ما بعد "جمرينا" إلا إسهامات خالدة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
بحزنٍ بالغ، توقفت أسمع نبأ وفاة الأب المربي الشيخ الكبير عبدالأمير الجمري "أبا جميل"، في صباح يوم الاثنين..
توقفت لهنيئات عند أماكنٍ كنت إلتقيته مسبقاً فيها..
توقفت لأتذكر فحسب، كما كنت في عمر السادسة عشر، أحب التأمل في شخصه الكبير، توقفت أطالع الأمكنة التي جمعتني فيه، ما أكبر أن تكون في يوم مع رجل بمعنى الكلمة رجل يحمل ما يحمل من عبأ أقسم به على نفسه بينه وبين ربه أن لا يتوقف إلا مع تحقق كافة الحقوق للمواطنين من شعب البحرين، فها أندا أحبذ أن أضل أبناً لهذا الأب البار المناضل الذي وهب نفسه لأبنائه من شعب البحرين..
المشهد الأول:
التحدي الأكبر، في يوم استشهاد الهانيين "هاني خميس وهاني الوسطي"، فتقدم للصلاة عليهما وبدأ مسيرة التحدي الأكبر، فأخذ على نفسه أن يقرأ مجلس عزائهم رغم من كل التخوفات يومها.. كانت لي درجة من الانجذاب بشخصه المحبوب..، أبا جميل، يستوقفني الرجل بمعناه الرحب وابتسامته رغماَ على الألم، وشموخه الصلب وسط كل مصيبة، وحزمة الواضح عند أي قرار حاسم..
عند الانتهاء من التشييع ذهبنا إلى حسينية بن خميس بالسنابس، فسأل أبا جميل من سيقرأ الفاتحة فقال أحد أفراد العائلة لحد الآن لم يتم الاتصال بأحد، بينما كنت أراقب سؤال الشيخ وجواب أحد أخوة الشهيد هاني خميس، كنت أقف بالقرب من الشيخ فقال لي الشيخ خذ بعمامتي وبالبشت والخواتم لأتوضأ، فبعد أن توضأ دخل إلى الحسينية ولازم قراءة مجلس عزاء الشهيدين ثلاثة أيام وتمددت الفترة إلى أسبوع، وفضلت غير الكثيرين أن أكون أحد المستمعين والمترقبين خارج الحسينية وليس داخلها.. رغم صغر سني.
المشهد الثاني:
رسالة حب، بينما كنا مدعوين "فرقة أبو تراب للأناشيد الإسلامية" للمشاركة في حفل المنتظر، ولأنا "الفرقة" كنا نعلم بحضور ومشاركة الأب الشيخ الجمري، فحملت كلمات الأنشودة أبيات خصصت لبعض صور نضال الشيخ الجمري، والذي قام حال إنتهاءئنا من الأنشودة وأربت على أيدينا واحداً واحداً وبمحبة أرسلنا له الكلمات وبمحبة أعطانا شيئاً خاصة من رسالة حبه لأبنائه. مكان الأنشودة مأتم كرباباد.
الاحتفالات وحضورها أحد أبرز سماته إذ كان يحب اجتماع المؤمنين في المحافل ويشاركهم فيها، ففي ليلة من افتتاحيات المرسم الحسيني بالمنامة، وحشودٌ تتوافد لتشاهد المشهد الفني والفنانين المشاركون في هذا الحفل، وجدته..، نعم كان بالقرب من الفنانين يشجعهم على مشاركتهم ويدعوا لهم بالمزيد من العطاء، نعم إنه الشيخ الجمري وقف عند مدونة المرسم وأخذ يكتب "إنه لمشروع كبير أن تجمع الفن في استنطاق عاشورائي فني" وتمنى للقائمين على المشروع المزيد من التطور والاستمرار.
المشهد الثالث:
القلب المعتصر الصابر، بعد سقوط شهيد البحرين لفلسطين الشهيد محمد جمعة، توافدت الناس قوافل قوافل إلى مقبرة السنابس، كنت هناك عند مسجد المقبرة بالتحديد حيث كان الشيخ الجمري ينظر النظرة الأخيرة على جثة الشهيد..، تأملت شيئاً في عينه فقرأت ألم من آلام الأب فأبتعدت لأترجمه دموعاً حزينه..، وعدت لأقف بالقرب من الشيخ فلم أجده بحثت عنه فلم أجده، فقالوا لي إنه دخل إلى المسجد مع جمع من العلماء..
نعم وجدته داخل المسجد، دخلت وجلست بالقرب منه أحب الجلوس والتأمل فيه، دخل علينا أحدهم وقال ما تأمرون سماحتكم، فقال الشيخ لينتهو من التغسيل وبعدها فالنصلي على الجنازة وننطلق للدفان، ألا تلقون كلمة الوضع مضطرباً شيئاً ما!، لا لا ..، كان كلام الشيخ يخرج وتخرج معه بحة بها من العذابات ما بها..، لا تزيدوا الوضع تأزماً بخطاباتكم الدفان أولاً ولا خطابات، كلامه كان نارياً لم أرى الشيخ ينطلق في نارياته إلا في خطبه النارية أحياناً ما إذا تطلب الخطاب حماسة..، الشيخ يحاول أن يقوم فيربت ويهده الشيخ الأب المربي المجاهد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم "حفظه الله"، هدأ الشيخ فأخذت شيئاً من نفسي أخذت أصب الماء له وجلست مقابلاً له أخذت أتأمله.
مرت أيام التعزية الثلاثة التي كانت في مأتم الشاخورة بهدوء إلى أن فجرها الرجل الموقف الشيخ محمد حبيب المقداد "حفظه الله"، هذا بعض من مشاهداتي لأبي وحبيب فؤادي الذي أفتخر أني حضيت شيئاً من تقبيل وجنتيه وحملت شيئاً من حبه في قلبي له.
فمثلت يا أبتي الموت لا يوقف مسيرة عطاءهم أبداً..
ساحة تمتلك من يسلك مسلك مراعاة الله في كل أمورها، ويلتفت أكثر ما يلتفت إلى الحكم الشرعي، ولديها طابعٌ ميال إلى الاجتماع مع الأحبة، هي ساحة تستحق الفداء، ويستحق الفداء رجل قام بمهمات الرجال العظام، ورجل لديه من الحكمة أن يزرع فيحصد وأن يقرر فيختار، رجل هو أقدر على التفاهم مع الخصوم والأعداء، ولديه الروحية على التلاقي ونبذ التصادم، ويحمل من قيم الحسين والأئمة الأطهار روحية الانفتاح والتسامح والنبل والمودة والتآخي والأخوة، وصفات يعجز القلم عن تعدادها، ذلك الشيخ الجمري ملكها وتحرك من خلالها ممارسة ومازجها تحركاً، هو ضل المناضل الذي عرفته الساحات الدولية والعربية والإسلامية هو ذلك المجاهد الذي بدأ مغترباً وضل مناضلاً لأخر نفس في مرضاة الله وسيراً على خطى الأئمة الأطهار لنيل حقوق الشعب والمؤمنين الخيرين من أبناء شعبه الوفي الكريم الذي أحبة والذي خاطبة دائماً بكلمة الحب "أحبتي" ودمعت عيناه عندما أطلق سراحه حينما قال خاطباً في منبر الجمعة بجامع الصادق بالدراز "أني اشتاق لكم اشتياق يعقوب إلى يوسف" مشاعر تقشعر لها القلوب التي أحبته وعرفته واجتمعت به ولو لمرة واحدة، هو ذلك الأب والمربي والمجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري "رحمه الله وقدس نفسه الزكية".
التعليقات (0)