من مدينة مشهد المقدسة مركز محافظة خراسان تطغى أجواء الأزمة اللبنانية بشكل فاقع على صورة المدينة الغارقة في الرضا الرباني. .. في الحرم الرضوي الشريف تسمع (بلا خطأ) الأصوات الممشوقة وهي تبتهل بشكل مزمن ناحية السماء لنصرة «المجاهدين في حزب الله» والترحّم على الشهداء... في الشوارع تشاهد الكثير ممن يعتمرون قبعات صفراء ممهورة بشعار حزب الله تعبيراً عن دعمهم لنضاله ضد العجرفة الصهيونية. الصحف الإيرانية بمختلف أطيافها ولغاتها، تمنولت لأن تضع صورة الأمين العام لحزب الله لبنان السيدحسن نصرالله على صفحاتها الأولى تحاذيها أو تتوسطها عناوين حرب قائمة، كذلك الحال بالنسبة إلى الحجاج العرب الموجودين في كل شبر من المدينة فهم يتهامسون كالنحل، كل ينقل لمصادفه ما تناهى إلى سمعه من أخبار.
رسمياً، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله السيدعلي خامنئي قال منذ اليوم الثاني للمواجهات إن المسلمين يـشعـرون بـالـفخـر جـراء الخطوة الباسلة والعظيمة لحزب الله، واصفاً دعوة الرئيس الأميركي إلى نزع سلاح الحزب بأنها لـن تتحقق أبداً. رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، ورؤساء السلطات الثلاث وقادة الحرس الثوري ومراجع التقليد في مدينة قم المقدسة صرحوا بأحاديث مماثلة، هذا حال الجمهورية الإسلامية. إقليمياً، السوريون (وحلفاؤهم في لبنان) واليمنيون والجزائريون ونخب قومية ويسارية وإسلامية كانت لها مواقف متقاربة بشأن الأزمة. في المقابل، كان سعد الحريري ووليد جنبلاط وصفير يؤكدون أن عدم عقلانية البعض في إشارة إلى حزب الله أدت إلى خراب البلد. دول الخليج باستثناء قطر ومصر والأردن حمّلوا حزب الله وإن ضمناً المسئولية عما جرى، إذاً نحن أمام اصطفاف سياسي إقليمي ودولي واضح أخذ في الضغط بشكل كبير على زوايا حادة لملفات غائبة حاضرة في المنطقة، يبدو في طليعتها تسوية العلاقة مع إيران الراسية على سواحل صراع أزلي مع الولايات المتحدة التي بدورها تريد تجيير الكل لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وكذلك بدأ الكلام يدور حول مصير العلاقات العربية مع دمشق التي مازالت تتمنع من الموقف تجاه مستقبل الصراع القائم في المنطقة. لكن الكثير من القيادات السياسية حتى بعض الأنظمة بدأت تتحدث عن دور هذا الصراع في إلهاء الغرب أو الضغط عليه بغية تليين مواقفه أو إجباره على تسوية القضية النووية الإيرانية بما يؤمن لطهران حاجياتها الاستراتيجية والأمنية، وبالتالي الحديث عن طبيعة العلاقة القائمة بين طهران وحزب الله.
إيران وحزب الله
بدأت العلاقة بين شخوص دينية لبنانية تتشكل منذ أن ظهرت خلايا الثورة الخمينية في ستينات القرن الماضي ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وخلال عقد السبعينات نشطت تلك العلاقة عندما سهلت تلك الشخصيات عملية وصول العناصر الثورية الإيرانية للتدريب في مراكز منظمة التحرير الفلسطينية القائمة آنذاك في لبنان، وبعد انتصار الثورة في العام 1979 بدأت اللحمة بين الجانبين تستوي بشكل أكثر تماسكاً بعد القبول الإرادي لمجاميع دينية لبنانية بأصل الطرح الفكري والعقائدي الذي كان يطلقه الإمام الخميني من إيران كنظرية ولاية الفقيه والمفهوم الجديد للصراع، الأمر الذي أفضى إلى حدوث تشظ عمودي داخل أطر حركة أمل التي لم تستطع مجاراة النَفَس الديني الراديكالي المتعاظم، فظهرت على يسارها حركة أمل الإسلامية، كما ظهرت حركة المستضعفين، إلى أن أعلن في العام 1982 عن قيام حزب الله المسلِّم تماماً لقيادة الولي الفقيه، وقد أسست العلاقة العضوية بين إيران والحزب مشهداً جديداً من العلاقة بين الدولة اللبنانية والجمهورية الإسلامية، فلعبت طهران دوراً محورياً لإتمام مشروع اتفاق الطائف في العام 1987 وفي إعمار المناطق المدمرة وإعادة تشييد محطات الكهرباء بعد عملية «عناقيد الغضب» في العام ،1996 فنشطت المنظمات الخيرية الإيرانية كمؤسسة المستضعفين، الشهيد والإسكان لدعم عوائل الشهداء والمتضررين في لبنان وافتتحت لها فروعاً في البقاع والضاحية الجنوبية وفي العاصمة (بيروت)، كما أن منظمة الجهاد الزراعي الإيرانية نفذت أكثر من 130 مشروعاً زراعياً طيلة الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، وخلال الخطاب الثاني للأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله خلال الأزمة الحالية وجّه حديثاً تطمينياً إلى اللبنانيين بألا يخشوا على ممتلكاتهم التي دمرها العدوان الصهيوني على لبنان لأن حزب الله لديه أصدقاء يعطونه مالاً نقياً طاهراً (على حد تعبيره) «من دون شروط سياسية» في تلميح واضح للدعم الإيراني السخي للحزب.
