لم أجِد تشريحاً لشخصية النائب وليد جُنبلاط أبلغ مما قاله وزير الداخلية اللبنانية السابق سليمان فرنجية عندما " وليد بيك هو أشبه بالصندوق المملوء بالألعاب ومُجسّمات الحيوانات .. تستطيع أن تستخرج منه ما تريد .. وجه أرنب أو وجه دب أو حتى ضفدع " الوصف وإن بدا فكاهياً إلاّ أنه مُلائمٌ جداً لحركة جنبلاط السياسية والإعلامية، فالأخير كفصول السنة المتغيّرة لا يلجأ إلى ركنٍ وثيق لا في مبادئه ولا في تحالفاته،
سابقاً كان حليفاً قوياً لدمشق التي مكّنته في وزارة المهجّرين اللبنانية طيلة عشر سنوات بموازنة تفوق المليارين ونصف المليار دولار ودعمته لنيل العديد من الوزارات في محطات مختلفة، ثم انقلب عليها وكأنه غريم قديم، واصفاً وجودها في لبنان بأنه احتلالاً، ثم عارض غزو العراق واحتلاله مُعتبراً ذلك عودة لثقافة الاستعمار في عالمنا العربي، إلاّ أنه فاجأ الجميع عندما أكّد للصحفي ديفيد اغناسيوس من الواشنطن بوست بأنه "إذا كان بوش يَعتَبِر لبنان أحد إنجازاته الكبرى، فالآن حان الوقت لحمايته " وحين سأله الصحفي عما يريده من الولايات المتحدة الأمريكية أجاب " لقد أتيتم إلى العراق باسم حكم الأكثرية، لذا فإن بإمكانكم فعل الشيء ذاته في سوريا " ثم زار طهران مُقدماً لها الشكر على دعمها للمقاومة وتحرير الجنوب اللبناني إلاّ أنه عاد واتهمها باتخاذها لبنان ساحة لمناجزة غُرمائها الأمريكان والإسرائيليين قائلاً " بأننا لا نريد أن نكون هنا متراساً للمفاعل النووي الإيراني " وكان حليفاً قوياً لحزب الله حتى قال أنه في حمايته ما دامت حياته في خطر، ثم عاد وانقلب عليه في أحلك ظرف يمر به الحزب قائلاً بأن حزب الله " يُبقِى مزارع شبعا من أجل المزايدة باسم القومية، وباسم النضال ضد الصهيونية " وعليهم أن يُبتوا ولائهم لمن ؟!!
بل ذهب أكثر من ذلك عندما عارض الحوار الجاري بين سعد الحريري والسنيورة من جهة ووفد من حزب الله في مدينة جدة السعودية، ثم بدأ بإطلاق حربه الإعلامية التحريضية على الفلسطينيين في المخيمات بلبنان، ماخِراً كراية حرب في معارك الآخرين ضدهم في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به أوضاع الفلسطينيين في الشتات، وهو يعلم أنه وخلال معارك الجبل إبان الحرب الأهلية اللبنانية دافع الفلسطينيون عنه بألف شهيد من خيرة أبنائهم وبالذات قيادتا أحمد جبريل وفتح الانتفاضة، ثم تكلّم بشكل ممل عن الاغتيالات وضرورة محاكمة القتلة والمجرمين، ونسى ما فعله بالعائلات المسيحية التي ذُبِحَت في قرى الجبل، ومقتل حبيب كيروز وناظم قادري، والملازم محمود الشامي وكتيبته .
الغريب أيضاً أن جنبلاط بدأ في رفع شعارات الوحدة الوطنية ومغازلة سمير جعجع وميشال عون اللذان قاتلهما بحد السيف، ونحن نعلم أن هذه الرسائل لا تعدوا كونها جولة من جولاته المتعددة، خصوصاً وأن العمل بالقضاء كدائرة انتخابية، سوف تجعله مُضطراً لحسابات بينية مع قوى أخرى، أهمها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وهو بالتالي يودّ أن يكون شريكاً صعباً يريد أن يحصل على كل شيء ولا يترك لشركائه بعده كثيراً أو قليلاً، إن جنبلاط ومعه الأكثرية من تيار المستقبل تحكم لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً منذ سيطرتهم على المجلس النيابي، إلاّ أنهم لا زالوا يتحدثون بلغة إعلامية وسياسية ضد سوريا وكأنها لا زالت في لبنان، والحقيقة أن سوريا ليست في لبنان، بل المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والموساد هم المتواجدين في لبنان، بل إن حتى حلفاء سوريا في لبنان إمّا لازمي الصمت أو أنهم يتحركون بحذر جرّاء الظروف الصعبة التي يمرون بها، جنبلاط الذي لا يبرح المختارة خوفاً على حياته، لم يعد قادراً على كسب التأييد من أحد حتى من حلفائه،
بل وحتى من طائفته الدرزية، وقد اعتبره جبران تويني قبل اغتياله بأنه خطر على تحالف 14 آذار نظراً لجره الأمور إلى حيث يريد ومن دون قراءة واقعية لما يجري، والأمريكيون كذلك لم يعودوا واثقين به إلى الحد الذي يريد، بل إنهم فضلوا مار نصر الله صفير عليه باستقبالهم إياه في البيت الأبيض، وهو ما يعني أن الرجل سيبقى في ضباب السلطة خديجاً، وخطابه كصوت سوق الصفّارين ملّ منه الجميع .
التعليقات (0)