اما اذا ذكرت المراة احيانا، فانها لم تكن تذكر بكثير من اللياقة والاحترام، فقد كان المتكلمون والكتاب متاثرين باعراف زمانهم وعلومه، وطبيعة العلاقات التي تتحكم فيهم. فللمرحوم الملا هادي السبزواري، في حاشية من حواشيه على كتاب «الاسفار» للملا صدرا، كلام مجحف بحق النساء، فقد ورد، في كلام الملا صدرا العبارة الاتية: «من النساء والحيوانات» فذكر لفظتي «النساء» و«الحيوانات» معا، وقد قرا كثيرون هذه العبارة من دون ان ينتبهوا الى هذا العطف، ولكن الملا السبزواري استلها من النص وكبرها، ووضع عليها حاشية قال فيها: «ان الحكيم جيعني ملا صدراج، قد ذكرلفظتي النساء والحيوانات معا، لان النساء هن في الواقع حيوانات كساهن صورة الانسان ليرغب في نكاحهن»((269))، هذا كلام فيلسوف مسلم لا تفصله عنا مدة زمنية بعيدة. لم يحاول احد من الذين قراوا هذا الكلام تصحيحه او تعديله، ولكن المرحوم مرتضى المطهري، على الرغم من كونه فلسفيا من اتباع ملا هادي المخلصين، لم يقبل هذا الكلام، ووضع كتابا كاملا في الدفاع عن رايه المخالف له، فقد راى المطهري، بوصفه احد علماء الكلام، انه من غير الممكن، في مواجهة تحديات العصر، السكوت عن راي السبزواري وغيره من الاراء المماثلة، وبخاصة ان هذا الراي ليس فلسفيا ولا اسلاميا في الاصل، ومناقض للنص القرآني: (خلقهما من نفس واحدة) جملة وتفصيلا. فكلام السبزواري هذا يشبه كلام اليونانيين القدماء الذين قالوا: ان «المراة حيوان» طويل الشعر، قصير الفكر، او «المراة شر كلها»، وجاء السبزواري ليقول: انه «كساهن صورة الانسان ليرغب في نكاحهن» برداء فلسفي لتبيين علة وجود النساء.
لقد كان من الطبيعي ان يدخل الذين بحثوا حقوق المراة في الاسلام، واولهم مطهري وغيره من المعاصرين، الى رحاب الشريعة من معابر جديدة، غير تلك التي سلكها القدماء، وهذا يستوجب البحث والتنقيب، ويتطلب وسائل جديدة ومنظارا جديدا للتوصل، بعد البحث والتنقيب، الى نتائج جديدة.
وهذا الموضوع ليس مستقلا عن مسائل الشريعة الاخرى او غريبا عنها، فهو مرتبط بموضوعات كثيرة، اولها كيفية خلق الانسان «كما وردت في النص المقدس»، وليس كما وردت في التفاسير التي استعارت قصة الخلق من التوراة المحرفة، ومرتبط بالعلوم الطبيعية، وعلم التشريح والامراض والاعصاب لرد الكلام غير العلمي الذي كان مناسبا للمرحلة السابقة على تقدم العلوم الطبية؛ ومرتبط بالعلوم الانسانية، كعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم اللغة وعلم التربية،ومرتبط ايضا بنظرة الاسلام الى الانسان «بالمطلق»، واعترافه بحقوقه الطبيعية.
لذلك من الواجب، للعثور على حلول للمشكلات، الحفر بعمق وجدية في حقل الشريعة وفي حقول المعارف البشرية جميعها. وقضية المراة واحدة من القضايا والتحديات العديدة التي يواجهها علم الكلام الاسلامي الجديد، ومنها التطور والتكامل والحرية واساليب الحكم والسياسة والتقانة والعولمة، و...
من هذا المنطلق يجب ان يكون الكلام الجديد متناسبا مع العلوم الاخرى التي ولد معها، لا يكفي ان تقدم صورة جديدة للدين، وتوضع مع الصورة القديمة في الاطار نفسه، وانما يجب رسم لوحة جديدة تاخذ في الاعتبار حقوق الانسان، كما اوردتها الشريعة وفهما لهذه الحقوق مستندا الى العلوم الجديدة التي تخدم هذا الفهم.
