في الذكرى السابعة والعشرين لانتصار الثورة الإسلامية
الاقتصاد الإيراني وأحجار الشطرنج... رياح بين الفن والحظ
يحتفل الإيرانيون هذه الأيام بأيام عشرة الفجر ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، وعلى رغم أن مثل هذه الكرنفالات السنوية قد أَلِفَها الإيرانيون، فإنهم أيضاً اعتادوا أن تكون تلك المناسبة تحمل معها ضميمة الهمّ السياسي والاقتصادي منذ بدايات الثورة ولغاية هذا العام الذي تستعر فيه أزمة الملف النووي مع وكالة الطاقة الذرية والترويكا الأوروبية ومن خلفهما واشنطن وتل أبيب.
إيران الثورة التي قال عنها كثيرون إن أحشاءها تحمل بذرة دمارها استطاعت الوقوف والثبات، بعكس كل التوقعات، ولم يحالف التصورات والسيناريوهات المناوئة سوى عاثر الحظ والانحسار، حتى قيل إن هذه الثورة وُلدت وخبزها تحت إبطها.
مَخَرَ الحُكم الإسلامي الجديد في ميادين الصراعات والتحالفات الإقليمية والدولية على رغم حداثة عهد القيّمين عليه بالسياسة ولعناتها، وبدأ يفرض نفسه كلاعب حقيقي في الأزمات والتسويات وبدأت الحسابات الدولية توليه عناية خاصة، وتجعل له ألف حساب في كل خطوة تخطوها، لكن الغرب (وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية) لم يغفر لهذا النظام مساهمته في إحداث فوضى على موائده المُذهّبة، فنشط نحو إضعافه وإكراهه على السير فيما لا يُحب، وخصوصاً في المجالات الاقتصادية التي ارتجى منها أن تُحدث ضغوطات عمودية قد تُؤدي في المستقبل إلى جعله حسيراً يزحف نحو حتفه المحتوم. ومضت الأمور هكذا، إلا أن النتيجة كانت أن الغرب لم يستطع أن يُهلِك الثورة ونظامها كما أن الثورة لم تستطع أن تُلغي أو تقضي على الشيطان الأكبر، لكنه وبحسابات المنطق والقياس فإن اصطفافاً بالحجم الذي تمثّل في الولايات المتحدة وحلفائها ضد بلد أوحد وبنتيجة كالتي رأيناها يُعتبر مسألة فيها نظر.
الآن وفي ذكرى انتصار الثورة هذا العام يبدو أن الحديث الأهم الذي يُمكن تناوله هو الإجابة على سؤال مدى قدرة إيران على تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تولّدت بفعل الحصار والتشريعات البرلمانية الأميركية ضدها، وهي حرب شرسة وإن كانت من نوع آخر.
النفط
بعد انتصار الثورة الإسلامية واندلاع الحرب العراقية الإيرانية تعرضت الصناعة النفطية لأضرار فادحة وبالتحديد مصافي النفط في عبادان ومحافظة خوزستان حيث أدى ذلك إلى تراجع في إنتاج النفط ليصل إلى مليون برميل يومياً بعد أن كان معدل الإنتاج العام 1978 ستة ملايين برميل يومياً، الأمر الذي أدى إلى ضغوطات هائلة على الاقتصاد الإيراني، الذي كان يُدار بصـورة مركزية وصارمة.
وبعد انتهاء الحرب ووصول حكومة البناء برئاسة هاشمي رفسنجاني في العام 1989 ارتفع إنتاج النفط إلى مستوى يُراوح بين 3,5 و 4 ملايين برميل في اليوم. ثم سعت الحكومة في الجانب الآخر إلى تنمية تكرير النفط والبتروكيماويات، فتراجعت حاجة البلاد من استيراد المنتجات النفطية المصفاة من مليار دولار إلى 300 مليون دولار، وارتفع الإنتاج البرتوكيماوي إلى 13,1 مليون طن في السنة، إلا أن ذلك التطور لم يمنع أن تواجه طهران تحدياً حقيقياً يتعلق بمنسوب حضورها كمنتج قوي في السوق العالمية، لذلك فإن إيران ومنذ العالم 1995 أي قبل عام ونصف العام من انتهاء ولاية رفسنجاني قامت بتوقيع عدة اتفاقات استثمار مع شركات أوروبية وفق سياسة البيع المتبادل، فتعاقدت مع شركة توتال الفرنسية لتوسيع مصادر النفط في الجرف القاري في سيري، واثني عشر مشروعاً في الجرف ذاته، وغيرها من العقود الداخلة ضمن خطة تنشيط حركة الاستثمارات النفطية.
إن إيران تُدرك جيداً أن التسويات الجارية في بحر الخزر وانخفاض أهمية حقول النفط في بحر الشمال وروسيا وأميركا ومن ثم أهمية أنابيب الغاز إلى الهند عبر باكستان والعقد الضخم مع الصين ستوفر لها فرصاً سانحة لأن تجني منها أموالاً فلكية نتيجة ذلك، وهو ما يجعل موضوع الاهتمام بالمسألة النفطية أمراً بالغ الأهمية، كما أن اختصاصها بهذا الحقل أو ذاك لا يُثير أي انعكاس قِيَمِي خاص أو نقيضه. إن عوائد النفط من شأنها أن تساعد بالسبل المختلفة في زيادة المرونة الهيكلية في الاقتصاد عبر التقليل من شدة القيود الناجمة عن المآزق، وإتاحة بلوغ نسبة تنموية عامة أعلى في الأمد القصير، لأن موارد النفط من شأنها أن تُزيل الآثار المترتبة على الاضطرابات المؤقتة كقلة المواد الغذائية التي قد تحصل نتيجة الإصلاحات الزراعية .
الصناعة
شاءت الأقدار أن تصبح إيران ضمن الحزام المنجمي لمعادن النحاس والكروميت والرصاص والزنك باحتياطي يبلغ 23 مليار طن، الأمر الذي مكّنها من أن تُصبح طرفاً مهمّاً للصناعات المعدنية والبتروكيماوية التي قد تُنافس الصناعات النفطية. وقد أشارت الدراسات إلى أن احتياطات إيران من الفحم الحجري هي بمقدار 2 مليار طن، وحجر الجير 4 مليارات و700 مليون طن، وحجر النحاس 2 مليار و600 مليون طن والرصاص والزنك 100 مليون طن والفلاسبات البوتاسيوم مليون طن والتيتانيوم 2 مليون طن والسليكا 2 مليون طن والأسيستوس 2 مليون طن والكروميت 8,5 ملايين طن وحجر الجص 2 مليار و400 مليون طن وأحجار البناء 3 مليارات و700 مليون طن.
وخلال المؤتمر الدولي الأول عن الاستثمارات في مشروعات المناجم والمعادن في إيران في العام 1999 تمّ تقديم بيانات لأكثر من 100 مشروع للمواد المعدنية والصناعية و15 مشروعاً للتنقيب بقيمة استثمارية تناهز الـ 10 مليارات دولار. في تقرير الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية الصادر في العام 2001 عن مركز الدراسات في الأهرام، أشار ضمن إشاراته إلى استنتاجين فيما يتعلق بموضوع التنمية.
الأول: أن تكون الأولوية لقوى التخطيط لا لأولوية السوق في الدول النامية،
والثاني: أن درجة قابلية المجتمع للتخطيط تزداد بمقدار ما تقل درجة انفتاح الاقتصاد في الدول النامية على الاقتصاد العالمي، فالدول الغربية حاولت تنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية ووضع أسس وقواعد النظام الاقتصادي العالمي الجديد لما بعد الحرب العالمية الثانية قبل انتهائها وكانت المنطلقات والدوافع تنصب لما فيه خدمة أهداف التطور الرأس مالي التي تقوم على ثلاثة أسس:
ضمان استقرار أسعار الصرف وحرية تحويل العُملات .
حرية انتقال رؤوس الأموال وتوفير مناخ مناسب للاستثمار العالمي .
ضمان حرية التجارة الدولية.
وفي ذلك بدأ الإيرانيون في خطوات اقتصادية مُركزة لكنها موازية للتركيبة الصناعية في الداخل والخارج ولاحتياجات السوق وبالخصوص فيما يتعلق بالسدود الخرسانية والترابية التي بلغت 157 سداً (84 سداً قيد الإنشاء) حتى بلغت إيران البلد الثالث بعد تركيا والصين في بناء السدود عالمياً، وازداد معدل الاستثمار إلى 31 في المئة بمشروعات خارجية تجاوزت 159 مشروعاً، وهي كلها موائمات تمهيدية لدخول إيران في منظمة التجارة العالمية.
إيران ومنظمة التجارة العالمية
بعد الإعلان عن تأسيس منظمة التجارة العالمية في 15 أبريل/ نيسان 1994 بدأت ثقافة إزالة الحواجز من أمام التبادل التجاري العالمي، وهو ما يعني انحسار مساحة التنافس المحكوم، وصيرورة البطون الاقتصادية الرخوة عرضة للغزو المتوحش أمام غول الرأس مالية التي تتحكم في 87 في المئة من واردات العالم و94 في المئة من صادراته.
إيران بدورها ترغب في الانضمام إلى المنظمة وهي من ضمن 32 دولة تنتظر عضويتها وعليها في سبيل ذلك أن تُقدّم تنازلات للتعريفات الجمركية، والتزامات في الخدمات وباتفاقات المنظمة، وعلى رغم أن الانضمام إلى المنظمة لا يشترط التطبيع التجاري بين أعضائها، وذلك استنادا إلى الاستثناء المذكور في المادة 13 من اتفاق مراكش لتأسيس منظمة التجارة العالمية إلاّ أن طهران ستجد نفسها مضطرة لأن تُحدِث تسويات من نوع ما مع وسطاء اقتصاديين من الوزن الثقيل لإعادة النظر فيما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من جهود لتوريط إيران في مستنقعات الحصار والتضييق.
إيران الطامحة لدخول هذا العالم الجديد تقدمت بطلب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية في العام ،1996 وطلبها لم يُنظر بأمره إلاّ في مايو/ أيار 2001 نظرا إلى القيام واشنطن بتعطيل ذلك في 22 اجتماعاً عاماً للمنظمة، ومنذ قيام طهران بإعلان رغبتها في الانضمام إلى الجات قامت الحكومات الإيرانية المتعاقبة على إجراء تكيفات اقتصادية تمهيداً لتسوية الكثير من الالتزامات التي تفرضها المنظمة، فسعت إلى خصخصة الصناعات الرئيسية في البلاد بما فيها الاتصالات والسكك الحديد والتبغ والتعويم المحدود للعملة وخصخصة 2400 مؤسسة، بالإضافة إلى إنشاء مناطق اقتصادية حرة في أنحاء متفرقة من إيران.
بطبيعة الحال فإن وصول المحافظين التعميريين إلى الحُكم في إيران برئاسة أحمدي نجاد سيتحتّم عليهم إيجاد مسارات اقتصادية جيدة تُحقق لهم سلامة القطاع المالي والبنكي في إيران لمقاومة الأزمات الطارئة قبل أن تبت منظمة التجارة العالمية في موضوع انضمام إيران إليها، على رغم أن إيران قطعت شوطاً كبيراً في إقامة تحالفات اقتصادية مع دول مهمّة في القارة العجوز، وبالذات اهتمامها بمجموعة شانغهاي على اعتبار أن عضويتها في هذا التكتل سيعطيها فرصة السيطرة على المحور الشمالي الجنوبي الذي يمر من خلال أراضيها ويُعَد من أهم نقاط الترانزيت لنقل السلع الآسيوية عبر البحر إلى أوروبا وهو الطريق الذي يمتد من إيران جنوباً عند ميناء بندر عباس إلى موانئها في الشمال عند بحر قزوين حتى روسيا ليصل موانئ اسكانديناوا ومن ثم موانئ شمال أوروبا، وبالتالي فإن الإيرانيين عليهم الدخول بلائحة نظام تجاري خارجي يُقنع جماعة العمل المفاوضة. إن البرامج الاقتصادية التي قدّمها نجاد خلال جلسة البرلمان الأخيرة قد تعطي الأمل أكثر في قدرة إيران على تجاوز بعض المحاذير فيما يتعلق بمستويات الدخل، من دون المساس بالخطط بعيدة الأمد أو باحتياطي البنك المركزي من العُملة الصعبة .
التعليقات (0)