شارك هذا الموضوع

زواج المتعة

لا خلاف بين  فقهاء الامامية في مشروعية الزواج المؤقت أو زواج المتعة ، بل هو مما تسالم عليه الاصحاب رضوان الله تعالى عنهم ، وبه نطق الكتاب الكريم وتواترت الروايات في بيان جوازها بل استحبابها اما في القرآن الكريم فيكفي في بيان جواز هذا الزواج قوله تعالى في سورة النساء  ((  فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ))


أما في السنة الشريفة فان الكثير من الروايات دالة على جوازه واستحبابه ، فمنها :


1 – صحيحة زرارة ، قال : جاء عبد الله بن عمير إلى أبي جعفر عليه السلام فقال : ما تقول في متعة النساء ؟ فقال أحلها الله في كتابه وعلى سنة نبيه فهي حلال الى يوم القيامة .


2 – عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال : سمعت ابا حنيفة يسأل ابا عبد الله عليه السلام عن المتعة ؟ فقال عن اي المتعتين تسال ؟ قال سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء أحق هي ؟ قال سبحان الله أما تقرأكتاب الله  ((  فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ))  فقال ابو حنيفة والله لكأنها آية لم أقرأها قط .


وغيرها كثير من الروايات الدالة على الجواز .
فالشارع الاسلامي اهتم بمسألة الجنس وقننها وفق قوانين لو طبقت وروعيت لأصبح المجتمع الاسلامي بعيدا عن المفاسد الاخلاقية ، فالجنس غريزة  مغروزة في فطرة الانسان لا يستطيع ان يتنكر لها فالنفس والبدن محتاج الى هذه الغريزة فلهذا أمر الشارع باشباعها استجابة للفطرة ولكن وفق تقنين خاص وإلا لو اطلق لها العنان لأنتجت الآثار الخطيرة في المجتمع وانتجت آثارا هدامة للتدين الفردي ولهذا نفهم من قوله صلى الله عليه وآله (( من تزوج احرز نصف دينه ))  نفهم ان لمسالة الجنس دور في تثبيت التدين عند الانسان والا لقال احرز شهوته او رغبته ، فان انطلاق الرغبة الجنسية بدون  رقيب وقانون عامل مساعد على حرف الحالة الدينية الى حالة غريزية لا تعرف معنى الدين توجد انحرافا سلوكيا ولا اخلاقيا في المجتمع يصبح متبع الشهوة الجنسية كالعبد لها ولهذا استغل الاستعمار المجتمعات بواسطة الجنس فاصبح الناس والمجتمع عبيدا للمستعمر .


فالاسلام شرع لنا طرقا تجعل من مسألة الجنس حالة مرغوب فيها ولكن ضبط قوانين وأحكام خاصة .


ولهذا شرع الزواج الدائم والمنقطع (( المتعة )) ولكن السؤال المهم هو : ما هو الاهم الزواج الدائم ام زواج المتعة ؟ وهل ان زواج المتعة مطلقا وفي كل حال مرغوب ومحبوب لدى الشارع  أم لا ؟ 


هذه اسئلة مهمة لا بد من الاجابة عليها حتى نعلم بان الاستهتار والالحاح على زواج المتعة هل هو مستحب او مرغوب فيه  حتى لو لم يكن المتمتع محتاجا اليه ام لا ؟ فنقول :


• إن الاسلام قد جعل من الزواج الدائم مشروعا اساسيا وابتدائيا لبناء المجتمع ، ولم يجعل المنقطع كذلك ، فالزواج الدائم هو الأساس لبناء المجتمع ونفهم ذلك من قوله صلى الله عليه وآله (( ما من شيء أحب الى الله عزوجل من بيت يعمر بالنكاح )) فالزواج الدائم هو الذي من شأنه أن يكون لبنة اساسية لتكوين المجتمع بتكون الاسر ، أما المتعة فليس من شأنها ان تكون مشروعا بنائيا بل اغلب الذين يتزوجون بالمنقطع لا يرغبون في التوالد وانما يطمحون لسد رغبة جامحة او رغبة يلتذون بها ونادرا ما يكوون الزواج المنقطع هدفه تكوين اسرة . والروايات التي تحض على الزواج المتبادر منها ترغيب الناس في الزواج الدائم لا المنقطع  بل هناك  روايات تجعل من المتعة حالة ثانوية مترتبة على عدم القدرة على الزواج الدائم.