جذور القضية
اسباب المشكلات التي عانت منها المراة المسلمة
بالعودة الى جذر القضية المطروحة، ومن منطلق ان الاسلام جاء ثورة شاملة، غطت كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ولم يفضل انسانا على آخر الا بالتقوى والعمل الصالح وساوى بين الرجال والنساء انسانيا؛ لنا ان نتساءل عن اسباب المشاكل المنسوبة الى الاسلام التي عانت منها المراة المسلمة ولا تزال تعاني حتى اليوم.
للاجابة عن هذا السؤال يجب ان نصحح خطاين منهجيين:
اولهما: عدم التمييز بين الدين الكامل، السماوي، المقدس، وبين المعرفة الدينية، والتي هي من الراس وحتى اخمص القدمين ارضية وانسانية وقاصرة، لانها بشرية وتحتاج الى تعديل او تكميل.
وثانيهما: هو فصل الدين عن تاريخيته، وتعميم الكلام على الحقوق التي اعطاها الاسلام للمراة، علما ان المراة المسلمة لم تنعم عمليا بهذه الحقوق مجتمعة الا في عهد النبي والخلفاء الراشدين، فقد كانت تجربة المدينة تمثل انموذج العمل التاريخي، الذي كان يجب ان يحتذى في ما بعد، وكانت تجربة فريدة في كل ما يتعلق بحقوق الانسان، ثم تغيرت النظرة كما تغيرت الممارسة كليا بعد الانقلاب الاموي، وفي اثناء الفتوحات، ومن الواجب ان نعرف ان الاسلام الذي دخل الى البلدان المفتوحة، لم يكن هو الاسلام النقي الذي طبق في الحجاز، فقد داخلته عوامل كثيرة، ترتبط بكيفية الفتح، وبكيفية تعامل الفاتحين مع سكان البلاد المفتوحة، اضافة الى المعوق اللغوي بين هؤلاء وبين فهم الدين((270))، وكيف ان الذين فقهوهم في الدين في البدء كانوا، في معظمهم، لا يعرفون لسان اهل البلدان المفتوحة، مع ما يحمله ذلك من شوائب في التطبيق، لذلك نجد ان هذه الشعوب قد حافظت على كثير من العادات السابقة على الاسلام، من دون ان يجرؤ الفقهاء، في ذلك الحين، على تحريمها تحرجا، وظلت بعض هذه العادات سائدة حتى الان، ولم تتجرا المؤسسة الفقهية الحديثة على تحريمها، ونضرب مثلا على ذلك «موقف الازهر من عادة ختان الفتيات»، هذه العادة غير الاسلامية التي اصبحت اليوم من القضايا الاشكالية التي تطرحها منظمات حقوق الانسان العالمية، بعد ان اثبت الطب الحديث ضررها الصحي والنفسي.
هذا بالاضافة الى ان الدول التي حكمت باسم الاسلام، منذ بداية الانقلاب الاموي على الدين، وحتى سقوط آخرالخلفاء العثمانيين (مع بقاء نماذج مشوهة عنها في كثير من البلدان الاسلامية)، انحرفت عن جوهر ما فرضه الاسلام من مساواة بين البشر على المستوى الانساني، وانحرفت عن العدالة، عندما فضلت بعض الناس على بعضهم الاخر على اسس ليس من بينها التقوى والعمل الصالح، و«ادلجت» الدين كما «ادلجت المذهب»((271)) لخلع المشروعية على حكمها، اكثر مما لجات الى حماية الدين والسهر على تطبيقه، كما ينص على ذلك «قسم البيعة»، وان كان الفقهاء العدول، من غير المرتبطين بالسلطة، قد اهتموا بشان تطبيق الشريعة، فانهم لم يجدوا دائما الحكومة الاسلامية العادلة التي تكفل هذا التطبيق.
كما ان سوء استغلال الحكام والمجتمع لعبارة (وما ملكت ايمانكم) - التي وردت في القرآن تعبيرا عن واقع معين - من دون الاخذ في الاعتبار ان الاسلام كان يهدف الى الغاء الرق نهائيا وبالتدرج...، وذلك بحثه على عتق الارقاء، زاد من سوء الاوضاع التي عانت منها النساء: الحرائر والجواري على حد سواء، وبدلا من ان ينتهي الرق نهائيا كما كان يهدف الدين الحنيف، جرت الامور على نحو معاكس كليا، وكان من الطبيعي ان يتدنى وضع المراة في ظل نظام الحريم الذي تزايد باطراد في الدولتين الامويتين في الشام وفي الاندلس وفي الدولة العباسية وما بعدها.. حيث حكمت الناس والمجتمع قوانين غير مكتوبة تنظم حياة الناس رجالا ونساء، وكانت هذه القوانين تعمل لمصلحة الطبقة المسيطرة التي كان من الصعب ان تتخلى عن امتيازاتها، وقد تبارى الخلفاء (الملوك) وسراة القوم، وقلدهم العامة في احيان كثيرة، في شراء الجواري واقتنائهن، اذ كان وجودهن في القصور تتمة لحياة البذخ والترف التي كان يحياها الاسياد، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، ان المعتمد بن عباد كان يمتلك حين خلع عن العرش ثمانمئة امراة((272))، وان المغول وجدوافي بلاط المستعصم آخر الخلفاء العباسيين سبعمئة امراة((273))، ناهيك عن اعداد النساء في بلاطات العثمانيين واعدائهم الصفويين((274)).
ان مراجعة كتاب «الاغاني» لابي فرج الاصبهاني، او كتاب «طوق الحمامة في الالفة والالاف» لابن حزم الاندلسي، او«رسالة القيان» للجاحظ، ترينا كيف تزايدت الاباحية والفجور بالتدرج في العصرين الاموي والعباسي وفي الاندلس، عداازمنة محدودة طبعا. ولم يعد احد يتحرج من الحديث عن العشق والجنس.. لقد بلغت الاباحية اقصاها، فغدت فجوراوانحلالا... وسجل الفقهاء والعلماء والرجال العاديون اخبار علاقاتهم الجنسية، وحكايا جواريهم بوضوح وحرية، تفوق ما يبثه الاعلام الهابط اليوم من فجور.
ولقد استمر الحال في عصر المماليك والعثمانيين على هذا المنوال لدى الطبقات المسيطرة عدا افراد قليلين منهم،وتفشى الجهل بين الرجال والنساء، فاضيفت مصيبة جديدة الى سابقاتها وانشغل العامة بالمستحبات الدينية، وجهلواالواجبات، هذا بالاضافة الى الايمان بالسحر والشعوذة والتنجيم والخرافات، والتعلق باذيال المتصوفة الطرائقيين((275))، وتقديسهم على الرغم من انحرافهم عن الدين، وكثرت البدع والمذاهب الباطلة وجميعها لها اتباع بين العامة((276))، وزاد نفوذ الفقهاء القشريين الذين تمسكوا بمجموعة من الافكار الجامدة، فراحوا يفسرون العدالة تفسيرا معوجا بقيت آثاره حتى يومنا هذا.
وان اغلب ما يعتقد انه سلفية دينية هو في الحقيقة سلفية اجتماعية تلونت بالصبغة الدينية، وانتقت من التراث الديني ما يتوافق معها. ولعل استجابة المراة العادية في المجتمعات العربية لاشكال التحجيم والتهميش جميعها، هي نتيجة لماترسخ في وعيها منذ مئات السنين، يوم كانت «جارية» في «دار الحريم» او حرة يخاف عليها ذووها من الانحراف، اوالسبي (على يد الصليبيين او المغول او الفرنجة في الاندلس او المسلمين المتحاربين في ما بينهم في جميع البلادالاسلامية من دون استثناء).
ان التحديات التي تواجه الفقهاء اليوم، والتي تتمثل في العادات والتقاليد تتمتع بسلطة اقوى من سلطة الدين، كما ان رجال الدين التقليديين والاخباريين اكثر تاثيرا في عامة الناس من النخبة القادرة على الاجتهاد، العالمة بحق.
لقد حرمت التربية التقليدية الفتاة من الوعي الاجتماعي بطبيعة الدور الانساني والوطني الذي يمكنها القيام به، كان هنالك قوى خفية تريد لهذه المجتمعات ان تظل متخلفة، لا قيامة لامة امهات الرجال فيها متخلفات ناقصات العقول والحظوظ (فالعقول تضمر وتنقص ما لم تتغذ بالعلم والثقافة باستمرار، وهذا الامر ينطبق على الرجال وعلى النساء).
