أَيُّ الطُّهَاةِ أَقْدَر عَلَى بَيْعِ الطّعَامِ فِي إيران؟
ما ينفع المحافظين في إيران أن خياراتهم متعددة ولكنها متّحدة. فهم وإن خالفوا أحمدي نجاد في سياساته يبقى الرجل من خيمتهم. وإن خَسِروا هاشمي رفسنجاني في انتخابات الرئاسة فإن الرابح من طينتهم، وإن جاءوا ببديل ثانٍ لينقض الأول فسيبقى الأخير والأول معاً من صنائعهم ويجيدان صنعتهم أيضاً.
اليوم وخلال مرحلة «إعادة التمركز» المحافظة التي بدأت منذ فبراير/ شباط 2004 يبدو أن أوراق اليمين ما زالت فاعلة لدحرجة جوكر جديد داخل اللعبة السياسية. فمن يَزُر العاصمة الإيرانية (طهران) فسيسمع حتماً بشخص محمد باقر قاليباف. وربما هي الأقدار السياسية التي شاءت أن تجعل بلدية طهران (شهردار تهران) معملاً لاستجلاب الشرعية والشعبية للسياسيين.
فأحمدي نجاد لم يستطع أن يخترق جبهة المتنافسين الصلبة في العام 2005 بهذه السهولة لولا وجوده عمدة لطهران مدة من الزمن، أثبت خلالها جدارة مشهودة. ولولا أن العمدة السابق للبلدية حسين كرباستشي قد أنهك هذا المنصب بقضية «تبديد المال العام» لأصبح عمدة طهران اليوم دولاب السياسة الإيرانية الداخلية.
التيار المحافظ في هذه الأثناء يبدو أنه أعدّ العدة جيداً لانتخابات الرئاسة التي ستُجرى في مايو/ أيار 2009 أي أقل من تسعة أشهر. فهو أولاً أعاد ضبط أطراف السياسة ومركزها عندما استبدل غلام علي حدّاد عادل الشخصية الطيّعة والمُسلّمة للقيادة الروحية للتيار من رئاسة للبرلمان الثامن على رغم فوزه بالمركز الأول عن دائرة طهران وحصوله على 541816 صوتاً، ودفعت بعلي لاريجاني القادم من زحمة الجدل النووي وعدم الاتفاق بما يجب مع نجاد رئيساً للسلطة التشريعية.
وفي هذه المرحلة أيضاً يبدو أنهم (أي المحافظون) يجنون حصاد معادلتهم الناجحة 6 ÷ 6. فانتخابات دورتين برلمانيتين ودورتين من دورات المجالس المحلية، وانتخابات رئاسية واحدة وانتخابات خبرائية واحدة حصدوها خلال السنوات الست الأخيرة سيعني أنهم توغّلوا أكثر في مفاصل الدولة ومرافقها.
وبالتالي فهم يُقدّمون ويؤخرون في الشخوص لديهم مع وجود ضمان الوحدة في الأصول والاختلاف في الفروع. اليوم يبدأ المحافظون في زحزحة الأنظار وتوجيهها نحو ولايتي تارة ورضائي تارة أخرى ونحو محمد باقر قاليباف أيضاً بصفته خياراً محتملاً، وخصوصاً أنه جنرال باسدراني ثوري ملتزم جداً وقريب من المرشد.
وقد أعطى آباء هذا التيار فرصة لقاليباف لزيارة عدد من العواصم الغربية، وشارك في المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس، كما أنه زار العراق وجال في عاصمته وقصد المراقد المقدّسة والتقى القيادات الروحية، وهي فرص يبدو أنها تَحْمِيَة يمينية للرجل تمهيداً لوضع اسمه على عربة التنافس الرئاسي.
لفتة أخرى كامنة قد تزيد من ديناميكية هذا التيار وتكوّمه على أجندته وخطابه العقائدي والسياسي، وتقليل الانشطارات العملية في جسمه على عكس ما يجري في الجسم الإصلاحي، وهي تتعلّق بتماسكه السياسي من خلال تشريبات عقائدية صلبة قائمة على «أجْيَلَة» هذه التشريبات عبر التصاهر بالدم، الذي يدفع من دون أدنى شك نحو تقوية الاتجاهات والنص الحزبي التواصلي.
فآية الله الشيخ محمدي ري شهري وهو وزير الأمن والمحكمة الخاصة برجال الدين سابقاً وأمير بعثة الحج الإيرانية حالياً متزوّج ابنة رئيس مجلس الخبراء الراحل آية الله الشيخ علي فيض المشكيني.
وعلي لاريجاني وهو ابن المرجع الديني آية الله الميرزا هاشم الآملي متزوّج ابنة الفيلسوف الشيخ مرتضى مطهري. وتزوّج السيد حسن أحمد الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية ابنة آية الله الموسوي البجنوردي أحد أعضاء مجلس الخبراء.
وتزوّجت حفيدة ابنة الإمام الخميني زهراء مصطفوي نجل الجنرال محسن رضائي القائد السابق لقوات حرس الثورة الإسلامية وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام. وتزوّج الأبناء الثلاثة لآية الله عبد الكريم الموسوي الأردبيلي بنات آية الله الجوادي الآملي وآية الله محمود الهاشمي الشاهرودي رئيس السلطة القضائية وآية الله جواد الشهرستاني صهر المرجع الديني في العراق آية الله علي السيستاني.
ومن يفقه في توجهات العوائل الإيرانية السيا/دينية فسيعلم حجم التأثير الذي تركته تلك الزيجات على عود هذا التيار. فالإصلاحيون يتحسّرون على تحوّل أسرة الشيخ مرتضى مطهري إلى التيار المحافظ المتشدد نتيجة التأثير الذي مارسه زوج ابنتهم علي لاريجاني، وهو أمر سمعته مباشرة من أحد شخوص التيار الإصلاحي.
ويُكررون الأمر ذاته بالنسبة إلى أبناء آية الله الموسوي الأردبيلي الذي يحسبونه أحد أهم آبائهم الروحيين، حين تأثّر أبناؤه بالبيوتات الدينية القُمّيّة التي صاهروها كبيت آية الله الجوادي الآملي وآية الله الشاهرودي.
في مجال التماسك الحزبي للمحافظين نستحضر مفارقتين مهمتين في هذا المجال، وهما أنه وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة وعلى رغم أن المحافظين كانوا في قائمتين الأولى تحمل اسم الائتلاف الجامع للمبدئيين وأخرى تحمل الجبهة الموحدة للمبدئيين فإن أكثر من 80 في المئة من المرشحين المسجلين على لائحة الائتلاف كانوا مدرجين أيضاً على لائحة الجبهة الموحدة (راجع تصريحات علي دوراني المتحدث باسم الائتلاف الجامع). ولذلك فقد حققت القائمتان نتائج جيدة في طهران وفي المحافظات الأخرى.
أما الإصلاحيون الذين خاضوا الانتخابات وهم مذاهب شتّى بين قائمة «أصدقاء خاتمي» وقائمة «حزب الثقة الوطنية» وقائمة مستقلين فقد كان الانشطار ليس وحده السبب في خسارتهم، بل شياع مناكدة أطراف إصلاحية - إصلاحية بشكل علني (راجع رسالة رسول منتجب نيا للسيد محمد خاتمي).
الأكثر من ذلك أن أفضل فوز حقّقه الإصلاحيون هو حصولهم على المركز الـ29 الذي ناله الشيخ مجيد أنصاري عن دائرة طهران، على حين مُنِي شيوخهم المعتدلون بخسارة جسيمة حين حصلت فاطمة كروبي على المركز الـ68 عن طهران، وحصل منتجب نيا على 92 ألف صوت فقط!
هذه القدرة على المناورة وتعدد الخيارات واستبدالها في الوقت المناسب والتفاهمات القائمة عبر خيوط رفيعة تجعل حظوظ المحافظين وفيرة خلال انتخابات الرئاسة القادمة، لتبقى الرياح المأتمية مرة أخرى من حظوظ الإصلاحيين.
التعليقات (0)