أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته بحسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك للّيلة الحادية عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، وتحت عنوان " أهمية التخطيط و إدارة الوقت " ، ابتدأ سماحته برواية عن أمير المؤمنين ( ع ) : " للمؤمن ثلاث ساعات ، ساعةٌ يناجي فيها ربه ، و ساعةٌ يرومُ معاشه ، وساعةٌ يخلّي بين نفسه وبين لذتها في ما يحب " أمير المؤمنين عليه السلام ومن خلال هذا النص المبارك يسلّط الضوء على مجموعة من النقاط المهمة حيث أن لهذا النص مجموعة من الدلالات ، من النقاط التي يركز عليها النص أهمّية المناجاة و كيف تنمّي صلة العبد مع الله ، و ركّز على قداسة طلب الرزق وأهمية أن يُخصّص الإنسان جزءًا من وقته ما يتكسب به جزءًا من عفّته ، وفي الحديث جنبة يشير اليها عن الترويح عن النفس في الجانب المحلّل ، الحديث يدعونا الى أهمية التخطيط في حياة الانسان ، فهو ضرورة لا تنفك عن سلوك الانسان العاقل ، وكل من يتحرك اليوم من دون التخطيط فلا يزيده كثرة المسير الا بعدًا عن غاياته وأهدافه . التخطيطُ صفةٌ يتّسم بها الإنسان المؤمن ؛ لأنه خلق لهدف ، فإن انعدمت الأهداف الفرعية - وهو محال - فإن هناك هدفٌ رسمه الله عز وجل ، من سورة الذاريات " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فهذا هدف جبري لا خيار للإنسان فيه ، مسألة العبودية واقعها أمر جبري و يجب على الإنسان أن يجسّد العبودية لله .
التخطيط عملية فكرية يتحرّك من خلالها الإنسان لإختيار أفضل الوسائل الممكنة للوصول للاهداف ، فهو عملية ذهنية يُلاحظ فيها الامكانيات والموارد ، ويضع له هدفًا يسعى للوصول اليه ، يجب على كل انسان أن يكون صاحب هدف و متى ما خطّط الإنسان نجح أو وصل على الأقل الى نسبة من النجاح ، لابد أن نجعل التخطيط جزءًا من حياتنا ، فأمير المؤمنين - عندما يتحدث عن إدارة الذات - يبيّن متى ما كان الإنسان قادرًا على لإدارة نفسه يكون قادرًا على إدارة غيره حيث قال ( ع ) " سياسة النفس أفضل السياستين " فاذا استطاع المؤمن أن يدير ذاته و استطاع أن يسيطر على المعترك بين القوة العقلية والشهوة و استطاع أن يوصل نفسه لمستوى من الإستقرار الباطني عندها سيكون قادرًا على أن يقود غيره ويؤسس ادارةً لغيره . مسألة التخطيط جزئية مهمة في حياة الإنسان ، وضع ( ع ) مثلث ادارة الذات ، ساعة لربه و ساعة لمعاشه وساعة لنفسه ، ولو انقطع المؤمن في واحدة دون الأخرى لضيّع كل شيء ، فلا رهبانية في الإسلام حيث يصيب في جانب و يخطأ في جانب ، ولو ذاب الإنسان في جوانب الترفيه النفسي أو ذاب في التكسب وأهمل في عبادة الله يكون مفرّطا ، فلابد من تخطيط صحيح .
القرآن الكريم يشير الى أهمية وضرورة التخطيط في حياة الإنسان في عدة نماذج حيث قال تعالى في سورة الأنفال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " وصف الله هدفًا كبيرُا جدًا و رسم لنا هدفًا ، فيجب أن نوضع الاستراتيجيات لنصل الى الهدف و نخطط للوصول اليه . وهناك نموذج آخر في سورة يوسف " قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ، ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ، ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " أطلع اللهُ يوسفَ عمّا سيجري على مصر من ويلات سبع سنوات من المجاعة ولكن قبل تلك السنوات أنبأه بسبع سنوات من الوفرة والأمطار الغزيرة والزروع الكثيرة والمحاصيل الكثيرة ، حيث خطّط يوسف لهذه المهمة و أعدّ المخازن وبدأ الغرس والحصاد و الإعداد وغير ذلك ، وكان الإنفاق دقيقًاووفق خطط مرسومة ومدروسة ، وتجاوزت مصر تلك المحنة و برزت على المستوى الإقتصادي والسياسي بفضل تخطيط يوسف الصحيح
لنعلم أننا كلنا نمر بسنوات الوفرة ، وهي مرحلة الشباب ، وفيها يمتلك الإنسان الصحة والقوة والإرادة والبدن المعافى و جميع الإمكانيات وقد ذكر الله تعالى في سورة الروم " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ، يخلق ما يشاء وهو العليم القدير " فإذا كبر الإنسان ضعف كل شي فيه و كثرت الأمراض والأسقام به ، و لذلك علينا ان نستثمر مرحلة الشباب بشكل صحيح وأن نخطط بشكل دقيق . من الموجع أن الدراسات الحديثة حصلت على نتيجة سيئة للغاية في نسبة من يخططون لحياتهم حيث وصلت تلك النسبة الى 3% ، وعادة ما يكون اللذين يخططون هم من يهيمنون على موارد الأمة في المجتمع و يصبحون القادة و في المواقع الحساسة والمهمة ويملكون ثروة ما يعادل 97 % ، كل ذلك بسبب الحراك والتخطيط ، فالأمر خطيرٌ للغاية . يجب أن يكون لنا طموحًا للرقي والتقدم ، ليس الرقيّ المادي فقط بل الرقيّ المعنوي ويجب أن نزداد قربًا لله عز وجل ، وأن نجعل لنا قدوة عظيمة و أن يكون سقفنا عاليًا جدًا ، فلا توجد قدوة كرسول الله ( ص ) حيث ذكر الله في سورة الأحزاب " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " المطلوب منّا الهمّة العالية والتخطيط الدقيق و الإرادة ، والهدف هو من يحدد حجم الإرادة ، فالهدف البسيط يولد من النفس إرادة صغيرة ، والهدف الكبير يتطلب جهد كبير وارادة كبرى . فالذي يخططون بشكل محكم هم من يصلون الى أهدافهم و لا ينبغي علينا الإنفاق بلا حساب ، لابد ان نكون ممن يخطط لحياته فعمرنا وجهدنا ثروة . لا ينبغي علينا أن نقعد مكفوفي الأيدي فينبغي علينا التخطيط الصائب مهما كانت أهدافنا بغض النظر الى سقف المطالب . الناس صنفان إما ان يكون الإنسان ايجابيًّا مخططً متفاعلًا ، أو أن يكون سلبيًّا ، اذا استطاع الإنسان أن يخطط سيسعد نفسه ويرضي ربه و مجتمعه و أسرته .
التعليقات (0)