أحمد بن خميس والصــروح التعليمية
المحرق - محمد حميد السلمان
إن تاريخ الشخصيات الوطنية التي كان لها صيت وتأثير مهم في سير حياة الناس وفي البلاد أمثال الحاج أحمد بن خميس لابد أن يثير ذاكرة من عاصروا مثل تلك الشخصية أو من هم من أفراد الشجرة ذاتها بين مؤيد لما ذُكر أو مستغرب أو مرحب أو داعم بالوثائق والصور لمزيد من كشف حقائق ذاك التاريخ الذي غاب - بالطبع لبعد السنين بالجيل الجديد - عن إدراكهم ومتابعتهم. وهذه لعمري سمة تسجل أمام كل البحوث والمذكرات التاريخية التي من غير الممكن أن تُكتب بكل الأقلام وتتضمن كافة وجهات النظر والآراء، ولذا فلا يسع المجال في هذه الوريقات البسيطة لتسجيل كافة الأحداث التي رافقت تلك الشخصيات المؤثرة في حياة الناس من حولها قبل حياة أفراد شجرتها. وما محاولتنا هنا لتسجيل بعض تلك الأحداث التي مرت بشخصيتنا أحمد بن خميس إلا غيض من فيض.
فبالإضافة لما ذكرناه حول إقامة بن خميس للمؤسسة الدينية المميزة في سنابس، كذلك قام الحاج أحمد ببناء جامع المشرف بجدحفص وكان أمامه آنذاك الشيخ أحمد بن حرز، وحسينية في بر دبي وأخرى في تاروت بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
كما امتدت معونات الحاج أحمد إلى الفقراء والمحتاجين من أبناء قريته السنابس التي عشقها وتفانى في حب ترابها وأهلها. فساعد المحتاجين والمرضى، كما يذكر الحاج حسن بن راشد، لأنه كان سخياً وعزيز نفس. كما كانت يده البيضاء، كاللؤلؤ الذي يتاجر به، ماثلة كذلك بشكل سنوي لأهله في دبي وإلى آل حسين في الشرقية وغيرهم ممن نزحوا لمنطقة سنابس وتاروت هناك. بل وصلت خيراته إلى آل خميس في العراق أيضاً، كما يذكر بعض أفراد العائلة من فرع العراق.
المدرسة العلوية:
كانت حلقات التدريس الديني في بعض المناطق هي السمة الرئيسية للتعليم الأهلي قبل وجود المدارس النظامية في البحرين. ومن بين المساجد التي دارت فيها حلقات التعليم: مسجد الخميس، مسجدي الخواجة ومؤمن بالمنامة، مسجدي سيدفلاح والخضر بالسنابس، ومدارس المشرف بجدحفص، وغيرها. ولكن جُلّ الاهتمام في هذه الكتاتيب والحوزات كان لتدريس اللغة العربية وعلوم الدين.
وبما أن إنجازات الرجل العظيم - أحمد بن خميس - لم تتوقف عند الجوانب التجارية والدينية فقط؛ فقد كان له نصيب كبير في المجالات التربوية كذلك، وإن لم تكن تدريساً وتعليماً، بل كرماً وأريحية من نفسه المنفتحة للعلم وتشجيع العلماء. وكم كان يُحلم بأن يري أبناء بلده - وبالذات في القرى - يتمتعون بأرقى مراتب التعليم الحديث بعيداً عن أبواب المطوع والكتاتيب فقط. ولأن أحمد بن خميس - كما يذكر الحاج حسن - كان من الشخصيات الرفيعة التي لها وزنها في المجتمع فقد كان من أهم المطالبين بالإصلاحات في البلد، ولذا تكررت مطالبته مع الأهالي للحكومة بالمعاملة بالمثل في نشر التعليم عن طريق المدارس النظامية - أي أسوة بأهل المدن - وذلك بالدعوة لافتتاح مدارس في قرى البحرين، ولكن تلك المحاولات لم تجد نفعاً.
وبعد تكرار المحاولات وعدم السكوت عليها، تم مخاطبة الوكيل البريطاني في البحرين آنذاك وهو (الميجور ديلي). ولأن الوكيل البريطاني «ديلي» يعرف أن أحمد بن خميس هو الرجل الأول اقتصادياً واجتماعياً في تلك القرى، فقد استدعي بن خميس ذات مرة وقال له: «انته حاج أحمد اهتم بأولادك بس، طرشهم الهند يتعلموا، وليس لك شأن ببقية أولاد الشعب».
