المحافظون في إيران ... ومعارك المفقود والموجود
في التاسع من الشهر الجاري أعلن مجلس صيانة الدستور بالجمهورية الإسلامية الإيرانية عدم موافقته على مشروع إجراء الانتخابات البرلمانية للدورة الثامنة مع الدورة العاشرة لرئاسة الجمهورية بصورة متزامنة، عبر إضافة سبعة أشهر إلى الدورة البرلمانية الحالية إلى جانب تقليل الدورة التاسعة لرئاسة الجمهورية أربعة أشهر، وهي المرة الثانية الذي يرفض فيها المجلس مشروع هذا القرار بعد أن رفضه في السابع من شهر فبراير/ شباط من العام 2006 على اعتبار مخالفته للمادتين الدستوريتين (63) و(114) والمتعلقتين بأزمنة النيابة والرئاسة المُحددتين بأربع سنوات حسب الدستور . وعلى رغم أن مجلس صيانة الدستور قد وافق على تزامن إجراء الانتخابات البلدية مع انتخابات مجلس خبراء القيادة والتي أجريت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلاّ أن عدم موافقته على مشروع قرار دمج انتخابات النيابة والرئاسة له حسابات مختلفة تتعلق بموازين سياسية داخلية حسّاسة .
وإذا كان هناك من تباين في الرؤى ما بين البرلمان الذي يُسيطر عليه المحافظون «بتلويناتهم المتقابلة» منذ فبراير 2004 وبين مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون «الروحانيون» منذ فشل الاستصواب الذي قاده البرلمان السادس الذي كان يسيطر عليه الإصلاحيون (2000 - 2004) فإن هذا التباين يختلف عما كان بين اليمين المحافظ واليسار الديني الراديكالي من خلافات تنظيمية وسياسية منذ مايو/ أيار 1997 وحتى أزمة الأهلية في العام 2004، فالمحافظون اليوم يتقافزون في مواقع حساسة من الدولة لإعادة تفسير رموز الثورة وميكانيزماتها التي تقادمت عليها السنون وهي لا تزال كالخمر القديم في قوارير جديدة، وعلى رغم أن الفهم المشترك داخل المسطرة المحافظة هو الطاغي على أدبياتهم السياسية الداخلية والخارجية، فإنهم اليوم باتوا أكثر جرأة على بعضهم بعضاً مع انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي أعلن منذ اليوم الأول لرئاسته بأنه غير مدين لأحد داخل تيار اليمين فضلاً عن اليسار، وإذا كان التيار المحافظ قد بدأ مشروعه البديل منذ العام 2003 بعد فوزه في الانتخابات البلدية، فإن إبقاء هذا التيار بعيداً عن التفكك يبقى أمراً استراتيجياً بالنسبة لصُنّاع القرار في إيران كي لا يحدث نوع من الفراغ قد يُؤثر على السلطات الثلاث، وبالتالي فإن رفض مجلس صيانة الدستور لقرار البرلمان قد يأتي في إطار ضبط الحراك المحتدم داخل المنظومة المحافظة وإيجاد التوازن اللازم ما بين التقليدين والتعميريين، فالحقوقيون في مجلس الصيانة وأمانته العامة يدركون بأنه وفي حال إقرار رغبة البرلمان في تزمين انتخابات الرئاسة والنيابة فقد ينزل التعميريون بثقلهم في الانتخابات ويُحققوا فوزاً جديداً بشكل مزدوج يعيد تمركزهم من جديد في مفاصل الدولة ليزداد تهميش بقية القوى الأخرى في التيار، مستفيدين في ذلك من إنجازات حكومة الرئيس أحمدي نجاد التعميرية التي حقّقت مكاسب اقتصادية نوعية منذ مجيئها إلى السلطة بفضل الارتفاع المضطرد والمتكرر لأسعار النفط، وهو ما بشّر به نجاد خلال كلمة له ألقاها الأسبوع الماضي في حشد من قادة ومديري قوات التعبئة الشعبية (البسيج) عندما قال إنه وحين تسلّم الرئاسة في أغسطس/ آب من العام 2005 كانت الصادرات غير النفطية للبلاد تبلغ 3.7 مليارات دولار، إلا أنها ارتفعت في السنة الأولى من رئاسته إلى 10.5 مليارات دولار، وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل عند تسلّمه الرئاسة 5.3 ملايين عاطل، إلا أنه وخلال العام الماضي والعام الذي سبقه تمّ توفير مليون و950 ألف فرصة عمل، وخلال العام ونصف العام الفائت تمّ توقيع اتفاقات للاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط بقيمة 5.34 مليارات دولار، كما كانت هناك استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في القطاع غير النفطي ووصل النمو الاقتصادي إلى نسبة 7 في المئة، يضاف إلى ذلك ما قامت به الحكومة من دفع رواتب لمليوني طالب جامعي مسجلين ضمن قائمة العاطلين عن العمل، وأيضاً توزيع «أسهم العدالة» على شريحتين اجتماعيتين صُنّفتا على أنهما تندرجان تحت عنوان الفقر بملغ إجمالي تجاوز 2.75 مليار دولار على 4.6 ملايين إيراني، وهي أمور قد تدفع بالناخب الإيراني لأن يعيد تجديد الثقة بالتعميريين في قبال أطراف يمينية أخرى قد لا تجد ما يعينها على إقناع الناخب الإيراني ببرامجها بعد عملية إقصائها من السلطة، وخصوصاً تلك الطبقة المحسوبة على مرحلة الإعمار بين العامين 1989 – 1997 . كذلك فإن مجلس صيانة الدستور قد يبرر رفضه لذلك المشروع إلى ضرورة إعطاء مساحة للرهانات المحدودة الأخرى التي قد يتفرّد بها الإصلاحيون بعد تشظيهم بعد انتخابات البرلمان السابع، وبروز تيارات يسارية دينية معتدلة كحزب اعتماد ملي بقيادة مهدي كروبي وتهميش جبهة المشاركة المتطرفة، وبالتالي فإن الإنتخابات إذا ما أجريت بالتزامن في الوقت الذي يتمتع فيه المحافظون بالنفوذ والسلطة فإن المعركة ستكون حاسمة بلا شك لصالحهم، من دون أن تكون هناك مناورات سياسية بين التيارات المتنافسة وسط تحيين انتخابات يغيب فيها عامل الزمن، ولأن القواعد الشعبية متحركة وقد يُصيبها الزحاف بين فترة وأخرى، فهي في السابق كانت ضحية للإصلاحيين المتطرفين الذين استثمروهم لممارسة الضغط على مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها اليمين، في الوقت الذي كان فيه المحافظون يسعون إلى كسبها لاستحصال المزيد من الشرعية السياسية على الأرض. وبالتالي فإن مجلس الصيانة أراد توزيع العمل الانتخابي المباشر وإبقائه على ما هو عليه تحسباً لأية مفاجآت غير متوقعة، على رغم أنه وفي تعقيبه على طلب البرلمان قال إن التعديل الذي أجرته السلطة التشريعية على التعديل الأول والذي جرى في فبراير 2006 لم يحل الإشكال القائم بالنسبة لمدة رئاسة الجمهورية (المنتقصة) ونيابة السلطة التشريعية (المضافة)، وهو ما يعني إبقاء الباب مفتوحاً أمام نقاشات مستفيضة بشأن مشروع القرار، إلاّ أنه ولغاية الآن يبدو المشهد مقروءاً بهذا الشكل .
التعليقات (0)