اسس جديدة للفقه الاسلامي
ان الحاجة ماسة الى وضع اسس جديدة للفقه الاسلامي، ومنها الفقه الخاص بالمراة، ياخذ في الاعتبار معنى الحدودفي التشريع والظروف المستجدة بحسب الزمان والمكان من دون الوقوف على ظاهر النص او حرفيته (ما من ضرورة اليوم بعد الغاء الرق في العالم ان يجري الكلام على ملك اليمين)، لاقامة التوازن بين المعنى والمبنى، وتطبيقا لمفهوم العدل في الاسلام؛ ان التجربة الايرانية((277))، في ما يتعلق بتحديث القوانين المتعلقة بالاحوال الشخصية، والتجربة الافغانية (الطالبان)، هما تجربتان منطلقتان من فهمين مختلفين للاسلام، تعطياننا صورة عن فهم النص المقدس، وكيفية تطبيقه بحسب المكان والزمان، واسلوب التعاطي مع النص الثابت اجتهادا او تحريفا، او فهما سكونيا.
المشكلة اساسا مشكلة اخلاقية، اي مشكلة تربوية، تتعلق بطبيعة التربية الدينية التي تركز على التقوى الفردية، اي علاقة الفرد بخالقه، من دون الاخذ في الاعتبار التقوى الاجتماعية، او الحد الادنى من الاخلاق العامة الملزمة للناس جميعهم، بيضا كانوا ام سودا، عربا ام عجما، رجالا ام نساء، هذه الاخلاق العامة المشتركة بين الاديان السماوية، والتي سماها القرآن الفرقان او الصراط المستقيم، والتي اذا طبقها الفرد صلح حال المجتمع، وقد جاءت هذه الوصايا العشرمختصرة في سورة الانعام: (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم - الا تشركوا به شيئا - وبالوالدين احسانا - ولا تقتلوااولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم - ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن - ولا تقتلوا النفس التي حرم اللهبالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون - ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده - واوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفسا الا وسعها -، واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى - وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون - وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)((278)).
لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى» ولا فضل لرجل على امراة الا بالتقوى: (ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) [الحجرات:13]. اذا كان الميزان هو النص القرآني (وهوكذلك)، فكيف يقبل عاقل مثل هذه الاحاديث التي تناقض ما اوحي الى الرسول(ص) جملة وتفصيلا، وساوردها من دون تعليق:
«لو كنت آمرا احدا ان يسجد لاحد لامرت المراة ان تسجد لزوجها»((279))، انشرك بعد الايمان؟
اريت النار، فلم ار منظرا كاليوم قط افظع واريت اكثر اهلها من النساء»((280)).
يقطع الصلاة المراة والحمار والكلب ويقي ذلك مؤخرة الرجل»((281)).
ما هو شكل الفقه المبني على مثل هذه الاحاديث وامثالها؟
يقول تعالى: (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات، والصادقين والصادقات،والصابرين والصابرات، والخاشعين والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، اعد لهم مغفرة واجرا عظيما) [الاحزاب:35].
(اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض) [آل عمران:165].
مساواة الافراد في الحقوق والواجبات
ان مساواة الافراد في الحقوق والواجبات، امر تقتضيه الفطرة في الوظائف والحقوق الاجتماعية، كل بحسب طبيعته وتركيبه الفيزيولوجي والعقلي والنفسي، فالعدل الاجتماعي يعني ان يعطى كل ذي حق حقه.
واول حق اعطاه الاسلام للمراة بشكل مباشر هو حق العمل السياسي، وقد بدا الاسلام تحرير المراة باعطائها هذا الحق،وقد كانت المراة المسلمة مع الرجل على حد سواء، شاركت بمالها (خديجة)، وكافحت عقديا (فاطمة اخت عمر بن الخطاب، وزوجة الرسول(ص) بنت ابي سفيان)، وكان كفاحها نضاليا مباشرا (سمية) اول شهداء الاسلام، واشتركت النساء في الهجرة الى الحبشة والى يثرب، وحضرن بيعة العقبة الاولى، واذا كانت المراة لم تحكم فان ذلك كان ضمن سياق تاريخي معين، لا ضمن تشريع اسلامي، وجميع الاحاديث التي يتذرع بها المعاندون مرتبطة بواقع تاريخي معين او انها احاديث موضوعة في زمن الانحراف التاريخي، او الانهيار السياسي وتفشي الامية الذي استمر الف عام.
لقد ضرب الله قصة مريم (عليها السلام) وقصة امراة فرعون مثلا للمؤمنين والمؤمنات، وجعلهما قدوة وانموذجا امثل للرجال وللنساء، ويحدثنا التاريخ الاسلامي الاول عن نماذج لا تقل قيمة وفاعلية عن الرجال ان لم تتفوق على معظمهم.
يكفي ذكر السيدة خديجة والزهراء(س) وموقفها من قضية فدك وموقفها من الخلافة وخطبتها البليغة التي وضحت فيهاموقفها، و«ام سلمة» ودورها في حل المعضلة السياسية التي رافقت غزوة الحديبية، وموقفها من معركة الجمل، وموقف «زينب»(س) وخطبتها في محضر يزيد، وموقف خولة بنت الازور، ولا ننسى ان ثلث السنة النبوية المصدر الثاني في التشريع عند معظم المذاهب الاسلامية منقول عن عائشة (رض)، وفي العصر الحديث، الا يكفي ما فعلته المراة الايرانية من اجل الثورة، وما تفعله نساء فلسطين اليوم؟ كما ان الله عز وجل ذكر في القرآن، في سورة النحل، حالة امراة حاكمة هي بلقيس عاملهاسليمان(ع) معاملة الند للند..وكان رايها عاقلا متزنا، استشارت قومها، واتخذت قرارا يدل على شخصية عاقلة، تحسب للامور حساباتها الدقيقة قبل ان تتخذ اي قرار، وهذا مثل يبين ان المراة الحكيمة يمكن ان تكون من ضمن النخبة التي تقرر مصير المجتمع. وقداثبتت حركة التاريخ في العصور المتاخرة، وجود نماذج اثبتن فاعليتهن السياسية والعلمية والثقافية والادارية والاجتماعية حين توافرت لهن ظروف التوازن والابداع.
العلاقة الزوجية
اما بالنسبة الى العلاقة الزوجية فقد حدد القرآن انها يجب ان تكون مبنية على المودة والرحمة، لذلك فان كل زواج يخلومن المودة والرحمة ويبنى على مطامع مادية او معنوية ليس زواجا اسلاميا (هن لباس لكم وانتم لباس لهن)[البقرة:187] (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة، ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون) [الروم:20] (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها) [الاعراف:189] (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا) [النساء:1].
ان المجتمع القرآني هو مجتمع الجنسين، يقوم كل من المراة والرجل بواجباته الخاصة، وهذا النظام يؤمن سلامة المجتمع ورفاهه وهو في صالح اعضاء المجتمع جميعهم، وفي مجال تقسيم العمل، فان المسؤولية الاقتصادية ملقاة على عاتق الرجل اكثر من المراة. اما عن دور المراة فقد قال تعالى: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين، لمن ارادان يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس الا وسعها، لا تضار والدة بولدها، ولامولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك، فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما، وان اردتم ان تسترضعوا اولادكم فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، واتقوا الله، واعلموا ان الله بما تعملون بصير)[البقرة:233].
لقد حمل القرآن مسؤولية ادارة هذه المؤسسة التي هي الاسرة للرجل وحمله مسؤولية الانفاق شريطة ان يكون عاقلاتقيا، لان الله عز وجل فضل الناس على بعضهم بالتقوى والتعقل:
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فان اطعنكم فلا تبغواعليهن سبيلا، ان الله كان عليا كبيرا) [النساء:34].
ان شرط قيمومة الرجل التقوى والتعقل والانفاق، ولا تبطل ما للمراة من الاستقلال في الارادة الفردية بان تريد ما احبت وتفعل ما شاءت من غير ان يحق للرجل ان يعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر((282)). اضافة الى ان كلمة «قوام» لاتعني التسلط الاستبدادي، بل تعني نهوض فرد لحماية فرد آخر ومساعدته: ان وضع مسؤولية الانفاق بيد الزوج فيهاصلاح العائلة، ومصلحة الاولاد تقتضي ان تتفرغ الام لابنائها في مرحلة الطفولة المبكرة، والزوج ينفق على العائلة بدلامن ان تهمل الاطفال الصغار او الرضع، لتخفف عن الزوج الاعباء المالية، فيقع عليها ظلم مضاعف وتستغل مرتين في البيت وخارجه، وتتشتت العائلة.
