بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الهداة الميامين المعصومين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أيها الأحبة في الله, حديثي معكم في هذا اللقاء المبارك بعنوان "الانتظار ومسؤوليات النهوض في عصر الغيبة"
الانتظار..العنوان الكبير الذي يختزل كل طموحات الإنسان على هذه الأرض، الإنسان المشدود إلى يوم الخلاص..
الخلاص من أنظمة الاستكبار والهيمنة والاستعلاء
الخلاص من سياسات الإذلال والقهر والظلم والاستعباد..
الخلاص من نزوات المتربعين على عروش البطش والفتك والسفك والقتل..
الخلاص من هواجس الرعب والخوف والحرب والدمار..
الخلاص من عالم البؤس والعناء والشقاء والمحن والفتن..
فلن يبقى الإنسان على هذه الأرض بلا هوية، بلا كرامة، بل عزه، بلا حرية، بلا أمن، بلا سلام..
لن يبقى الإنسان على هذه الأرض إلى ما لا نهاية يلهث ويلهث وراء السراب الكاذب، ووراء شعارات الزيف والدجل والخداع..
لن يبقى الإنسان على هذه الأرض إلى ما لا نهاية ضحية التضليل والمؤامرات والمساومات وألاعيب السياسات الفاسدة..
لن يبقى الإنسان على هذه الأرض إلى ما لا نهاية أسير الأيديولوجيات والنظريات الكافرة الضالة التائهة الضائعة الفاسقة الهابطة....وأسير القوانين والأنظمة الجائرة الزائفة الفاشلة..
إن عذابات الإنسان على هذه الأرض لا بد لها من نهاية..
فلن تبقى الأرض في قبضة الطغاة والجبابرة والمستكبرين.. الوراثة النهائية لهذه الأرض التي يعيش عليها الإنسان هي (لعباد الله الصالحين) وليس للأشرار والفجار، وليس للعصاة والمنحرفين، وليس للطغاة والمستكبرين، وليس للكفار والضالين..
• "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"
قيادة هذا العالم في نهاية الشوط هي للمؤمنين المستضعفين "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين"
النصر في النهاية لدين الله، للإسلام..
"ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"
كل الديانات، كل النظريات، كل الأيديولوجيات كل الاطروحات تسقط في النهاية ويبقى دين الله القويم، ويبقى الإسلام الحق.
متى يأتي يوم الخلاص لكل الأرض، لكل الإنسان لكل الحياة، لكل الدنيا..
ذلك يوم يأتي النداء من السماء "ظهر قائم آل محمد" صلى الله عليه وآله
ومهما طال الزمن, ومهما اشتدت المحن, ومهما ضاقت الأرض على المؤمنين فيوم الخلاص آت، ذلك وعد غير مكذوب، انهم يرونه بعيدا ونراه قريباً.
انه قول الصادق المصدق صلى الله عليه وآله وسلم: " لو لم يبق من الدينا إلا يوم واحد لطول ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ أسمه أسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, كما ملئت ظلماً وجوراً"
وقوله صلى الله عليه وآله:
"لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي(او من أهل بيتي) يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا"
وقوله صلى الله عليه وآله :
" أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض"
وقوله صلى الله عليه وآله:
" المهدي منا أهل البيت.. من ولد فاطمة"
نعم... انه المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يصلي خلفه المسيح عيسى بن مريم .
• جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله:
" فإذا كان يوم الجمعة من صلاة الغداة وقد أقيمت الصلاة، فالتفت المهدي فإذا هو عيسى بن مريم وقد نزل السماء في ثوبين كأنما يقطر من رأسه الماء، فيقول له الأمام : تقدم وصل بالناس، فيقول له عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيسى خلفه"
• واخرج ابن ماجه والروياني وابن خزيمة وأبو عوانه والحاكم وأبو نعيم- وجميعهم من أئمة الحديث- عن أبى أمامة- وذكر حديثاً جاء فيه-:
"وإمامهم المهدي رجل صالح، فبينما إمامهم تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عيسى بن مريم فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم"
• وروي السدي: "يجتمع المهدي وعيسى بن مريم في وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسى: تقدم,
فيقول عيسى: انت أولى بالصلاة, فيصلي عيسى وراءه مأمونا..."