ينظر الإيرانيون إلى مسألة توسيع المبضع الديني للثورة بشكل أساسي ومحوري، لتتجاوز بذلك الحدود الجغرافية لإيران، وبالتالي فإن قياس السياسة الخارجية الإيرانية يجب أن يقرأ من خلال ذلك المتغير المهم، ومن خلال ما تخضع إليه العلاقة بين الشعوب ومستواها من تقويم وفق مقاييس هي في النهاية تنسيق وتعاون وائتلاف واتحاد وتناغم خارج الحدود، وإذا ما رجعنا إلى تأسيسات السياسة الخارجية لإيران منذ قيام الثورة يتضح أن مسألة الائتلاف تشكل السقف الأدنى لتحقيق الأهداف، وبالتالي فإن مسألة تجسير علاقات من نوع خاص سواء مع سورية في الشرق أم فنزويلا في الغرب، أم مع كيانات سياسية في المنطقة كحزب الله في لبنان و«حماس» والجهاد في فلسطين والمجلس الأعلى في العراق والوحدة في أفغانستان ونقوي وترابي في باكستان، يلتقي في النهاية الخط العام للهدف الاستراتيجي غير المؤطر بقومية محددة بقدر خضوعه إلى أكثر من متغير إقليمي وإلى منفعة متبادلة ضمن فضاء المصالح والتماهي الآيدلوجي، وبالتالي فهو غير خاضع أي المتغير إلى فرض أية أولوية خاصة من خلال بروز قوة إقليمية في ذلك التحالف. وبما أن إيران محاطة بحدود مشتركة مع 15 دولة، فإنه مازالت توجهات غالبيتها مضطربة سياسياً، مع وجود تباين ايديولوجي وعقائدي معها فقد دفعها ذلك إلى أن تقفز إلى ما وراء الحدود لتطويع ما يحدها من علاقات جليدية، ومنها في منطقة الهلال الخصيب.
في موضوع حزب الله، وباعتباره داخلاً في نظام التحالف المذكور، فلا يمكن لإيران إلا أن تكون المصدر الرئيسي له من حيث المال والسلاح والدعم السياسي والغطاء الإقليمي لنشاطه، وهو ما يفسره تصريح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي عندما صرح من دمشق بعد يوم واحد من الأزمة إن طهران تقبل بعملية تبادل للأسرى بين حزب الله والكيان الصهيوني من خلال الوسيط الألماني، وهو ذات الطلب الذي ينادي به حزب الله، بالإضافة إلى ما قاله السفير الإيراني في بيروت محمد رضا شيباني علانية لرئيس الوزراء اللبناني السنيورة إن إيران تدعم الحكومة اللبنانية، إلا أنها تعتبر أن المقاومة تدافع عن لبنان في وجه التصعيد الإسرائيلي ولو لم ترد لكانت «إسرائيل» صعدت أكثر، كما أنه وعد بمساعدات مالية لإعادة إعمار ما تهدم. وبالتالي فإن غطاءً سياسياً إيرانياً قد بدأ منذ اللحظة الأولى، وهي الترجمة الحقيقية للتحالف والائتلاف والتناغم القائم .
إذاً الإيرانيون في مسعاهم إلى تدعيم موقف الحزب سيرفضون إبعاد حزب الله عن الحدود الى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه ونشر قوات دولية بعد زيادة عددها في المنطقة الممتدة بين الليطاني والحدود الدولية، ثم إن الأكيد أيضاً على الأقل لحد الآن أن الإيرانيين سيرفضون مشروع كوفي عنان الأخير و (اللاورقة) الفرنسية المقدمة والمتضمنة نزع سلاح وتفكيك الميليشيات في لبنان واحترام الخط الأزرق كاملاً واحترام سيادة وسلامة أراضي «إسرائيل»، ويمكن أن تراهن طهران ودمشق ومن أمامهما حزب الله في معطيات الأزمة الحالية، على الخلاف الذي بدأ يظهر بين أولمرت ووزيرة خارجيته ليفني، ممتداً إلى أوساط سياسية في العمق الصهيوني باعتبار أن استهداف البنى التحتية العسكرية للحزب ومحاولات اغتيال قادته أشبه ما يكون بعملية «صيد في الظلام» كذلك الرهان قد ينتقل إلى التعويل على عامل الوقت الذي يرى فيه حزب الله وداعموه عنصراً آخر يضغط باتجاه إرغام الكيان الصهيوني على القبول بسقف مطالب آخر كلما تنامت مشكلات مع المجتمع الدولي وازداد ضغط الرأي العام الداخلي عليه وتعاظم ضغط الشارع العربي أيضاً على الأنظمة«المعتدلة» بحسب النعوت الصهيونية.
لكن السيناريوهات التي ستفرض نفسها خلال المرحلة المقبلة، والتي يجب أن يتحملها الجميع هي إما اتفاق على وقف إطلاق النار يشمل إعادة الجنود الأسرى في مقابل إطلاق الكيان الصهيوني لمئات الأسرى اللبنانيين والعرب وبالتالي خروج حزب الله منتصراً، وإما الغوص في المستنقع اللبناني من جديد ومواصلة الحرب ضد حزب الله بعد أن يتمسك الأخير بشروطه، وإما قبول حزب الله بالإملاءات الإسرائيلية بعد أن يصفي الكيان الصهيوني أمينه العام جسدياً في عملية استخباراتية خاصة، ومن ثم تنشر قوات من الناتو في منطقة عازلة، وتنزع أسلحة الميليشيات وينتشر الجيش اللبناني على الحدود. وأمام تلك الافتراضات تبقى جميع الخيارات مفتوحة لتقديم أو تأخير استحقاقات طارئة.
التعليقات (1)
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأخ الكاتب محمد عبدالله الموقر تحية طيبة و بعد ، لقد ربطت الإدارة الإيرانية مصيرها السياسي مع الجمهورية السورية ،حينما لم تجد قاعدة سياسية متينة في العراق ، و يترتب على هذا الميثاق السياسي و العسكري مواجهة الخطة الأمريكية لمحو محور الشر التي بدئت من لبنان . فلكل فعل ردة فعل و لضرب إسرائيل المواقع السورية على الحدود مع لبنان قد يسبب بتدخل سوري عسكري يتبعه تلقائياً تدخل عسكري إيراني ، و من البديهي بأن تحمي القوات الأمريكية حليفتها إسرائيل عسكرياً ، مما يخلق فرصة لتفكيك محور الشر ( إيران سوريا و سابقاً العراق ) . لقد نجح الإرهاب الفكري الأمريكي أن يقنع الأنظمة العربية الجشعة بأن مشروع تصدير الثورة الإيراني قد يلقى رواداً بين الشعوبالعربية فيتمحض من ذلك مقاومات الإسلامية العربية في فلسطين و لبنان قد توجه سلاحها ضدهم بعدما تنتهي من حربها الضروس ضد إسرائيل ، و إستخدمت إستراتيجية فرق تسد ، حيث أنها لعبت على الوتر الطائفي مما جعل بعض كبار المفتين السنة يدينون أعمال المقاومة الإسلامية في لبنان كونها شيعية . أما إسرائيل فهو بديل الشاه في المنطقة الذي كان يرعى المصالح الأمريكية حتى سمي بشرطي الخليج . الخلاصة هنالك ثلاث مصالح لضرب المقاومات العربية الإسلامية ، أولاً المصلحة الأمريكية و مأربها القضاء على محور الشر المكون من إيران و سوريا ، المصلحة الإسرائيلية التي تحلم بالقضاء على كل مقاومة عربية سلبتها العيشة السالمة الهنيئة منذ قيامها ، و مصلحة الأنظمة العربية التي لا ترغب بأن تتسع رقعة الشعبية الفارسية التي قدد تهدد أمنها القومي . شكراً جزيلاً لمقالك و أتمنى أن تقبل تعليقي المتواضع.