لكن سوء تطبيق مفهوم القوامة بشكل تعسفي، هو سوء استغلال للسلطة او للموقع، كما هو واقع الحال في جميع مجالات الحياة. قديما وحديثا.. والامر كله مرتبط بالتقوى التي هي وحدها ميزان التفاضل بين الناس.
ان موضوع الزواج يستدعي كلاما على موضوع الطلاق، الذي صار بدوره وسيلة من وسائل التعسف والاجحاف اللاحقين بالمراة وسلسلة المشاكل التي يخلقها الزوج الذي بيده الحل والربط، والضغوط المادية والمعنوية التي يمارسها الرجل ومحيطه والمجتمع ككل على المراة المطلقة. وقد قال تعالى: (فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاورفلا جناح عليهما) [البقرة:233] وقال: (الطلاق مرتان، فامساك بمعروف او تسريح باحسان) [البقرة:225] (يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، الا ان ياتين بفاحشة مبينة، وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن، فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) [النساء:19].
(وان اردتم استبدال زوج مكان زوج، واتيتم احداهن قنطارا، فلا تاخذوا منه شيئا، اتاخذونه بهتانا واثما مبينا، وكيف تاخذونه، وقد افضى بعضكم الى بعض، واخذن منكم ميثاقا غليظا) [النساء:22].
اما السائد المخالف للدين صراحة، على الرغم من ان آيات الاحكام هذه محكمة وليست من المتشابه ولا تحتمل التاويل، فالذنب فيه يقع على عاتق من بيدهم الحل والربط طالما ان المجتمع ليس مجتمع اتقياء، يخافون الله عز وجل،هذه المشكلات حلت في ايران بعد الثورة الاسلامية، بوضع شروط ضمن العقد بحسب مواد القانون المدني((283))، امافي الدول الاسلامية الاخرى فلا تزال هنالك ممارسات لا اسلامية يجب على القيمين على الدين العمل على الغائها اوتطويرها نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- الطلاق الشفوي عند بعض المذاهب الاسلامية الذي يعد من اللغو ولا اساس له في النص القرآني.
- الطلاق الغيابي الذي يعترف به بعض الفقهاء على الرغم من مخالفته للنص.
- مفهوم بيت الطاعة، والنفقة الهزيلة، ومفهوم التعددية العشوائي والطلاق التعسفي.
- اضطهاد المراة الى درجة تصبح فيها مستعدة للتنازل عن المهر وعن اكثر منه.
لا بد من ان نشير هنا الى موضوع تعدد الزوجات وتطبيقه المخالف للنص جملة وتفصيلا على الرغم من وضوح النص لمن يعرف العربية ويعرف دور الغاء الرابطة لجواب الشرط في قوله تعالى: (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى انكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم الا تعدلوا فواحدة، ذلك ادنى الا تعدلوا) [النساء:3].
وقد جاءت هذه الاية معطوفة على التي قبلها في قوله «وان» والتي قبلها وردت بحق اليتامى في قوله تعالى: (واتوا اليتامى اموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تاكلوا اموالهم الى اموالكم انه كان حوبا كبيرا) [النساء:2].
اتساءل: كيف فهم من هذه الاية السماح بالتعدد، من دون قيد او شرط، وامثلة التعدد المعروفة في مجتمعاتنا لا توحي بالثقة، ومن يستطع ان يقدم مثلا على التعدد (لدى غير المعصومين) الذي استطاع من قام به ان يعدل في الحدود الدنيابين نسائه وبين اولاده من امهات مختلفات، فليدل بدلوه ويذكره لنا، علما ان هنالك شواهد لا تحصى عن رجال اوفقهاء عدول من الناحية الفقهية ولكن التمييز كان بينا بين اولادهم بحسب مكانة الام لدى الزوج فكيف بغيرالعدول؟
الاسلام دين العدل، كما امر الله عز وجل في آيات لا تعد ولا تحصى.
(ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما، وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما) [النساء: 129و130].
الكلام عربي واضح لا مجاز فيه ولا يحتمل التاويل! اما الذين تزوجوا اربع نساء اسوة بالنبي فكانهم لم يقراوا قوله عزوجل: (ما كان على النبي من حرج في ما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان امر الله قدرا مقدورا)[الاحزاب:38].
وقوله: (يا نساء النبي لستن كاحد من النساء) [الاحزاب:32].
الارث
ان قانون الارث في الاسلام نسخ القوانين التي كانت سائدة في المجتمعات المختلفة قبله، وقد كان السائد في معظم الامم ان النساء كن يحرمن من الارث وكذلك صغار الابناء، وكانت الحصة الاساسية في الارث عند العرب قبل الاسلام هي لارشد الابناء ومن يستطيع منهم ان يدافع عن الحرمات، ما فعله الاسلام انه بنى الارث على الرحم التي هي من الفطرة والخلقة الثابتة، والغى ارث الادعياء، ثم اخرج الوصية من تحت عنوان الارث وافرد لها عنوانا مستقلا. والاحكام القرآنية تؤكد على ضرورة التلاحم بين اعضاء الاسرة الواسعة وتحث على تقويتها:
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، مما قل منه او كثر نصيبامفروضا) [النساء:7].
(واذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا قولا معروفا، وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم، فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) [النساء:8و9].
وقال تعالى: (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين، فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وان كانت واحدة فلها النصف، ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له اخوة فلامه السدس من بعدوصية يوصي بها او دين، آباؤكم وابناؤكم لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا، فريضة من الله، ان الله كان عليما حكيما)[النساء:11].
وقال تعالى: (يستفتونك، قل: الله يفتيكم في الكلالة، ان امرؤ هلك، ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها،ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين، يبين اللهلكم ان تضلوا والله بكل شيء عليم) [النساء:176] (كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين، فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم، فمن خاف من موص حنقا او اثما فاصلح بينهم فلا اثم عليه، ان الله غفور رحيم) [البقرة:180-182].
(ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته امه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [الاحقاف:15].
ان آيات الارث آيات حدودية حيث اعطى الله للانثى نصف حصة الذكر حدا ادنى، وهذا الحد الادنى في حالة عدم مشاركة المراة في المسؤولية المالية للاسرة، اما في حالة المشاركة وعلى افتراض ان ابنه المورث ارملة تربي ايتاما، فاقرب للتقوى، وتطبيقا لفريضة العدل، يمكن للاب التقي العادل، او الفقيه التقي العادل، ان يساوي بينها وبين اخيها، لايجوز له تعدي الحدود الدنيا او العليا، ولكن بامكانه التحرك ضمن الحدين الادنى او الاعلى بحسب نسبة المشاركة وماتفرضه الظروف الموضوعية.
لباس المراة والرجل وسلوكهما الاجتماعي
جاء الكلام على لباس المراة في آيتين حدوديتين في سورة النور والتي تبدا بقوله تعالى: (سورة انزلناها وفرضناها،وانزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) [النور:1].
يقول الله عز وجل بالنسبة الى الرجل: (قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم، ان الله خبيريما يصنعون) [النور:30]، (وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او آبائهن او آباء بعولتهن، او ابنائهن او ابناء بعولتهن اواخوانهن او بني اخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت ايمانهن او التابعين غير اولي الاربة من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون) [النور:31].
اي ان المؤمنين والمؤمنات المهذبين يغضون من ابصارهم ويحفظون فروجهم وذلك من الفرائض، والفريضة الثالثة المتعلقة بالمراة دون الرجل هي ان لا تبدي من زينتها ما خفي منها (وهنا يقع وجه الخلاف بين الفقهاء) حول الزينة الظاهرة والزينة المخفية: وهل الزينة الظاهرة ما ظهر من زينة المراة بالخلق، والزينة المخفية هي الجيوب المستورة (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، ام غير ذلك؟
المراة المسلمة والقضاء
اختلف الفقهاء المسلمون ولا يزالون حول مسالة شرعية اسهام المراة المسلمة في الحقل العام عبر شغلها بعض المناصب التي تعد حساسة كالوزارة او الرئاسة او القضاء.
الذين يرون عدم اهلية المراة لهذه المواقع وبخاصة القضاء، يستندون الى اهلية المراة للشهادة التي جاءت في سياق قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل... واستشهدواشهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء، ان تضل احداهما فتذكر احداهماالاخرى) [البقرة:282].