• أما البخاري فقد ذكر الحديث في صحيحه بإسناده الموصول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله على النحو التالي:
"كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"
وقد أجمع شراح البخاري أن لفظة "إمامكم" الواردة في الحديث المقصود بها(الإمام المهدي) ومما يؤكد هذا أن الحديث جاء في مصادر أخري بصيغة "وإمامكم المهدي منكم"
• أما مسلم فقد جاء في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة - قال- فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأرض"
وهنا أيضا قال شراح مسلم أن لفظة "أميرهم" الواردة في الحديث يقصد بها "الإمام المهدي".
وهكذا – ومن خلال هذه النصوص والأحاديث- تشكل "الوعي الانتظاري" عند المسلمين، وتكونت رؤيتين لهذا الانتظار:
1. رؤية تتعاطى مع الانتظار ضمن فهم يؤمن بوجود الإمام الحي الغائب، كما هي الرؤية الشيعية..
2. ورؤية أخرى تتعاطى مع الانتظار ضمن فهم يؤمن بإمام لا زال في رحم الغيب، كما هي الرؤية الغالب عند المذاهب الأخرى ..
وتواجه الانتظار- وخاصة وفق الرؤية الشيعية- مجموعة إشكاليات، تصدى للإجابة عنها العلماء والباحثون والدارسون لمسألة الإمام المهدي المنتظر..
نعرض هنا إلى واحدة من هذه الإشكاليات انطلاقا من العنوان الذي طرحناه في بداية الحديث، هذه الإشكالية تقول: إن الانتظار انتج في الواقع الشيعي مجموعة معطيات خطيرة:
• تحريم النهوض السياسي في عصر الغيبة.
• تجميد حركة الإصلاح الاجتماعي.
• إلغاء مشروع الدولة الإسلامية.
• تعطيل مبدأ الجهاد.
• هيمنة ذهنية التقية على كل الواقع الشيعي.
• ومعطيات أخرى سلبية.
طبعا، لا يتسع الوقت هنا، ولا تسمح لغة الاحتفالات أن نعالج هذه الإشكالية معالجة علمية متأنية، وذلك متروك للدراسات التخصصية في هذا المجال وضمن ما تسمح به أجواء هذه اللقاءات أحاول أن أضع ملاحظات عامة حول هذه الإشكالية وأملي أن تتحملوا العناء بعض الوقت:
الملاحظة الأولى: إن اتهام الواقع الشيعي بأنه مأسور طوال التاريخ لحالات الركود السياسي والجهادي, دعوى باطلة فقد شهد هذا الواقع – وفي فترات متعددة من تاريخه –حضوراً سياسياً واجتماعياً وجهادياً واضحاً وخير دليل ما يسجله التاريخ المعاصر من إنطلاقات سياسية وثورية وجهادية لأبناء هذا الخط مما جعلهم مستهدفين من قبل أنظمة السياسة والحكم في العالم تحت مختلف الذرائع والعناوين وشتى المبررات.
الملاحظة الثانية: إن الانتظار – في صيغته الواعية – كان له الدور الكبير في تعبئة أبناء هذا الخط سياسياً وثورياً وجهادياً , وفي هذا تزييف لكل المقولات التي تتهم (الانتظار) بأنه ينتج "الغيبوبة السياسية" و"الشلل الثوري" و"العطل الجهادي" و"الخمود الاجتماعي".
إن حالات "النهوض السياسي والاجتماعي والحركي والجهادي" في الواقع الشيعي هي بعض نتاجات "الانتظار" في صياغاته الأصيلة, وإذا كانت الرؤية المغلوطة للانتظار قد أنتجت الكثير من المفاهيم الخاطئة في الواقع الشيعي, فلا يمكن اعتماد هذا أساساً لاتهام عقيدة الانتظار وتحميلها مسؤولية تلك النتائج السلبية . فالأفكار لا يصح " تقويمها ومحاسبتها" من خلال " الرؤى الخاطئة" أو من خلال " التطبيقات الخاطئة " والتي قد تسيء إلى الأفكار ذاتها , فمن الخطأ المنهجي أن نستدل على فساد الفكر وبطلانها من خلال الفهم أو التطبيق الخاطئين .
فهؤلاء الذين استدلوا على بطلان "عقيدة الانتظار" من خلال بعض المعطيات التي أنتجتها الرؤية المغلوطة للانتظار أو التعاطي الخاطئ مع الانتظار وقعوا في مفارقة منهجية واضحة, والإ فهل يصح لهؤلاء أن يحكموا على الكثير من "المسلمات الدينية والإنسانية" " بالبطلان لمجرد أن هناك عدداً من الناس أساءوا التطبيق بالنسبة لهذه " المسلمات" ؟!
الملاحظة الثالثة: قد يقال : إن المسألة ليست (فهماً خاطئاً أو تطبيقاً خاطئاً ) وإنما هي " الروايات والأحاديث" الواردة عن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام قد صاغت هذا " الفهم السلبي للانتظار" حيث أكدت هذه الروايات والأحاديث على وجوب الركون والسكون وحرمة القيام والنهوض في عصر الغيبة , وقد تشكلت في ضوء هذه النصوص" رؤية فقهية" تتجه إلى " حرمة العمل السياسي والثوري والجهادي" مادام الإمام غائباً .
ومن هذه الروايات التي اعتمدت في إنتاج هذه الرؤية هذين النموذجين من الروايات:
أختار هذين النموذجيين من الروايات وهي الأوضح على المدعى:
النموذج الأول: ما جاء في الوسائل عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : " كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله"
وإذا تجاوزنا الحالة السندية لهذه الرواية حيث لم أتوفر على دراستها في هذه العجالة , فلنفترض صحته الرواية.
نلاحظ على محاولة اعتماد هذه الرواية :
أولاً: إن مفاد هذا النص وأمثاله هو التحذير من "رايات الضلال" والتي تحاول أن تصادر المواقع القيادية الحقه, وهذا واضح من لسان مجموعة روايات أوردها الطوسي في غيبته (267 ) والحر العاملي في وسائله (43:11).
ثانياً: لقد ثبت تاريخياً أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانت لهم مواقف إيجابية من بعض ثورات العلويين كما حدث بالنسبة لثورة زيد بن علي, وثورة الحسين صاحب فخ .
• جاء في الوسائل (36:11) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تقولوا خرج زيد , فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً , ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله) ولو ظهر لوفى بما دعا إليه).
• وفي رواية أخرى ذكرها صاحب البحار(171:46) عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : " مضى والله زيد عمي وأصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه".
• وفي رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال في الحسين صاحب فخ وأصحابه:" عند الله احتسبكم من عصبة".
ثالثاً: دونت مصادر الحديث مجموعة روايات تتحدث عن ظهور "رايات هدى" قبل قيام الإمام المهدي أرواحنا فداه, كما نقرأ عن " الموطئين " و" الممهدين" لدولة الإمام المنتظر عليه السلام .
رابعاً : من المحتمل جداً أن تكون هذه الأحاديث الناهية عن التحرك والنهوض – إن اعتمدنا هذا الفهم – صادرة في ظروف استثنائية – ظروف التقية – فالأجواء السياسية الضاغطة حول الأئمة عليهم السلام قد تفرض عليهم أحياناً أن يمارسوا إجراءات وقائية من أجل حماية " دور الإمامة" في واقع الأمة.
خامساً : هذه الروايات الناهية – لو صحت- معارضة بروايات أكثر عدداً , وأوضح دلالة تحث على النهوض والتصدي- متى توفرت الشروط الموضوعية طبقاً.
سادساً: لو سلمنا بصحة هذه الروايات المانعة سنداً, وبوضوح دلالتها متناً , وبسلامتها من المعارض وأمكن إلغاء كل خصوصياتها – الموضوعية والزمانية – فإننا نرد علمها إلى أهلها عليهم السلام , ولا يمكن أن نعتمدها لأنها تتنافى مع ثوابت إسلامية عامة غير قابلة للتخصيص من قبل:
• ضرورة العمل من أجل تطبيق الشريعة.
• ضرورة مواجهة الظلم والفساد والانحراف على جميع المستويات.
• حرمة الركون للظالمين.
• مسؤولية الدعوة إلى الله , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإن كان لهذه العناوين" شروطها وضوابطها الشرعية".
النموذج الثاني:
ما جاء في الوسائل (36:11) عن علي بن الحسين عليه السلام قال :( والله لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به).
وبهذا المضمون رواية عن محمد بن علي الباقر عليه السلام تقول:" ومثل من خرج من أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار ووقع من وكره فتلاعبت به الصبيان" – عيبة النعماني 105-
هاتان الروايتان- لو افترضنا سلامتهما من الناحية السندية – فلنا حول الاستدلال بهما عدة ملاحظات:
(1) إن الروايتين تتحدثان على دائرة خاصة للتصدي – دائرة الأئمة من أهل البيت – بقرينة القيد " منا" أو " من أهل البيت" فإعطاؤها امتدادا يتجاوز هذه الدائرة أمر لا تسمح به هذه لسان الروايات, والأئمة فيما هو موقعهم الفكري والروحي والقيادي لهم خصوصياتهم في شكل الحركة والمواجهة والتصدي وربما كان هذا النمط من الروايات تشكل "إجابات" صادرة عن الأئمة (4) في الرد على بعض " الرؤى المرتجلة" التي تحاول أن تضغط على الأئمة في اتجاه التصدي والمواجهة والنهوض.
(2) هذا النمط من الروايات يعالج (واقعاً موضوعياً) فيما هي النتائج المترتبة على ( التحرك السياسي). وليست في صدر الحديث عن "المشروعية أو عدمها" وبالتالي فهذه الروايات تحاول أن تؤصل "وعياً سياسياً" للتحرك والتصدي والذي يفرض التوفر على مجموعة"الشروط الموضوعية" لنجاح الممارسة السياسية أو الممارسة الثورية , حتى لا تصاب هذه الممارسة بالفشل والإخفاق والاكتواء بكل النتائج الصعبة كما هو الطير – الفرخ- الذي لم ينبت له الريش إذا حاول الطيران بعيداً عن وكره فإن مصيره السقوط والعبث بأيدي الصبيان .
(3) الروايتان المذكورتان صادرتان – إن صحتا- عن الإمامين السجاد والباقر عليهما السلام , فلو كان مفادهما النهي عن النهوض والتحرك والتصدي لما جاز لشخصيتين كبيرتين من أمثال ( زيد بن علي بن الحسين)و( الحسين بن علي بن الحسن صاحب فخ) – وهما محل ثناء الأئمة – أن يثورا ويتحركا في مرحلة متأخرة عن صدور النصيين السابقين .
ومن المعلوم أن وفاة الإمام السجاد كانت ( سنة 95هـ ) ووفاة الإمام الباقر كانت (سنة 114هـ) بينما ثورة زيد بن علي كانت في (سنة 122 هـ) في عصر الأمويين وثورة الحسين صاحب فخ كانت في (سنة 165هـ) في عصر العباسيين وقد سبق القول أن الأئمة (4) كان موقفهم إيجابياً من هاتيين الثورتين.
التعليقات (0)