• إن الحكم في الشريعة الاسلامية تارة يسمى حكما اوليا  واخرى يسمى حكما ثانويا ، بمعنى ان الحكم إذا ثبت لموضوع إبتداءا كوجوب الوضوء بالماء من دون ان نلتفت الى ما يمكن ان يطرء عليه من عوارض قد تبدل الحكم يسمى أوليا ، أي انصب هذا الحكم على هذا الموضوع من أول الشيء . أما الحكم الثانوي فهو الحكم الثابت لموضوعه لا إبتداءً ولا من اول الشيء كما عبرنا وإنما ثبت له بسبب طروء بعض العوارض على هذا الموضوع فاقتضى المقام ابدال الحكم الاولي إلى حكم آخر وهو الثانوي بما يتناسب معه ، كالوضوء فان الحكم الاولي مثلا هو وجوب الوضوء بالماء  اما اذا عرض عارض ووجد سبب كتضرر الجسم بالماء فيكون الوضوء بالماء ليس واجبا بل قد يكون محرما اذا كان الضرر محرما . 


اذا الحكم يتبدل من حالته الاولية الى حالة اخرى بسبب العوارض والطوارء الطارئة على الموضوع  بل ان للزمان والمكان دور في تبد الحكم  من حالة الى أخرى . فالزواج المنقطع وان كان مباحا ومستحبا من حيث الحكم الاولي لكنه قد يتحول الى مكروه او محرم وغير مرغوب فيه لدى الشارع اذا لازمه عارض من العوارض . فبالرغم من ان زواج المتعة ثابت بالكتاب والسنة إلا انه قد يكون في حالة ما غير مرغوب فيه ، خاصة انه لم يحدثنا التاريخ بان ائمتنا قد اكثروا منه بل ربما لم يمارسوه  بل ان الائمة لا يرغبون في ممارسة هذا الزواج لهم ولنسائم  وهو منبه على انه قد يكون لافراد معيين  لظرف ما غير مناسب  وهذا فهمناه من مقطع من رواية عن زرارة قال  :


فأقبل عبد الله بن عمير فقال يسرك ان ناءك وبناتك  وأخواتك وبنات عمك يفعلن ؟ قال : فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه . وقد يقال انها لا تدل على ذلك ولكن بقرينة بعض الروايات نفهم ان المتعة غير مرغوب فيها اذا كان المتمتع غير محتاج لها وسوف نذكرها . فبعض الروايات تدل على ان الائمة غير محتاجين لهذا الزواج  ولا نريد ان نقول ان زواج المتعة غير مرغوب فيه مطلقا  وإنما نقول إن هذا النوع من الزواج شرع  من أجل اغراض وأسباب معينة ، ولم يشرع لكي يكون ألعوبة في كل وقت  .


• هناك روايات يمكن ان نستفيد منها كراهية المتعة عندما  يكون الانسان في غنى عنها او قد تكون سببا لاذية الزوجة ، فمنها
    
- صحيحة ابن يقطين  قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتعة ؟ فقال ما أنت وذاك قد اغناك الله عنها ، فقلت انمما اردت ان اعلمها فقال هي في كتاب علي عليه السلام  .هذه الرواية تدل على ان من اغناه الله بالزواج الدائم وزوجته تشبع حاجته الجنسية فلا مسوغ لزواج المتعة ما دام هو في غنى عنها .


- خبر الفتح بن يزيد قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتعة ؟ فقال هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة فان استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها . فهذه الرواية ايضا دالة على ان من تزوج فهو مستغن عن المتعة وان كان غير متزوج لعدم مقدرته والحاجة الجنسية تلح عليه فليتزوج متعة .


- عن المفضل قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المتعة دعوها أما يستحي أحدكم أن يرى في موضع العرة فيحمل ذلك على صالحي اخوانه واصحابه  .


