شارك هذا الموضوع

الشيخ حسين آل عصفور الدرازي البحراني


بمناسبة 21 شوال ذكرى رحيله..
نبذة من سيرة الشيخ حسين آل عصفور الدرازي البحراني


نسبه:
الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد آل عصفور بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة الدرازي الشاخوري البحراني، وهو ابن أخي صاحب الحدائق، وأمّه بنت الشيخ سليمان الماحوزي المعروف بالشيخ حسين عصفور.

أقوال العلماء فيه:
1 ـ قال في ترجمته السيّد محسن الأمين في "أعيان الشيعة": "كان شيخ الإخبارية في عصره وعلامتهم، متبحّرًا في الفقه والحديث، طويل الباع كثير الاطّلاع، انتهت إليه الرياسة والتدريس واجتماع طلبة العلم عليه من تلك البلاد وبلاد القطيف والإحساء وغيرها".
2 ـ ويقول عنه صاحب أنوار البدرين (قده): "العلامة الفاضل الفهامة الكامل خاتمة الحفاظ والمحدّثين وبقية العلماء الراسخين الإخباريين الفقيه النبيه الشيخ حسين ابن العالم الأمجد الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد آل عصفور الدرازي البحراني، وهو المعني في (لؤلؤة البحرين) بحسين، كان رحمه الله تعالى من العلماء الربّانيين والفضلاء المتتبّعين والحفاظ الماهرين، من أجلة متأخّري المتأخّرين وأساطين المذهب والدين، وعده بعض العلماء الكبار من المجددين للمذهب على رأس ألف ومائتين...".
3 ـ قال عنه العلامة البحّاثة الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الكرام البررة: "كان من المصنفين المكثرين المتبحّرين في الفقه والأصول والحديث وغيرها".

علاقته بمولاه الحسين بن علي (عليهما السلام):
بينا أنا أبحث عن علامتنا المترجم له (رحمه الله تعالى رحمة الأبرار) لفتني ما ينقل عنه (قده) في علقته بأبي عبد الله الحسين الشهيد (عليه السلام) وحرصه الشديد على إقامة مصابه ومآتمه، فكما يروى عنه (قده) أنه كان مواظبًا على تعزية الحسين (عليه السلام) في بيته.
ولم تخلُ آثاره المباركة من التأليف فيما يخصّ الحسين بن علي (عليه السلام) وتعزيته، فقد ألّف كتابًا اشتمل على ثلاثين مجلسًا للشهر كله، وله كتاب "مريق الدموع في ليالي الأسبوع" في التعزية أيضًا، كما وله كتاب "الفوادح الحسينية والقوادح البينية" جزءان لتعازي عشر المحرم، وهو كتاب جليل كترتيب المنتخب.
وقد رأيت بعض المآتم والحسينيات عندنا هنا في البحرين في بعض القرى، تقرأ كتاب "الفوادح" للشيخ حسين العلامة قبل أن يصعد الخطيب المنبر، تبعًا للعادة الجارية في البلاد بدلاً من كتاب المنتخب للطريحي (قده). وله ديوان في رثاء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)".
ولعمري إن هذه السنّة الطيّبة في الارتباط بسيد الشهداء (صلوات الله عليه) هي ديدن جميع علمائنا ومراجعنا منذ القدم وإلى يومنا الحاضر، لم ينحرفوا عنها، ولم يقلّلوا من أهميتها يومًا، بل على العكس من ذلك تمامًا، فهم يشدّدون على ضرورة الاتّصال بكل ما يمتّ لعاشوراء وبطلها (عليه السلام) بصلة ورابط.
ألم يعلن الإمام الراحل (رض) في أكثر من حفل وعلى رؤوس الأشهاد كلمته النورانية الرائعة: "كل ما عندنا من عاشوراء"، وقد قال أيضًا: "إن هذه المنابر هي التي حفظت الإسلام أربعة عشر قرنًا".
ويخطر بذهني ما أوصى به آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي (أعلى الله مقامه) أبناءه بأن يضعوه ليلة وفاته في الحسينية بجوار المنبر، وأن يشدّوا طرفًا مـن عمامته بالمنبر والآخر بجثمانه حتى يكون دخيلاً على سيّد الشهداء (عليه السلام). كما وأوصى في وصيته لولده أن يدفن معه ثوبه الأسود الذي كان يلبسه في شهري محرم وصفر حزنًا على مصائب أهل البيت (عليهم السلام)، وأن يجعل على صدره في كفنه المنديل الذي كان يجفّف به دموعه في رثاء جده الحسين وآل بيته (عليهم السلام).
هكذا يشدّنا فقهاؤنا ومراجعنا (رضوان الله عليهم) لمولانا الشهيد (عليه السلام) لنمزج روحنا بألق روحه، ولنسمو بسمو نفسه الطاهرة، متعالين على الظلم والمذلة والخنوع والخنا وهمسات الشيطان ووسوساته. وفي هذه الصلة الحميمة بين مرجعياتنا الدينية وعلمائنا مع الحسين (عليه السلام) صرخة مدوّية في سمع كل من حاول أن يقلّص من دور المنبر وخطبائه المخلصين وتعزية الحسين ورثائه (صلوات الله وسلامه عليه).

