طبقاً للمادة 142 من الدستور الإيراني، فإن على رئيس السلطة القضائية التدقيق في أموال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (الولي الفقيه) وأموال رئيس الجمهورية، ومساعديه، بالإضافة إلى الوزراء وعقيلاتهم وأبناءهم قبل استلام مناصبهم الرسمية وبعدها، كما أن السلطة القضائية لها الحق في القيام (وبشكل سري ومُفاجئ وفي أي وقت) بتفتيش الحسابات المصرفية والممتلكات العينية لأي مسؤول ذو وظيفة عُمومية في النظام السياسي، كما حَدَثَ ذلك قَبلاً للرئيس السابق الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني ثلاث مرات في أقل من عامين بعد استِعَار الحملة الشرسة التي شنّها الإصلاحيون المتطرفون ضده بُعيد سيطرتهم على المجلس النيابي السادس في يونيو 2001، وما تخللها من هَمسٍ مُسَيّس حول أنشطة أبناء الشيخ التجارية، وبالخصوص في مجال محاصيل الفُستق التي توارثتها عائلة (هاشمي) منذ أكثر من قرنين خليا .
وقبل أقل من أسبوع قدّم الرئيس محمود أحمدي نجاد قائمة بأمواله وممتلكاته إلى رئيس السلطة القضائية آية الله هاشمي شاهرودي، تضمّنت داراً سكنية بمساحة ۱۲۷ متراً مربعاً على أرض مساحتها 175 متراً مربعاً وتقع في منطقة نارمك بطهران مُشَيَّدة منذ أربعين عاماً، وحساباً مصرفياً جارياً في بنك ملّت فرع جامعة العلوم والصناعة بغرض استلام الرواتب والمخصصات الشهرية من الجامعة التي يُدرّس فيها نجاد بعد الظهر، وحساباً مصرفياً آخراً في بنك ملّي فرع وزارة الداخلية يعود إلى فترة شغل الرئيس منصب محافظ محافظة أردبيل إبّان رئاسة الشيخ الرفسنجاني، ولا يوجد فيه حالياً أي رصيد، بالإضافة إلى سيارة بيجو 504 موديل ۱۹۷۷ بيضاء اللون، وخطاً هاتفي .
طبعاً قد يكون هذا الخبر مُستَهجَناً من قِبَل البعض ممن يفترشون الحرير في قصورهم المأتمية، بل إنهم لن يتورّعوا لأن يصفوه (نجاد) بأنه شخصية توتاليتارية مُضمّخةٌ بالشعارات البالية، بل قد يُلحقونها بسياسة كسب الأسهم والنقاط في بورصة استجلاب المشروعية الاجتماعية والجماهيرية، إلاّ أن الفقراء ممن يفترشون حسك السعدان واشمأزت وجوههم من قرّهم، فهم من يودّ أن يستشعر مثل هذه المداراة والتواضع، خصوصاً وأنهم يعيشون بين جؤار نُظُمٍ تتبارى في الظلم .. أناس فيها يموتون من الجوع وآخرين يموتون من الشبع، وأناس تقضي أوقاتها بين فارِه الأشياء وأناس تتلوّى قسوة العيش والحياة، وأناس تضمّهم القصور المُترَفَة وأناس تعيش تحت سقوف التوتياء الصدئة، يضوع الفقر من عيونهم، وما يزيد الحال وجعاً وأَلَماً هو أن هذه الأرض (العربية) التي حباها الله من آلائِه ونعمه ما جعلها قِبلة للطامعين، تضم في أحشائها من المآسي ما تندى لها الجباه وتشيب لها الولدان، فجوة غذائية تزيد عن 20 مليار دولار وتزداد بواقع 3 بالمائة سنوياً، وعاطلين عن العمل يصل تعدادهم إلى 18 مليون إنسان، وفي غمرة هذا الفُحش والنهب المنهجي الذي يقوم به الإقطاعيون لا زال أكثر من 62 مليون عربي (22بالمائة) من جملة السكان يعيش على دولار واحد في اليوم، و145 مليون عربي (52 بالمائة) يعيش على دَخلٍ يومي يتراوح ما بين 2 و5 دولارات، كما لم تستطع ثرواتنا الوطنية لأن تُغيّر من أوضاع بلداننا إلى المعقول فضلاً عن المأمول، فلا زالت الدول العربية تحتاج إلى 50 مليار دولار كبنية تحتية في مجال الكهرباء والماء، و90 مليار دولار لمجال الاتصالات، في حين أن الأموال التي تم تهريبها من عالمنا العربي خلال العشرين عاماً الماضية تكفى لهدم وبناء الوطن كله عشر مرات على حد تعبير الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل .
إذاً كيف وصل الحال بنا إلى هذا الحد من المأساة، لماذا الديون العربية تفوق الـ 560 مليار دولار، في الوقت الذي نرى الاستثمارات العربية في الخارج هي ما بين 800 و2400 مليار دولار، الجواب قطعاً لا يحتاج إلى إبداع أو جهد عقلي أكثر من التثبّت أن هذه الأموال هي ودائع خاصة سُرِقَت من الثروات الوطنية لهذه البلدان، من عوائد النفط والغاز والمراكز المالية والمصرفية، ومن عرق الطبقة الكادحة التي عاشت سُخرةً للإقطاعيين الذين كلما ازدادت ثرواتهم فُحشاً تمادت أرجلهم في الدهس بغير رحمة على بطون الفقراء وأظافرهم في لحوم المساكين .. نعم فالتاريخ يُعيد نفسه بقفاطين متنوعة لكن أجزاءه وأبطاله هي ذاتها لا تتغير ولا تتبدل .. مُلاك وبرجوازيين وعبيد وأراضٍ على مرمى البصر أنسَت من قبلها وأتعبت من بعدها، إذاً أين الشعوب العربية مما يجري، وكيف هو مُستقبلها ومستقبل أجيالها التي تنتظر دورها في تحمّل هذا الإرث الثقيل والمتعاظم ألماً وقسوة، أم أنهم ألِفوا مصابيح المذبح المضاءة أمام أعينهم كل حين، كيف لهم أن يُصدّقوا أو يُقنِعوا غيرهم بمشاريع الإصلاح العربية الموعودة وهم يقرؤون ويسمعون ويتحسسوا كل هذا المشهد التراجيدي، كيف لهم أن يُقنِعوا أنفسهم بأن خيار الارتهان إلى الخارج هو ضربٌ من الخيانة والسقوط في أحضان الإمبريالية التي بات البعض ينظر لها كأنها المُسَيّا له من ظلم ذوي القربى، وأضحى التعيير بالعمالة كالفكرة القديمة التي استهلكت نفسها ولم يبق انتظار نفع منها أو حنين، بل إن الحافز الوطني أضحى مُعلّق بطرف خيط، وبات الإنسان العربي يُدرك أن التضحية بالدم انتحار لا فائدة منه لأن دافع المبدأ وداعي الوطنية وراءه ضائع وهو يرى جلاده يرقص فوق أشلاء ضحاياه كأنه ثورٌ هائجٌ انطلق داخل حانوت العاديات يُحطّم كل شيء من دون قيود، بل أصبحت ضغائن الثأر النائمة جاهز لأن تستيقظ في أي وقت من قُمقمها رافضة لكل شئ، ولا ترى الحياة إلاّ سواداً، ولا تفكّر إلاّ بثنائية الأشياء واختزال الحقائق وهو ما يعني فتحٌ جديد لباب التطرف لن يُوصَد إلاّ بعد أن يدخل منه شرٌ عظيم .
التعليقات (0)