ولكن هذا التهديد المبطن ومحاولة التسويف وترغيب الرجل بالابتعاد عن هموم الناس لم تجدِ نفعاً. فقد تواصلت المطالبات والاتصالات مع المسئولين ومن ضمنهم الوكيل الذي اعتاد أن يتردد على حسينية بن خميس ويستمع إلى الحاج أحمد بن خميس وغيره من وجهاء الطائفة. كما جرت كذلك مكاتبات تحريرية، ففي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1923 اجتمع بعض كبار العلماء والوجهاء أمثال سيدإبراهيم كمال الدين والشيخ أحمد بن حرز والشيخ عبدالله المصلي، في حسينية بن خميس وحرروا عريضة رفعوها إلى ولي العهد آنذاك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وقد وقعها 328 مواطناً طالبوا فيها (من ضمن عدة مطالب) بإنشاء المدارس لأبناء وبنات البحرين دون تمييز. وكان على رأس الموقعين الأعيان:
1. أحمد بن خميس
2. سيدأحمد العلوي
3. علي بن حسن المسقطي
4. عبدالرسول بن رجب
5. أحمد السماك
6. محمد الدرازي
ولقد أفرجت السلطات البريطانية عن تلك الوثيقة بعد مرور 50 عاماً عليها ضمن سلسة وثائق أخرى، وقد سبق وأن نشرتها مجلة المواقف البحرينية حينها العام 1988.
وقدمت تلك العريضة - كما ذكرنا - في 26 أكتوبر 1923، وتضمنت عدة مطالب تعتبر مبكرة جداً في أطروحاتها الإصلاحية الإدارية وهي كالتالي:
أولاً: الإعراب عن سرورهم لتولي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ولاية العهد و تأييدهم للخطوات التي سيتخذها لإنشاء المحاكم العدلية وتنظيم المحاكم الشرعية الجماعية وإنشاء إدارة البلديات. وسرورهم لإلغاء نظام القضاء الشرعي المعتمد على قاضٍ واحد.
ثانياً: استنكار العراقيل وأعمال الفوضى والشغب والمحرضين عليها من كبار النواخذة وتجار اللؤلؤ من الأعيان المتضررين من هذه الإصلاحات.
ثالثاً: المطالبة بتغيير القضاة الشرعيين السابقين وذلك لوقوفهم إلى جانب النواخذة وتجار اللؤلؤ وضد الغواصين.
رابعاً: الدعوة لوضع حد لرعي الجمال والأبقار السائبة والمملوكة لكبار التجار من الرعي في المزارع الخاصة للمواطنين أو الدواليب المتضمنة من قبلهم وذلك للمحافظة على الثروة الزراعية والمحاصيل.
خامساً: فرض ضرائب بالتساوي على جميع سكان البحرين دون تمييز.
سادساً: أن يعتبر يوم عاشوراء عطلة رسمية في البلاد وأن يسرح الغواصون من سفنهم الراسية في ذلك اليوم للمشاركة في موكب العزاء.
سابعاً: المطالبة بتخفيض الضرائب على صيادي الأسماك الذين يصطادون بالشباك.
ثامناً: المطالبة بإنشاء المدارس لأبناء وبنات البحرين دون تمييز.(1)
وعندما يئس الأعيان الموقعون من استجابة السلطات لمطالبهم بفتح مدارس أخرى، قرروا العام 1925 الاعتماد على الله وعلى أنفسهم في إقامة المدرستين المباركة العلوية بمنطقة الخميس والجعفرية بالمنامة. وباعتراف بعض الوجهاء من التجار آنذاك، فقد كان لِبِن خميس اليد الطولى في تلك المحاولات الناجحة أخيراً.
أول هيئة إدارية للمدرسة العلوية:
تقرر تسمية المدرسة المقترحة باسم مبارك يظلل عليها نسايم النجاح والاستمرار فأطلق عليها، المدرسة المباركة العلوية. وتكونت أول هيئة تأسيسية إدارية لإنشاء المدرسة من الأسماء التالية:
1. الحاج أحمد بن خميس
2. السيدأحمد العلوي
3. الحاج علي السماهيجي
4. السيدمحمد السيدحسن الماحوزي
5. الحاج حسن بن عبدالله البصري
6. الحاج إبراهيم عبدالعال
7. الحاج سلمان بن سليم
8. إبراهيم المدحوب
وكما يقول الحفيد - علي بن خميس - بأنه قد تحقق بنفسه من هذه الأسماء بناءً على روايات شفاهية لكل من الحاج حسين بن أحمد بن خميس، الحاج عبدالمهدي البصري، والأستاذ إبراهيم علي عبدالعال.
فكيف سارت أمور المدرسة بعد إعلان إنشائها؟ وما موقف السلطات البريطانية منها؟
هامش:
(1) I.O.K. 15/2/88
صحيفة الوسط
التعليقات (0)