حافظة قوية وقادة:
شاءت حكمة الله تبارك وتعالى أن ينعم على بعض عباده بخصائص ومميّزات خلاّقة تجعلهم على خط العبقرية والإبداع، وقد كان مترجمنا الشيخ العلامة ممن امتدّت يد العناية الإلهية لتشملهم بهذه النعم، فقد زوّده الله إلى جانب غزارة علمه وفرط ذكائه بحافظة قويّة إلى حدّ الدهشة والاستغراب.
يقول صاحب "أنوار البدرين": كان يضرب به المثل في قوة الحافظة، حدّثني الشيخ ناصر بن أحمد بن نصر الله القطيفي عمن يثق به أن المترجم أتى بلاد القطيف في سفر حج بيت الله وزيارة النبي وآل بيته (صلوات الله عليهم)، فرأى عند السيد محمد الصنديد كتابًا في الحديث، فطلب منه إعارته لينسخه في سفره، فأبى خوفًا من ضياعه لأنه ليس له نسخة ثانية، فبقى الكتاب عند الشيخ أيامًا يسيرة مدة مكوثهم في القطيف ثم أعطاه الكتاب وسافر، فلما قضى مناسك حجه وزيارته، رجع مارًّا ببلاد القطيف، فلما اجتمع بالسيّد طلب منه بأن يأتيه بذلك الكتاب، فأتى به إليه فاستخرج نسخة جديدة ليقابله عليه، فقال له السيد: هل وجدت نسخة ونقلته؟ فقال: لا، ولكني تتبّعته وقمت بحفظه وكتبته على حفظي بأبوابه وترتيبه وأسانيده، فتعجّب السيّد والحاضرون جميعًا، وقابلوا النسخة بالكتاب فلم تختلف عنه إلا يسيرًا لا يذكر.
ويحكى أنه أملى على كاتبه كتاب "النفحة القدسية في فقه الصلاة اليومية" مع ذكر الأقوال والأدلة في ثلاثة أيام من حفظه. إن هذا لمصداق لقول المعصوم (عليه السلام): "ليس العلم بكثرة التعلّم، ولكنه نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده".
وقد أكّدت الأحاديث الواردة عن النبيّ وأهل بيته (صلوات الله عليهم) على أن طاعة الله والتزام تشريعاته، والكفّ عن الذنوب والموبقات، يجعل المؤمن موفّقًا في حياته، ويهب له الله تعالى بسطة في العلم نتيجة لتلك المقدمة السلوكية الإيمانية الراسخة.
وقد ورد في الحديث: "من أرضى الله أربعين صباحًا، فجّر الله ينابيع الحكمة على لسانه".

حادثة:
شكى بعض طلاّب العلوم سوء حافظته ووهنها إلى أستاذه ومعلمه "وكيع"، فقال "وكيع" لتلميذه: عليك بترك الآثام والمعاصي فإنها تحجب المرء عن تلقي العلم، فاستجاب التلميذ لمعلّمه وأنشأ يقول:
                              شكوت إلى وكيع سوء حفظي           فأرشدني إلى ترك المعاصي
                              وقال اعلـم بأن العلم فضـل           وفضـل الله لا يؤتاه عاصي
وبطبيعة الحال فإن عالمنا المترجم له وجميع علمائنا الأعلام من الماضين والباقين، لم يكونوا ليصلوا لهذا المستوى الملفت في تحصيل الملكات العلمية والمعرفية إلا بالورع وتقوى الله والإيمان الراسخ القويم.

مشايخه:
يروي (رحمه الله) عن أبيه الشيخ محمد وعن عمّيه الشيخ يوسف صاحب الحدائق والشيخ عبد علي، وكتب عمّه الشيخ يوسف الإجازة المسماة بلؤلؤتي البحرين لقرّتي العين، وهما ابنا أخويه الشيخ حسين بن محمد المترجم والشيخ خلف بن عبد علي.

مؤلفاته وكتبه:
لقد ذكر السيّد محسن الأمين (قده) في كتابه "أعيان الشيعة" جملة من مؤلفات الشيخ العلامة (رض)، إليك بعضًا منها:
1 ـ الحقائق الفاخرة أو عيون الحقائق الناظرة في تتميم الحدائق الناظرة لعمّه الشيخ يوسف البحراني (قده).
2 ـ النفحة القدسيّة في فقه الصلاة اليومية. وقد أشرنا له ضمن الترجمة.
3 ـ الرواشح السماوية أو السبحانية في شرح الكفاية الخراسانية، وهي كفاية السبزواري في الفقه، خمسة مجلدات. يقول عنها السيّد الأمين في "أعيانه": رأينا منه نسخة في "بهار" من قرى همدان في مكتبة الشيخ رضا الباهري عام 1353 سماه فيها: رواشح العناية الربانية في مجلدين كبار، فرغ من أحدهما 29 المحرم سنة 1206 والنسخة بخط تلميذه الشيخ عبد علي بن علي بن محمد التوبلي الجد حفصي الأوالي الموالي منقولة عن نسخة الأصل.
4 ـ مفاتيح الغيب والتبيان في تفسير القرآن.
5 ـ الجنة الواقية في أحكام التقية.
6 ـ الدرة الغراء في وفاة الزهراء.
7 ـ سداد العباد وهو رسالته العملية رضوان الله عليه.

وفاته ومرقده:
توفّي ليلة الأحد 21 شوال سنة 1216هـ في بلدة الشاخورة محلّ سكناه، وقبره بها مزور معروف. وقيل أنه قتل في وقعة حصلت بين أهل البحرين والخوارج. كما وقيل أن خارجيًا ضربه بحربة مسمومة في ظهر قدمه، فمات منها (رحمه الله).
يقول صاحب أنوار البدرين: "وسمعت أنه ضربه ملعون من أعداء الدين بحربة في ظهر قدمه فمات شهيدا".
لقد بذل الكثير من العلماء مهجهم في سبيل الإفصاح بالحق ورفع راية الشريعة، إن طريقهم طريق ذات الشوكة، لم يكن معبّدًا بالورود والرياحين، ومع كل هذه الشدّة كانوا قد تأسّوا بالأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم)، فقد بلّغوا رسالات الله، ولم يخشوا إلا الله عزّ وجلّ.
أرخ عام وفاته (رحمه الله): (طود الشريعة هدمًا)، وأرخ أيضًا: (قد كانت الجنة مثواه). وقد رُثِي رحمه الله تعالى بقصيدتين ذكرهما السيد محسن الأمين في ترجمة العلامة بالأعيان فراجع.
-------------------------------
المصادر:
1- أعيان الشيعة.
2- أنوار البدرين للشيخ علي البلادي.
3- نهجنا في الحياة.
4- كرامات آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي وقبس من حياته.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع