المد الزمني وما خلفه من تراكمات كثيرة وكبيرة على مجتمعنا وخصوصا فيما يتعلق بالعادات والتقاليد والعرف السائد، ولكن للقرن الواحد والعشرين نظرة خاصة عن سابقه، فعلى رغم الخطر الإعلامي وما يتركه من سلوكيات سوداء في قلوب بيضاء، قد يحرك ضمير الشعوب في مسخ هذه العقبات من على الأرض، ولكن الإرادة الحقيقية هي السبيل الأول لتخطي هذه الأشواك.
وقامت "الوسط" بإجراء جملة من الاتصالات مع عدد من المشروعات في مختلف مناطق البحرين، وذلك من أجل تسليط الضوء على مجموعة أكبر من العينة المختارة، ولكن بعض أفراد هذه العينة لا يرد على نداءاتنا المتكررة والمتواصلة، والبعض الآخر امتزج ردهم بين التفكير والانشغال، ولكن الجانب الأكبر استجاب إلى هذا النداء مع رحابة الصدر.
نتاج المشروع الأم
وبدأت خطوات السير تتجه نحو نموذجين لجآ الى النهل من تجربة الأم، وعلى رغم وجود عدد من المناطق التي طبقت هذه التجربة فإن اتصالاتنا باءت بالفشل جراء عدم استجابة البعض لنا، ومن هذا المنطلق يشير كل من المشرف العام على مشروع تعليم الصلاة في السنابس الشرقية محمد علي محسن واحد القائمين على المشروع في إسكان السنابس محمد حسن علي إلى ان فكرة التأسيس اقتبست من مشروع السنابس، إذ قام طلبة هذا المشروع بتطبيق هذه التجربة في منطقة السنابس الشرقية بعد عامين من تأسيسه، في حين انطلقت العام 1997م في مسجد المجتبى بإسكان السنابس بعد ان كانت مطبقة في البيوت العام 1992م، ويتفقان في القول ان المشروع يعد امتدادا إلى المشروع الأصلي، فجميع أنواع المساندة كنا نأخذها منه.
ويواصل علي حديثه فيقول ان المشروع الإسكاني نقل جميع الفعاليات الموجودة في المشروع الأم من صلاة وفرق واحتفالات "..."، أما الفرق الوحيد يكمن في عدد الطلبة المنخرطين في المشروع، الذين يقدرون بحوالي 150 طالبا موزعين على الصلاة والفرق الدراسية.
أما المشرف العام على لجنة تعليم الصلاة في مشروع السنابس الشرقية محمد عيسى فيتفق مع علي في الجزء الأول، ويختلف معه في عدد طلبة المشروع الذين يقدرون بين 80 حتى 100 طالب في مختلف برامج المشروع. ويضيف ان هناك ثلاث فرق في مجال تعليم الصلاة، لكل فرقة مستوى معين في التعليم، بالإضافة إلى تهيئة الطلاب في الفرقة الثانية والثالثة من الصلاة بإدخالهم في الفرق الدراسية للتأقلم على جوها. ويؤكد وجود نظام أساسي في المشروع.
وفي موضوع آخر يقول علي ان: المشروع واجه مجموعة من التغيرات، أهمها ازدياد عدد الطلبة والمدرسين والأنشطة، وكثرة الترتيبات بزيادة حجم المشروع.
في حين يقول عيسى ان من أهم التغييرات التي طرأت على المشروع هي، المتابعة الفردية للطلاب وتقوية علاقات أولياء الأمور مع المشروع "...".
أما بالنسبة إلى الدعم، يقول عيسى إن تسيير احتياجات المشروع تأتي من خلال عمل بعض الأنشطة التي تعود بالمردود المادي للمشروع كالطبق الخيري الذي يعقد في السنة مرتين. أما دخل مشروع الإسكان يتشابه في طريقة الحصول عليه مع المشروع الأم، وذلك حسبما قاله علي.
مواجهة سلوكيات الإعلام
ويبتعد مغزى الحديث قليلا ليصل إلى الإعلام والجريمة، إذ يقول المنسق العام في هيئة التدريس في مشروع تعليم الصلاة والقرآن في منطقة العكر رياض أحمد خميس انه "نتيجة انتشار الجريمة وتدني المستوى الأخلاقي في السنوات الأخيرة في البلد قامت منطقة العكر قبل أكثر من ثلاث سنوات في أحد المساجد بإقامة مشروع لتعليم الأطفال الصلاة والقرآن والعلوم الأخرى، وكان الحضور آنذاك يزيد عن 200 طالب بشهادة مدرسي المشروع، وبدأ العدد في ازدياد حتى وصل إلى أكثر من 700 طالب من الجنسين، هذا العدد أدى إلى زيادة مساحة التدريس فشملت بالإضافة إلى المسجد مأتمين للطلبة ومأتما للطالبات ومسجدا آخر. وتبدأ أعمار هؤلاء الطلبة من سن السابعة إلى ما بعد التوجيهي.
ويضيف خميس: ان أهم العوائق التي تحيل التطور الكبير في مشوار المشروع هي قلة المصادر المالية وضآلة وسائل التعليم "..."، علاوة على عدم وجود تعاون من قبل بعض المؤسسات الحكومية في السماح لشغل بعض المدارس أثناء فصل الصيف الذي يصل النشاط فيها إلى قمته، بالإضافة إلى خطر الإعلام السيئ الموجه إلى فئة الشباب والأطفال، ونتيجة لذلك فان هناك مسعى لتنفيذ وضع بعض المناهج من خلال بعض علماء الدين.
ويشير خميس إلى ان المشروع يحتضن جميع المستويات في التدريس وخصوصا الحالات التي تحتاج إلى عناية خاصة.
بذور تمنح الصلاح
ولكن لكل مرحلة مستوى، ولكل مؤسسة غاية، لذلك يقول مدير مركز، البذور الصالحة أحمد جاسم ان الهدف من إنشاء المركز تنمية القيم الإيمانية والمهارات القيادية لدى الطفل، ونشر الوعي في المجتمع بأهمية فئة الأطفال. هذا المركز الذي ظهر في الوجود العام 2000م في منطقة قلالي حمل على كاهله احتضان ثلاث مراحل تتراوح بين 5 و12 سنة، وتضمنت هذه البداية 70 طالبا ينخرطون في دورة سعتها أسبوعين، ولكن صغر هذه الفترة شجع القائمين على المركز على النهوض في الاستمرار نحو تكثيف الجهود لقطع الطريق أمام فراغ الطفل.
وعن الصعوبات التي واجهت المركز إزاء هذا التطور تحديدا، يقول جاسم ان عدم وجود نموذج مؤسسي لتربية الأطفال، جعل المركز ينطلق من الصفر، وقلة الطاقم الكفء للتعامل مع هذه الفئة، إلا ان هذه المشكلة بدأت في التناقص بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة.
ويضيف جاسم ان المنهج التربوي للمركز يختلف من مرحلة إلى أخرى، هذا المنهج الذي يتضمن مواد حركية وجسمية وتفكيرية واجتماعية ولغوية ونفسية، يطبق على مرحلتين حاليا تتراوح بين سن السابعة حتى الثانية عشرة عاما، وتضم هذه المرحلتين 200 طالب وطالبة ينغمسون في أربع دورات تمتد كل منها لشهرين، وتحتوي كل دورة على مادة معينة كالسيرة النبوية.
وعن عدد المدرسين قال جاسم إن "عددهم وصل إلى 9 معلمين و12 معلمة، بعد أن كان عددهم الإجمالي أربعة معلمين فقط".
ويوضح جاسم مثالا لأسلوب التعامل مع الطلبة في قوله "تطبق فريضة الصلاة بعد إعطاء بعض الأساسيات سواء في المركز أو في المسجد، ويتبع ذلك تطبيق عملي من خلال لعبة يهدف من خلالها إلى ترسيخ ما تم تعلمه سلفا، أو منح درجة لكل صلاة يواظب عليها الطالب "..."، هذه الطرق تعد أسلوبا جيدا لتثبيت أمر ما".
المعالي... الأسلوب المناسب
أما فيما يتعلق بالمرحلتين الإعدادية والثانوية فيقول مدير مركز شباب المعالي محمد سيف الانصاري ان الصلاة هي جزء من المنهج التربوي للمركز منذ تأسيسه العام 2001م، هذا المركز التي ترجع فكرة تأسيسه إلى العمل الطلابي في جمعية الإصلاح في سبعينات القرن الماضي.
ويضيف الانصاري ان غالبية جمهور المركز من طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، البالغ عددهم 600 طالبا يتوزعون على ستة فروع منها مدينة عيسى والمحرق والمنامة والحد والرفاع ومدينة حمد، في هاتين المرحلتين يفقهون ولو بقدر بسيط كيفية أداء فريضة الصلاة، ولكن على رغم ذلك فان المركز يضع كل 20 طالبا في مجموعة يديرها أحد المتخصصين في هذا المجال، وتحصل هذه المجموعة بشكل أساسي على الكثير من الأنشطة سواء أكانت دينية أم ثقافية أم ترفيهية "..."، إذ يتوقف النشاط في حال دخول وقت فريضة الصلاة، ويبدأ مدير المجموعة بالتوضؤ تهيؤا لأداء الصلاة أمام المجموعة وقبل قيامهم بذلك، وذلك لكي يلفت نظر أفراد المجموعة إلى الطريقة الصحيحة للوضوء، بحيث يسهم في مراجعة كل فرد لطريقته في الوضوء بمحض إرادته، هذه تتكرر في كل فريضة يكون فيها الطلاب أثناء فترة مزاولة أي نشاط، بعد ذلك يقوم مدير المجموعة بإمامة الطلبة التي من خلالها يمكن التعرف على جوانب الضعف والخلل لدى الطلاب، ويلفت نظر الجميع بهذه الملاحظات أثناء عقد بعض الحلقات الدراسية بهذه المجموعة سواء فيما يتعلق بالوضوء أو الصلاة، هذا الأسلوب يطبق على جميع المجموعات في المركز.
ويوضح الانصاري ان المركز يواجه بعض الصعوبات منها قلة الموارد المالية التي ينحصر مصدرها في لجنة الأعمال الخيرية بجمعية الإصلاح، ونقص المرافق لمزاولة الأنشطة والبرامج، على رغم ذلك فإن المركز يعتمد على مناهج معدة مسبقا على أيدي متخصصين، هذا المنهج الذي يحيط بثلاثة جوانب، المعارف والقيم والمهارات، بالإضافة إلى التركيز على الجانب الروحي في نفسية الشباب من خلال العبادات وخصوصا الصلاة. ويذكر أن هناك جهودا لإنشاء مركز خاص بالجنس الآخر تابع للمركز.
طلاب في المشروع
وفي أحد أزقة الموضوع نفسه يقول مدير مركز واحات القرآن الكريم بجمعية الذكر الحكيم بدر علي قمبر ان فكرة تأسيس المركز تندرج بشكل أساسي على تعليم أصول القرآن الكريم وكل ما يتعلق به من علوم، التي تستقطب ما لا يقل عن 1000 طالب وطالبة من جميع الفئات العمرية بمختلف فروع المركز في المملكة، ويعد مقرر تعليم وتحفيظ القرآن مادة أساسية، في حين يحتوي المنهج على مناهج تربوية أخرى كتعليم الأصول الصحيحة لفريضة الصلاة من خلال المناهج الموجودة، كما تقام صلاة جماعة لتعويد الطلاب على أهمية الصلاة وآداب المسجد.
ويؤكد قمبر ان عدم المتابعة المستفيضة من أولياء الأمور، وخصوصا بالنسبة إلى أداء الصلوات، بالإضافة إلى إهمالهم تركيز الطفل على أهمية الصلاة في المسجد.
ويشير قمبر إلى تنظيم الكثير من الأنشطة كالمسابقات والاحتفالات "..."، وما يؤكد ان المركز تعرض لتغيرات ايجابية منذ نشأة هذا المشروع، ازدياد الطاقة الاستيعابية في المركز، وتوسع نشاط المركز فصار شغله الشاغل مرتكزا على تعليم الصلاة والقرآن الكريم وما يندرج تحتهما.
وعن سؤالنا عن مكانة الصلاة في المركز يقول قمبر إن المركز لا يحتوي على لجنة خاصة بتعليم الصلاة ولكن أمور الصلاة كلها تعد من خلال مناهج تربوية خاصة، إذ يقوم المدرس بتعزيز حفظ القرآن عن طريق الصلاة، وتحرص إدارة المركز على دراسة لجنة خاصة بالصلاة في المستقبل.
ويذكر قمبر أن الكثير من المراحل الدراسية تستطيع الانخراط في أنشطة المركز، بالإضافة إلى ربات البيوت والموظفات اللاتي يمنحن دروسا وخصوصا في تعليم قراءة القرآن وتدريس رواية حفص عن عاصم الكوفي التي تعد الرواية المعتمدة في الخليج خصوصا.
شباب يناشدون الدعم
ولكن هل الدعم هو السبب أم ان العمر يدخل كعقبة نحو استمرار أية خطوة، وضمن هذا يقول مدير النشاط الصيفي التابع لصندوق جنوسان الخيري حسين الصباغ ان فكرة المشروع بدأت مع مجموعة مكونة من خمسة شباب، وكنت رئيسا لها، وانطلقنا من خلال وضع الإعلانات في أماكن مختلفة ومنها المساجد، وشكلنا لجنة مكونة من أفراد هذه المجموعة لتقوم بعملية التدريس وإدارة هذه الحلقات، وخصوصا تعليم الصلاة والقرآن وبعض الدروس الإسلامية الأخرى، التي تستهدف المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وتتم هذه الدروس خلال ثلاث دورات مقسمة على طول أيام السنة، ويفصل بين كل دورة راحة لمدة عشرة أيام تقريبا، وذلك استعدادا للانتقال إلى الدورة الأخرى، أما المرحلتين الثانوية والجامعية فتتعلم تجويد القرآن، بالإضافة إلى وجود ليلة من كل أسبوع يدرس فيها طلاب هاتين المرحلتين الفقه. علاوة على تضمن هذا المشروع الكثير من الأنشطة الروحية والترفيهية والثقافية. وتعقد جميع هذه الأنشطة في مسجدين بالمنطقة.
ويضيف الصباغ ان البداية كانت مع مطلع الفصل الدراسي الأول للعام 2000م، التي لم تدم إلا لثلاث سنوات تقريبا، بسبب عدم وعي اللجنة بالجو المؤسساتي بمعناه الحقيقي، وانصباب جل جهود اللجنة على كاهل فرد واحد بسبب تزوج احد أعضاء اللجنة، علاوة على تأثير هذا العمل على الحياة الاجتماعية والدراسية. ولهذا اضطررنا إلى وقف عمل هذه اللجنة لصعوبة الاستمرار في هذا المشوار.
ويوضح الصباغ صعوبات أخرى واجهت المشروع في قوله ان الجانب المادي ضعيف اتجاه المشروع، وقد يعود في جزء منه إلى بساطة الحالة المادية للمنطقة، وأكثر أعضاء اللجنة من الطلبة، وبالتالي فان وقت فراغ الطالب يكون اقل من أي موظف آخر، علاوة على أن التمويل يأتي من جيوب الأعضاء المتواضعة مع تبرع بعض أولياء الأمور. بالإضافة إلى عدم توافر الكفاءات التي تستطيع تسخير بعضا من وقتها لصالح المشروع، ولهذا توقف مشروع تعليم الصلاة الماضي في المنطقة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، علاوة على دخول الحوادث الأخيرة في الموضوع نفسه.
ويقول الصباغ ان صندوق جنوسان الخيري طلب مني صوغ مشروع تعليمي للصغار ضمن النشاط الصيفي السنوي للصندوق، ووافقت على ذلك بحيث يكون مضمونه أكثر تركيزا على الجوانب الدينية كالصلاة والقرآن "..."، بالتعاون مع أعضاء اللجنة السابقة، ويستقبل هذا النشاط فئة معينة تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام حتى سن الخامسة عشر، وتوزع هذه الفئة على ثلاث مستويات، كل بحسب مستواه الدراسي.
وعن دور الصندوق في المساهمة في تدعيم فكرة تعليم الصلاة والعلوم الإسلامية الأخرى يقول الصباغ ان جل اهتمام الصندوق يكمن في مساعدة الفقراء وتقديم المعونة لطلاب التعليم الأكاديمي، ودخول الصندوق في هذا النشاط يعد هو الأول من نوعه من حيث مضمون النشاط الديني. ومن هذا المنطلق نحاول تكثيف جهودنا للاستمرار في هذا النشاط بشكل أكثر تنظيما.
ولكن هل المؤسسات الخيرية والتطوعية عموما والصناديق الخيرية خصوصا تستطيع ان تساهم في بلورة هذه المشروعات على أرض الواقع؟ وخصوصا ان الفكرة من جانب الشباب الذي يعد عصب كل أمة، ولماذا لا تتوسع هذه المؤسسات في تبني مثل هذا النوع من التعليم بدل اقتصارها على التعليم الأكاديمي؟ أليس من الأهمية المساهمة في تشكيل بنية الإنسان الدينية والأخلاقية؟ "..."، باعتبار الطفل أمل الأمة التي لا تتطور إلا بجودة هذا الصنف.
هذا المقال أتى من صحيفة الوسط
www.alwasatnews.com
التعليقات (0)