س: ما هو رأي الشِّيعة في إرضاع الكبير. وهل صحيح ما نقلوه عن أنَّ علماء السُّنَّة يقولون بشرعيَّة رضاع الكبير؟ ج: المتسالم عليه بين فقهاء الشّيعة الإماميَّة هو أنَّه يشترط في انتشار الحُرمة بالرّضاع وقوع الرضاعةأثناء الحولين من عُمر المرتضع، فلو وقعت الرّضاعة بعد إتمام المُرتضع حولين من عمره فإنَّه لا يكون لهذه الرّضاعة أيُّ أثر، فلا تكون المرضعة أُمًّا له ولا بناتها أخواتًا له، ولذلك لا يجوز لمن أرضعت ولدًا بعد إتمامه السنتين التكشف في محضره بعد بلوغه كما لا يجوز ذلك لبناتها، فهُنَّ أجنبيَّات منه. ذكر المُحقِّق النراقي في كتابه مستند الشِّيعة تحت عنوان شروط الرضاع الشرعيّ المُوجب للتحريم (الشرط الخامس أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما، فلا عبرة برضاعه بعدهما، إجماعًا محقّقًا ومحكيًّا عن -كتاب- الخلاف والغنية وفي التّذكرة والمختلف والقواعد وشرحه والإيضاح ونكت الشَّهيد والمسالك وشرح الصيمري وغيرها وفي شرح المفاتيح من غير خلاف...) 250 المستند. هذا وقد استدلّ الفقهاء على اعتبار هذا الشَّرط في تحقُّق الرضاع الشرعيّ بما استفاض من روايات عن أهل البيت (ع). منها: موثقة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص) "لا رضاع بعد فطام"، وقد أفاد الكليني في تفسيره للرواية "إنَّ الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما تفطمه لا يحرِّم ذلك الرِّضاع المناكح". ومنها: ما رواه الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (ع) قال: "الرّضاع قبل الحولين قبل أن يُفطم". ومنها: ما رواه حمَّاد بن عثمان قال: "سمعت أبا عبد الله (ع) "لا رضاع بعد الفطام"، قلت: وما الفطام؟ قال (ع): الحولان اللذان قال الله عزَّ وجلّ". وأمَّا ما قيل من شرعيَّة رضاع الكبير فهو مذهب السّيِّدة عائشة وأفتى به داود وأهل الظَّاهر كما ذكر ذلك ابن رشد في كتابه بداية المجتهد وذهب إليه كذلك عروة بن الزّبير وعطاء بن رباح والليث سعيد وابن حزم كما أفاد ذلك صاحب كتاب عون المعبود وكذلك ابن حزم في المحلّى، ومستندهم في ذلك ما ورد في صحيح البخاري ومسلم وغيرها من كتب الأخبار المعتمدة عند علماء السُّنَّة. فقد أخرج مسلم في صحيحه وأبو داود والنّسائي وابن ماجة والدّارمي والبيهقي ومالك في الموطأ وأحمد في المسند والطّبراني في المعجم الكبير وغيرهم عن عائشة قالت: "جائت سهلة بنت سهيل إلى النَّبيّ (ص) فقالت: يارسول الله أنّي أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم، فقال النَّبيّ (ص) أرضعيه، فقالت: وكيف أُرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسَّم النَّبيّ (ص) وقال: قد علمت أنَّه رجل كبير". وفي رواية أخرى فقال لها النَّبيّ (ص) أرضعيه تحرمي عليه ويذهب ما في نفس أبي حذيفة، فرجعت فقالت: "أرضعتُهُ، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة". وفي رواية ثالثة قالت: إنَّه ذو لحية فقال (ص): "أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة". وذكر أبو داود: فأرضعتُهُ خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. ذكر ابن حزم في المحلَّى قال: "... ومن طريق مالك بن شهاب أنَّه سُئل عن رضاع الكبير؟ فقال: أخبرني عروة بن الزبير بحديث أمر رسول الله (ص) سهلة بنت سهيل بأن تُرضع سالمًا مولى أبي حذيفة خمس رضعات وهو كبير ففعلت فكانت تراه ابنًا لها، قال: عروة فأخذت بذلك عائشة أمّ المؤمنين فيمن كانت تحبّ أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أمّ كلثوم وبنات أخيها يرضعن من أحبَّت أن يدخل عليها من الرجال. هذا وقد استنكر نساءُ النبيّ (ص) على السّيّدة عائشة هذا المذهب. ذكر الشَّوكاني في كتابه نيل الأوطار ج7 عن زينب بنت أمّ سلمة، قالت أمّ سلمة لعائشة: إنَّه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحبّ أن يدخل عليَّ... رواه أحمد ومسلم. وفي رواية عن زينب عن أمّها أمّ سلمة أنّها قالت: أبى سائر أزواج النبيّ (ص) أن يُدخل عليهنّ أحد بتلك الرّضاعة...". والحمد لله ربّ العالمين
الشيخ محمَّد صنقور
السبت 2 جمادى الأولى 1428هـ
التعليقات (1)
حسين عبدالعزيز آل قنبر
تاريخ: 2007-05-25 - الوقت: 12:44:02جزاك الله خير الجزاء يا شيخنا الفاضل. أتمنى من سماحة الشيخ أن يواصل نشر مقالاته في موقع الحسينية نظرا لإنتشاره الواسع داخل وخارج البحرين. حسين عبدالعزيز آل قنبر اللجنة الإجتماعية