شارك هذا الموضوع

الصّفَةُ وَالمَوْصُوف

الصّفَةُ وَالمَوْصُوف


 


ربما استطاع الأستاذ جهاد الخازِن تظهير قناعاته السياسية بطريقة لافتة عندما قال إنه " مع دولة الإمارات العربية المتحدة ضد إيران في مسألة الجزر الثلاث، ومع إيران ضد الولايات المتحدة و(إسرائيل)، ومع الولايات المتحدة ضد (القاعدة) " .


 


بطبيعة الحال، فإن هذا التعميد السياسي لم يعد قادراً على اختراق الكثير من المواقف الحزبية والعامة التي تبنّت هويّات مشروخة بدءاً من استحضار الدين بشكل معقوف كأحد مكوّنات الهوية، ومروراً بتحويل الأمّة من ظاهرة طبيعية ذات أصالة موضوعية (بحسب تعبير جورج قرم) في تشكيل الهويات إلى حالة مُهمّشة، وانتهاءً بسماح الوجدان العام (الإسلامي والعربي) لأن تتشرّب هذه الأمة نبيذ الاصطفاف الطائفي الذي أنبتته حقبة نهاية السبعينيات بعد أفول مشروعات اليسار والقومية، وعضّدته القضية العراقية بعد سقوط بغداد .


 


ضمن هذا الإشكال تبرز المواقف الندِّيّة للجمهورية الإسلامية ولارتداداتها في المنطقة بشكل فجّ وكريه، لتتحوّل ممانعة حزب الله وغلبته الآلة الصهيونية في حرب يوليو/ تمّوز إلى هزيمة بنظر بعض المعتوهين أو لعبة من تحت الطاولة لحزب عميل للصهيونية ! في الوقت الذي يُصرّح المسئولون الصهاينة بأن جيش الدفاع قد هُزِم، وبأن من أهم أولويات تل أبيب الأمنية الآن تصفية حزب الله وآلته العسكرية ! بل ليس غريباً أن تتحوّل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من جيب مقاوم رشيد عطّل اجتياح غزّة أكثر مما عطّلت فيه الدول الثلاث هبوب رياح النكسة أو النكبة (سمّها ما شئت) إلى راية حرب تقاتل بالنيابة عن الصفويين في الداخل الفلسطيني ! والأغرب من ذلك أن هذا الزاد قد أصبح مُقتاتاً من جماعات الدين وأندادها على السواء .


 


في بعض الأحيان أصِلُ ما يجري اليوم من خلط للمفاهيم إلى حالة مُركّبة تختلط فيها ما بشّر به سيمور هيرش من توجّه استخباراتي غربي لإعمال النَفَس الطائفي في المنطقة لاحتواء المحور الإيراني - السوري ومعه خيار الرفض للقَدَريّة السالبة كمعول ناجع ضمن معركة ممتدة، وأيضاً إلى حالة مُركّبة تختلط فيها الأفهام المبتورة للقضايا السياسية . فمن عيّر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على زيارته العراق من اليساريين يجب عليه ألاّ يحسبها كلقاء فرانكلين روزفلت بجوزيف ستالين أو لقاء نيكيتا خروتشوف بداويت آيزنهاور، أو لقاء ليونيد بريجينيف وريتشارد نيكسون وهم جميعاً كانوا في حرب كونية مفضوحة، ومن عيّره من القوميين فمن غير المنطقي استحضار لقاء جمال عبدالناصر مع جيفرسون كافري أو مع دونالد بيرجيس في ظل وجود الرغبة الأميركية في إسقاط نظام ناصر وعداء الأخير للغرب، بل الأفضل أمام كل ذلك تناول الأمور بشكل آخر، وهي ما كان يربط الإيرانيين بمن يحكمون بغداد اليوم، سواء أكان قطارهم أميركياً أم إيرانياً فهم في الفضل سواء بالنسبة إلى طهران التي كابدت العالم من أجلهم، بل الأكثر من ذلك إيصال ما تُعمله إيران في العراق بحالة التّيه العربية ضمن هذه الدائرة، وبالتالي الحكم بالتجزئة والقبول بقسمة لا تبخس أحداً، وهي إن الأنظمة العربية متواطئة في فلسطين ولبنان ومتواطئة أيضاً في العراق، أما الإيرانيون فهم متواطئون في العراق مع الأميركيين (كما يدّعي البعض) ومقاومون لهم في فلسطين ولبنان، وما يهم في كل ذلك هو ضرورة المفاضلة بين مدى تواطئ الإيرانيين في العراق مع الأميركيين (إن صدقوا طبعاً) وبين مدى تواطؤ الأنظمة العربية في فلسطين ولبنان، ثم بين مدى تواطؤ هذه الأنظمة في العراق ومدى مقاومة الإيرانيين في فلسطين ولبنان . ولا أحسب بعد ذلك أن يظفر أحدٌ بنتيجة سوى أن التواطؤ العربي ليس بالضرورة أن يكون مماثلاً للتواطؤ الإيراني . وللحديث صلة .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع