جاء اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ليفتح الباب من جديد لطرح العديد من التساؤلات حول الأوضاع التنظيمية والأمنية لحركة المقاومة الإسلامية حماس خصوصاً مع تزايد عمليات الاغتيال النوعي لكوادرها الطليعيين والمؤسسين خلال السنتين الماضيتين في ظل عجز بيّن من قِبَلِها للرد أو أخذ المبادرة، رغم ما يُردده قادتها في الكثير من مُقابلاتهم الصحفية (وعندما يُواجهون بهكذا أسئلة) بأن الرد العسكري لا يخضع من جانبهم لردات فعل سريعة وانفعالية وإنما لمعطيات الواقع المتحرك في إطار الحيثيات الأمنية واللوجستية والاستخباراتية ويُدللون على كلامهم بأن الرد على اغتيال المهندس يحيى عيّاش في النصف الأول من عام 1996 جاء بعد خمسين يوماً من حادث الاغتيال، ورغم كل تلك التبريرات إلاّ أننا كمراقبين نعي مدى حجم التباين في القوة بين الحركة والكيان الصهيوني .
حركة حماس التي تأسست في الثامن عشر من شهر آب / أغسطس من العام 1988 لا زالت تعتبر أن خيارها الوحيد والمُلزم لإنهاء ملف القضية الفلسطينية هو العمل المُسلح والمقاومة، وهو خيار في حد ذاته مُؤيَّد من كل الظروف الموضوعية للقضية، إلاّ أن الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة جديّة هو وقوف قيادة الحركة ولو مرة واحدة لتدارس موازين القوى الحقيقية والابتعاد عن التمسك بشعار " موازين الإرادة " التي ينادي بها البعض بفقه شعاراتي بحت .. وهنا لا يجب أن يُفهم من كلامي هذا رغبة في التخالف مع خيار المقاومين بقدر ما هو حرص على تقييم لواقع بات مُراً وباهظ الثمن بدرجة مريعة، صحيح أن الخيارات الصعبة والقرارات الحاسمة تحتاج أن تُقدم في سبيلها بعض التنازلات والقرابين إلاّ أنه يجب أيضاً معرفة حجم تلك تلك القرابين والتنازلات التي صارت تُقدم من اللحم الحي للحركة وليس من فائضها المؤجل .. إنني أقول هذا الكلام مقتنعاً بأن حركة حماس ورغم ما أصابها من جلل المصاب في مقاتِل كثيرة أنها استطاعت أن تُغيّر العديد من معادلات تل أبيب الأمنية والدفاعية وخططها التوسعية بل حوّلت مسألة الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى كابوس مظلم بات الجدل حوله واسعاً ومُرهقاً واستطاعت ببيان انتقامي واحد بعد كل عملية اغتيال أن تُخلي شوارع إسرائيل من المارة ثم هي أيضاً بات في استطاعتها أن تضع العصا في عربة الحصان ليقلب الطاولة على الجميع منذ اتفاقيات أوسلو وإلى الآن، إلاّ أن الحديث المهم هو إلى أي مدى ستبقى عملية المقاربة في المعركة خاضعة لقاموس الجولات العسكرية وإلى أي مدى وصلت فيه قدرة الحركة على جلب الوجع إلى الخصم .
وهنا أودّ أن أشير أيضاً إلى أن الكثير من الحركات الفلسطينية التحررية قد انتعشت بعد الانتصار الكبير الذي حققه حزب الله لبنان في مايو 2000 بعد أن كاد خيارهم العسكري أن ينزوي إلى الظل، إلاّ أن المهم في تلك الحيثية هو أن تجربة الانتصار لحزب الله في قد تكون مفصل تاريخي نادر جداً ومعركة عسكرية وسياسية فريدة ومتداخلة ولا يمكن مقرنتها بأي حال من الأحوال مع تجربة المقاوميين في فلسطين، فحزب الله كان يملك نظاماً سياسياً متماهياً معه في الخيار وكان بحوزته أوراق إقليمية مُهمّه زودته بما يملك من المال والسلاح (سوريا وإيران) في ظل وجود حدود برية وبحرية وملاحة جوية مفتوحة، كما أن الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان لم يكن يحظى بإجماع عالمي حتى في دواخل العالم الغربي لأن ظروف بقائه قد انتفت (عملياً وحسب الشروط الدولية) منذ اتفاقيات الطائف، ثم أن عنصر أخذ المبادرة العسكرية لحزب الله ضد الخصم الإسرائيلي قد بدأت في التصاعد منذ مطلع عقد التسعينيات وهو ما أربك موازين القوى في المنطقة، لذا فإنني أعود فأقول أن استجلاب الأمثلة الحرفية في السياسة أمر غير مقبول، وعلى قيادة حماس أن تُعيد النظر في الكثير من أجندتها، وقبل أن أضع نقطة النهاية لحديثي أطلب أيضاً من القارئ الكريم أن لا يجتهد في تصنيفي ضمن ما لا يُحب .
التعليقات (0)