يقصد الامام من قوله موضع العورة هو  ان يجده الناس في موضع يعيبونه فيه لكراهتم للمتعة فيكون سببا  لضضر على الاخوان والاصحاب  ، فكانه يقول انكم ان تماديتم واكثرتم من المتعة حتى صرتم معروفين بها يعبونكم   انتم واصحابكم  الذين يؤمنون  بجواز المتعة .


- وعن عمار قال : قال ابو عبد الله لي ولسليمان بن خالد قد حرمت عليكما المتعة من قبلي ما دمتما في المدينة لانكما تكثران الدخول علي وأخاف أن تؤخذا فيقال هؤلاء أصحاب جعفر . فلاكثار منهما في شان المتعة صار موجبا للنيل من المذهب وصاحب المذهب ولهذا منعهما من الدخول عليه حتى لا يطاله عيبهما .


- وفي خبر كتب أبو الحسن عليه السلام الى بعض مواليه لا تلحوا على المتعة ، إنما عليكم إقامة السنة فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنوننا . فالروايه واضحة الدلالة على ان الإلحاح على المتعة من رجل متزوج سبب لكفران الزوجة بأحقية بعض الاحكام ولو بجواز المتعة نفسها لما يدخل عليها من اذى وقد يطول الامر فتتطاول باللعن على المشرع بل وربما يكون سببا للتبري من الدين  .


اذا نفهم من هذه الروايات وغيرها ان المتعة مكروهة عندما يكون الانسان مستغنيا عنها بزوجة  ةننقل هذه الرواية ختاما للكلام وهي . :


عن هشام بن الحكم قال : إن الله تعالى أحل الفرج لعلل مقدرة العباد في القوة على المهر والقدرة على الامساك فقال : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) وقال : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) وقال :


( فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) فأحل الله الفرج لأهل القوة على قدر قوتهم على إعطاء المهر والقدرة على الامساك أربعة لمن قدر على ذلك ولمن دونه بثلاث واثنتين و واحدة ومن لم يقدر على واحدة تزوج ملك اليمين وإذا لم يقدر على إمساكها ولم يقدر على تزويج الحرة ولا على شراء المملوكة فقد أحل الله تزويج المتعة بأيسر ما يقدر عليه من المهر ولا لزوم نفقة وأغنى الله كل فريق منهم بما أعطاهم من القوة على إعطاء المهر والجدة في النفقة عن الامساك وعن الامساك عن الفجور وألا يؤتوا من قبل الله عز وجل في حسن المعونة وإعطاء القوة والدلالة على وجه الحلال لما أعطاهم ما يستعفون به عن الحرام فيما أعطاهم وأغناهم عن الحرام وبما أعطاهم وبين لهم فعند ذلك وضع عليهم الحدود من الضرب والرجم واللعان والفرقة ولو لم يغن الله كل فرقة منهم بما جعل لهم السبيل إلى وجوه الحلال لما وضع عليهم حدا من هذه الحدود فأما وجه التزويج الدائم ووجه ملك اليمين فهو بين واضح في أيدي الناس لكثرة معاملتهم به فيما بينهم وأما أمر المتعة فأمر غمض على كثير لعلة نهي من نهى عنه وتحريمه لها وإن كانت موجودة في التنزيل ومأثورة في السنة الجامعة لمن طلب علتها وأراد ذلك فصار تزويج المتعة حلالا للغني والفقير ليستويا في تحليل الفرج كما استويا في قضاء نسك الحج متعة الحج فما استيسر من الهدي للغني والفقير فدخل في هذا التفسير الغني لعلة الفقير وذلك أن الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة ليسع الغني والفقير وذلك لأنه غير جائز أن يفرض الفرائض على قدر مقادير القوم فلا يعرف قوة القوي من ضعف الضعيف ولكن وضعت على قوة أضعف الضعفاء . ثم رغب الاقويا فسارعوا في الخيرات بالنوافل بفضل القوة في الانفس والاموال والمتعة حلال للغني والفقير لأهل الجدة ممن له أربع وممن له ملك اليمين ما شاء كما هي حلال لمن يجد إلا بقدر مهر المتعة والمهر ما تراضيا عليه في حدود التزويج للغني والفقير .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع