شارك هذا الموضوع

حرب صفين

 عزل الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام أغلب ولاة عثمان بن عفان ، وحينما أشار عليه المغيرة بن شعبة بإبقاء معاوية قال عليه السلام : « لا أُداهن في ديني ، ولا أعطي الدنيَّة في أمري » فكان يرى إبقاء معاوية في ولايته مداهنة في الدين ، ولذا عزله بعد أن يئس من رجوعه إلى الطاعة.


 وقد كتب إليه عدة كتب يدعوه فيها إلى الطاعة ، ويبيّن له غيّه ومساوءه، جاء في أحدها قوله عليه السلام : « وأرديت جيلاً من النّاس كثيراً ، خدعتهم بغيِّك ، وألقيتهم في موج بحرك ، تغشاهم الظلمات ، وتتلاطم بهم الشبهات ، فجاوزوا عن وجهتهم ، ونكصوا على أعقابهم.. فاتق الله يا معاوية في نفسك ، وجاذب الشيطان قيادك.. ».


 وكتب عليه السلام إليه أيضاً : « فسبحان الله ! ما أشدَّ لزومك للاَهواء المبتدعة... فإمّا إكثارك الحِجاجَ على عثمان وقتلته ، فإنّك إنّما نصرت عثمان حيثُ كان النصر لك ، وخذلته حيثُ كان النّصر له » فقد بيّن له أنّه اتخذ دم عثمان وسيلة لينتصر بها ، حيثُ إنّه لم ينصره في حياته .


 وحينما أراد معاوية استمالة عمرو بن العاص إلى جانبه استشار الاَخير ابنيه عبدالله ومحمداً ، فقال له عبدالله : (.. فإنّك إنّما تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها مع معاوية فتضجعان غداً في النار) ، وقال ابنه محمد : (بادر هذا الاَمر) وقال له مولاه وردان : (اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت : عليّ معه آخرة بلا دنيا ، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة ، وليس في الدنيا عوض من الآخرة).


وقال ابنه عبدالله أيضاً : (بال الشيخ على عقبيه ، وباع دينه بدنياه) وكتب الاِمام علي عليه السلام إلى ابن العاص كتاباً جاء فيه : « فإنّك قد جعلتَ دينك تبعاً لدنيا امرىء ظاهر غيُّه ، مهتوكٍ ستره... فأذهبت دنياك وآخرتك...» وبعد خدعة رفع المصاحف خطب الاِمام علي عليه السلام أصحابه قائلاً : «عباد الله ، امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوّكم ، فإنّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحّاك ليسوا بأصحاب دين ولاقرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ثم رجالاً ، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، ويحكم والله ما رفعوها إلاّ خديعة ووهناً ومكيدةً... فإنّي إنّما أقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب ، فإنّهم قد عصوا الله فيما أمرهم ، ونسوا عهده ، ونبذوا كتابه »


وكتب الاِمام عليّ عليه السلام إلى معاوية : « ... فاحذر يوماً يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله ، ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه ، وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله ، ولسنا إياك أجبنا ، ولكنّا أجبنا القرآن في حكمه ».


وانتهت المعركة بالتحكيم ، وقد كان الاِمام عليّ عليه السلام يحذّر معاوية من القتال وسفك الدماء فلم يستجب وكان جوابه لسفراء الاِمام عليّ عليه السلام : (...ليس بيني وبينكم إلاّ السيف).


وكان عدد القتلى من الطرفين سبعين ألفاً وقتل مع الاِمام عليّ عليه السلام خمسة وعشرون صحابياً ، منهم عمّار بن ياسر قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي وهو من الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان.


وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمّار رضي الله عنه : « تقتلك الفئة الباغية » والفئة الباغية التي قتلت عمّار كان يقودها معاوية وعمرو بن العاص.


ما بعد صفين
انتهت معركة صفين بالتحكيم ، وانتهى التحكيم بخديعة عمرو بن العاص لاَبي موسى الاَشعري ، فقال الاَشعري لابن العاص : (غدرت وفجرت ، إنّما مثلك كمثل الكلب) فقال له ابن العاص : (إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً).


 وبما أنّ الحكم كان نابعاً من الهوى والابتعاد عن الهدى تبرَّء الاِمام عليّ منهما ونسب إليهما نبذ حكم القرآن ومخالفته فقال عليه السلام : « ألا إنَّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء
ظهورهما ، وأحيا ما أمات القرآن ، واتبع كل منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجة بينة ولا سُنة ماضية ، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد ، فبرىء الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين »،  وحول الحكمين قال عبدالله بن عمر : (انظروا إلى ما صار أمر هذه الاُمّة ، إلى رجل لا يبالي ما صنع ، وآخر ضعيفاً).


 ولم يكتف معاوية بالبغي على إمام زمانه وقتل في هذا البغي آلاف المسلمين وخيرة الصحابة ، بل استمر في بغيه بالاعتداء على الاَبرياء الذين يوالون الاِمام عليّ عليه السلام باعتباره الخليفة الشرعي ، وكان يبعث الغارات على المدن التابعة للدولة الاِسلامية التي يحكمها الاِمام علي عليه السلام فبعث بسر بن أرطأة ـ وهو من الصحابة ـ في ثلاثة آلاف إلى الحجاز وإلى المدينة فدخلها فخطب في الناس وهدّدهم وقال : (والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبدالله) فلما سمع الصحابي جابر ابن عبدالله انطلق إلى أُم المؤمنين أم سلمة وقال لها : (ماذا ترين ؟ انّي قد خشيت أن أُقتل ، وهذه بيعة ضلالة) ، وكان ذلك الجيش يقتل (من أبى أن يقرّ بالحكومة).


ثم مضى بسر بن أرطأة إلى اليمن فقتل جماعة من أهلها ، ومنهم طفلان صغيران لعبيد الله بن العباس، وكثر الحديث حول دهاء معاوية فأجاب الاِمام عليّ عليه السلام قائلاً : « والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس... ».

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع