قضية الإمام الحسين (عليه السلام) ليست حكاية تحكى ولا رواية تروى، وإنما هي مأساة تعاش وملحمة تحس وصراع بين الخير والشر والحق والباطل على مر العصور وهي تخص الفكر المستنير والإيمان المتفجر والبطولة والفداء ورفض زيف الخداع والمساومة المقرونة دوما بالاستعداد لبذل الغالي والنفيس في إعلاء كلمة الحق والعدل. وقد برهنت الأيام وتكرار القرون على صدق هذا الاستقراء.. وكيف لا ونحن أمام الحسين سيد شباب أهل الجنة، جده الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأمه بنت الرسول فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وأبوه الإمام علي بن أبي طالب سيد البلغاء (عليهما السلام) ... أليس هو من قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله) وعن أخيه الحسن: (اللهم إني أحبه، فأحبَّهُ، وأحب– مَنْ يُحبُّه) صحيح مسلم، كما قال (صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين)، و(أحب الله من أحب الحسين).
وهو من وضع الرسول (صلى الله عليه وآله) يده اليمنى على رأس الحسن واليسرى على رأس الحسين وقال: (اللهم إن محمدا عبدك ورسولك، وهذان أطائب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي وممن أخلفها في أمتي، وقد أخبرني جبرائيل أن ولدي هذا مخذولي مقتولي بالسم، والآخر شهيد مضرّج بالدم، اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء).
إن ثورة الحسين كانت وثبة شجاعة من أعماق سجون التسلط في عصره ليخترق معه جدران العبودية إلى التحرر والحرية ويبسّط لنا مفهوم الجهاد والشموخ والكرامة والعزة برفضه الطغيان والظلم والتضليل والتلاعب بمقدرات الأمة ورسالتها بعد أن صافح السيف وعانق الرماح ليضرب لنا بذلك أروع صور للبطولة والتضحية والفداء وليبرز لنا قيمة الإنسان ومقدرته في الوقوف أمام الظلم والجبروت. فالحسين (عليه السلام) عندما ثار لم يكن يريد شيئا إلا الإصلاح كما قال: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).
إذاً أحداث اليوم العاشر من عاشوراء والتي تمت فصولها فوق أرض كربلاء ستظل ملحمة خالدة تتوارثها الأجيال ورمزا لكل مكان وجد فيه البطش والاستبداد ولكل زمن اهتزت وتهتز فيه الثوابت والعقيدة والمبادئ ولكل من يريد أن يعرف معنى للحرية والإيثار... وصدق من قال:
مسح الحسين جبينه
فله بريقي في الخدود
وأبوه من أعلى قريشي
وجدّه خير الجدود.
التعليقات (0)