شارك هذا الموضوع

شاء الله أن يراهن سبايا

كان هذا جواب الحسين (عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية حين سأله عن سبب حمله العيال معه إلى رحلة الشهادة، وهل بعد جواب الحسين (عليه السلام) جواب؟!


ولكنها محاولة للوقوف على أسرار هذا الجواب الحسيني لعلنا نهتدي إلى معرفة شيء نستطيع فهمه على الأقل من فلسفة سيد الشهداء (عليه السلام).


ولننظر في هذا السبيل إلى دور المرأة في واقعة الطف وقد حفل تاريخ هذه الملحمة بمشاهد عظيمة ومواقف غاية في البسالة أقدمت عليها المرأة. فمن النساء من دفعت بابنها أو زوجها إلى القتل بين يدي الحسين تقرباً إلى الله والرسول، كما فعلت أم وهب وزوجته، ومنهن من حملن السلاح للدفاع عن نساء النبي وأطفاله ومنهن من تظاهرن ضد حكام الجور الذين قتلوا ابن بنت الرسول ورشقن جيش الطغاة بالحجارة هاتفات بسبّ يزيد وابن زياد.


وأرسل الحسين (عليه السلام) رسولاً إلى زهير بن القين ليأتيه ولما دخل عليه الرسول وجده مع قومه يتغذون، وحين أبلغه رسالة الحسين طرح كل إنسان ما في يدّه وجمد حتى كأن على رأسه الطير، فالتفتت امرأة زهير وقالت يا سبحان الله أيبعث أليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فذهب زهير إلى الحسين وما لبث أن جاء مستبشراً مشرق الوجه وقال: قد عزمت على صحبة الحسين لأفديه بنفسي وأقيه بروحي ثم التفت إلى زوجته وقال لها: أنت طالق، الحقي بأهلك، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير وأعطاها مالها وسلمها إلى بعض أهلها فقامت إليه وبكت وودعته قائلة: كان الله عوناً ومعيناً لك، خار الله لك، أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين (عليه السلام).


لقد دفعت هذه الحرة المصونة المؤمنة بزوجها إلى سعادة الدارين ونالت الدرجات العلى عند الله والناس فما زال اسمها يعلن على المنابر ويدون في الكتب مقروناً بالحمد والثناء إلى يوم يبعثون وهي في الآخرة مع جدّ الحسين وأبيه وأمه وحسن أولئك رفيقاً.. هكذا المرأة العاقلة المؤمنة تدفع بزوجها إلى الخير وتردعه عن الشر ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.


وكانت امرأة من بني بكر بن وائل مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على أطفال الحسين ونساؤه هاربات حاسرات يستغثن ويندبن ولا مغيث، اسودّ الكون في وجهها وفار الدم في قلبها وعروقها وأخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط منادية يا آل بكر أتسلب بنات رسول الله؟ لا حكم إلا لله! يا لثارات رسول الله فأخذها زوجها وردها إلى رحله وليس من شك في أن هذه السيدة النبيلة قد بعثت الاستياء والنقمة على الأمويين وملأت النفوس عليهم وعلى سلطانهم حقداً وغيظاً وكل ما حدث في كربلاء والكوفة وفي مسير السبايا إلى الشام كان من أجدى الدعايات وأنفعها ضد الأمويين وحكمهم الجائر البغيض.


أمر ابن زياد أن يطاف بالرأس الشريف في أزقة الكوفة يهدد به كل من تحدثه نفسه الخروج عن طاعته وطاعة أسياده فكان هذا التطواف خير وسيلة لنشر الدعوة العلوية ومبدأ التشيع لآل البيت (عليهم السلام) ولعن من شايع وبايع وتابع على قتل الحسين (عليه السلام).. وسلام الله على السيدة الحوراء زينب حين قالت ليزيد: (فو الله ما فريت إلا جلدك وما حززت إلا لحمك).


وبعد الطواف بالرأس الشريف أرسله ابن زياد وسائر الرؤوس إلى يزيد مع أبي بردة وطارق بن ضبان في جماعة من أهل الكوفة، ثم أمر بنساء الحسين وصبيانه فشدوا بالحبال على أقتاب الجمال مكشوفي الوجوه ومعهم الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد وضعت الأغلال في عنقه وسرح بهم ابن زياد مع مخفر بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن، فأسرعا حتى لحقا بالقوم الذين معهم الرؤوس وكانوا إذا مروا ببلد استقبلهم أهله بالمظاهرات والهتافات المعادية ورشقتهم النساء والأطفال بالحجارة يصرخون بهم: يا فجرة، يا قتلة أولاد الأنبياء.


سبوا النساء والأطفال وطافوا بهم وبالرؤوس ليقضوا على مبدأ علي، فكان السبي والطواف ضربة مميتة لهم ولسلطانهم ووسيلة حققت الغاية التي أرادها الحسين من نهضته، فلقد أثار السبي الأحزان والأشجان في كل نفس وزاد من فجائع الواقعة المؤلمة وكشف أسرار الأمويين للقاصي والداني وظهرت قبائحهم ومخازيهم للعالم والجاهل، واستبان للمسلمين في كل مكان وزمان أن الأمويين أعدى أعداء الإسلام يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان رياءً ونفاقاً.


وبذلك لعلنا نجد مصداقاً واضحاً للمفهوم الذي أدلى به الإمام الحسين (عليه السلام) في جوابه لمحمد بن الحنفية عن سبب حمل النساء والأطفال معه إلى كربلاء، فلقد صحبهم معه في نهضته المباركة للقيام بدور الإعلام المضاد لدعايات وتضليلات بني أمية وكشف سياساتهم المنحرفة وتعريتها أمام الرأي العام من خلال وسيلة هي من أنجع وسائل الإعلام(السبي) وهو فعل والفعل أبلغ من القول في عملية كسب تأييد الرأي العام وتوجيه أنظاره نحو القضية كما قرر علماء الاتصال بالجماهير.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع