخر فادّعى المهدوية بلا منازع حتى جَمَعَ حوله المُعدَمين والأميين أنصاراً له، وتبعتهم نساءٌ أخذتهمن أرواحهن للتعلّق بقشّة، وزوّار أبرياء كانوا في طريقهم إلى الأماكن المقدّسة في النجف الأشرف، ولم يكن غريباً أن يتصل «سلطان» المسافر من البصرة إلى النجف لنصرة المهدي المزعوم لمحاربة ظُلاّم العباد وأئمة السوء، وكان يتباهى في مكالمته الوحيدة والأخيرة إلى أمه من هناك بأنه جالس جنباً إلى جنب إلى المهدي بن الحسن في غرفة واحدة، طالباً منها السلام على الإمام، فقامت المسكينة بالحديث معه وإلقاء التحية عليه حتى أعياها الموقف فأجهشت بالبكاء وهي تدعو له بالنصر!
ومن مهازل أرض الرافدين في زمن التبشير الأميركي بعراق جديد فقد بلغ عدد العراقيين الفارين من جحيم الديمقراطية الأميركية إلى سورية والأردن ودول أخرى أكثر من مليوني شخص منذ بداية الحرب العام 2003، وأن أربع طائرات مدنية تأتي يومياً من العراق إلى سورية وهي تقل نحو ألف شخص، أما في الداخل - وكما يقول المفوض السامي للأمم المتحدة للاجئين انطونيو غوتيريس - فإن هناك أكثر من مليون وثمانمئة ألف عراقي نزحوا داخلياً من منطقة لأخرى بحثاً عن أوضاع معيشية أفضل، بل الأمَرّ من ذلك فإن المسئول السامي في المفوّضية قد قسّم جغرافية عمليات النزوح القسري في المحيط الجغرافي إلى خمسة أشكال، جاء في مقدمتها اللاجئون الفلسطينيون يليهم اللاجئون العراقيون!، وهي مأساة ما بعدها مأساة، فبعد أن كان العراق يُؤوي لاجئين أتراك في مخيم (مخمور) وفلسطينيين في بغداد منذ أيام النكبة أصبح اليوم لا يختلف عن الأفغان في إيران وباكستان والاريتريين في السودان، والبورنيين في بنغلاديش والأوزبك في جوار القوقاز .
ومن المحزن أكثر في ذلك ما ذكره مسئول في وزارة الهجرة والمهجرين العراقية من أن وزارته في محافظة الأنبار قامت بتوزيع ألف مدفأة على العوائل المُهجّرة والنازحة، وأن نصف تلك الكمية قد حُمّل إلى الفلوجة، والباقي قد تم توزيعه على العوائل المستحقة في الرمادي، وأن السيناريو نفسه قد تكرّر بالنسبة الى العوائل المُهجّرة في محافظة بابل وبالتحديد في الحلة والهاشمية والمحاويل وأبي غرق والكفل والمسيب . تقع هذه الحوادث في بلد يعادل احتياطي النفط فيه الاحتياطات النفطية لكل مـن كندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وغالـبية دول آسيا وشمال أوروبا، ومن مآسي العراق الجديد بات المُرتزقة الذين يُوفّرون الحماية للمسئولين والتجار وزعماء العشائر ومواكب السفارات والشركات الأميركية قوى شريكة في صوغ الخريطة الأمنية للناس وللدولة، وكما يقول عضو مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المسئولة عن ملف المرتزقة خوسيه غوميز برادو فإن أعداد المرتزقة في العراق والذين يضطلعون بمهمات أمنية هو ما بين ثلاثين وخمسين ألفاً وهم يُشكّلون اليوم القوة العسكرية الثانية بعد القوات الأميركية وأن أكثر من ألف رجل منهم قد جاؤوا من البيرو وأميركا اللاتينية، أما الشركات الأمنية الخاصة فحدّث ولا حرج، وبلغ عددها ستة وثلاثين شركة مُسجّلة رسمياً، وأكثر من مئتي شركة غير مُسجلة، إضافة إلى الشركات العسكرية الأميركية التي يصل عددها إلى خمس وعشرين شركة .
ومن مآسي العراق الجديد فقد طربت الأحزاب الكردية أخيراً بقرار اللجنة المعنية بتطبيع الأوضاع الخاصة بكردستان ومباشرتها العمل على تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي والقاضية بترحيل العرب الوافدين إلى مناطقهم الأصلية في الجنوب والوسط والمناطق الغربية، وإلغاء كل العقود الزراعية المبرمة وإعادة الأراضي الزراعية إلى أصحابها الأصليين! وكأننا نعيش تجربة فصل جديد من الفرز الإثني والطائفي الذي يمخر فيه العراق منذ احتلاله غدراً قبل أربع سنوات .
ومن مآسي العراق الجديد أن الأعمال التنقيبية ومعامل الإنتاج لشركة النفط العراقية سيقتصر فقط على الحقول المنتجة والبالغ عددها سبعة عشر حقلاً، أما الحقول الأخرى والتي صُنّفت على أنها حقول مكتشفة غير مُطورة وعددها ثلاثة وستون حقلاً فستكون من نصيب الشركات الأجنبية، وقد نشرت صحيفة (الاندبندنت أون صنداي) البريطانية أنه وبحسب اتفاقات تقاسم الإنتاج ستتمكن الشركات النفطية الاحتكارية الكبرى في العالم مثل بتروليوم وشل البريطانيتين واكسون وشيفرون الأميركيتين من إبرام مجموعة من العقود لاستخراج النفط العراقي من تلك الحقول المُصنّفة لمدة ثلاثين عاماً وهو ما يعني أن العراق سيتكبّد خسائر مالية تصل إلى مئة وأربعة وتسعين مليار دولار .
قبل أقل من شهر كنتُ أسرُّ لأحد العراقيين الذين خرجوا من العراق تواً... بأن أخشى ما أخشاه هو أن يأتي زمان يترحّم فيه العراقيون على الطاغية المقبور صدام حسين بسبب ما يعانونه اليوم .. فردّ عليّ بأنه كان يُوزّع الحلوى والمشروبات على الناس عندما سقطت بغداد ابتهاجاً، أما اليوم فإنه يقول (سلام على أيام صدّام !) وهي لحظة ما كان أحد يرغب في أن تأتي، لكن الأقدار شاءت هكذا .
التعليقات (0)