وواضح هنا ان الموضوع متعلق بالصدقات والتجارة والرهن. اي ان هذا الامر مرتبط بالحق المالي.
كما ان المعارضين يستندون الى الاعراف التي ترى الى المراة مخلوقا فاقدا الاهلية، والتي دلت الوقائع على تهافتها..وهم يجعلون الذكورة شرطا من جملة شروط هي الذكورة والعقل والبلوغ والاسلام، وان يكون سميعا بصيرا ناطقا عالما بالاحكام الشرعية، وهذه الشروط متفق عليها جميعا ما عدا شرط الذكورة الذي اختلف فيه الاحناف مع الاخرين ولم يوجبوا ان يكون القاضي ذكرا((284)) في قضايا الاموال او ما يسمى اليوم بالقضاء المدني، واتفقوا مع الاخرين في ما اذاكان القضاء جنائيا.
وقد احتج الجمهور في ما ذهبوا اليه بقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وقالوا: ان ولاية القضاء تحتاج الى راي سديد ناضج والمراة قد يفوتها شيء من الوقائع بسبب نسيانها فيكون حكمها جورا، وهي لا تصلح للولاية العامة لقول النبي: «لن يفلح قوم ولوا امرهم امراة».
فاما حملهم الاية القرآنية: (الرجال قوامون على النساء...) على منع المراة من تولي منصب القضاء، او غيره من مناصب الولاية العامة، فهو في غير موضعه مطلقا، لان الاية تتحدث عن علاقة الرجل بالمراة في المؤسسة الزوجية، كما ذكرناسابقا، اما احتجاجهم بحديث الرسول ففي غير محله ايضا، لان الحديث جاء على سبيل البشارة للمسلمين بان دولة فارس ستزول، وليس فيه دليل على عدم جواز تولي المراة القضاء او المناصب العامة. اما القول ان القضاء ولاية تحتاج الى راي سديد ناضج يصعب ان يصدر عن المراة، فمن قال لهم ذلك؟ ومن قال ان القضاة الذكور غير معرضين للنسيان، وانهم يعتمدون على الذاكرة في حفظ الوقائع واسترجاعها قبل الحكم؟
ذلك كله يجعلنا نعيد القول الذي بدانا به حديثنا، وهو ان الحاجة ماسة الى وضع اسس جديدة للفقه الاسلامي، ومنه الفقه الخاص بالمراة ياخذ في الاعتبار معنى الحدود في التشريع، والظروف الموضوعية المستجدة، تطبيقا لمفهوم العدل في الاسلام، وتطبيقا لقوله عز وجل: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم).
مسالة الحجاب في القرآن
وقفة مع د. محمد شحرور السيد مهدي الامين
تمهيد
لا يعد البحث، في مسالة الحجاب، امرا جديدا، وقد يرى فيه بعضهم بحثا كثر الكلام فيه. لكن، وان كان الامر يبدو كذلك، للوهلة الاولى، الا اننا، وبعد الاطلاع على ما يطرح اليوم من آراء في مسالة الحجاب، نرى ان النظرة سوف تتبدل، خصوصا مع ملاحظة ان اكثر الذين يدعون عدم وجوب الحجاب يستندون الى القرآن في ذلك، وجلهم يحمل شعار التجديد في الفكر الاسلامي والحرص على قراءة التراث قراءة معاصرة تعيد للاسلام مجده وصدارته.
يتحدث بعضهم عن الحجاب بوصفه صفة من صفات التحجر الفكري، وهذا الفهم ناجم عن عدم فهم الاسلام على حقيقته وعدم قراءة النص القرآني قراءة صحيحة. وفي هذا الصدد، يرى الصادق النيهوم ان الحجاب تقليد من التقاليداليهودية التي دخلت على اهل الصحراء العربية عبر احد الكهنة العبرانيين، ومن ثم انتقلت، بعد ذلك، الى الاسلام مثلهامثل الكثير من العادات الاخرى((285)). ويرى ان المراة المحجبة ليست امراة ورعة، بل هي امراة مسحورة تعرضت لحرب نفسية رهيبة ادت الى شل عقلها وتدنيس جسدها((286)).
ويذهب محمد شحرور الى ان القرآن لم يدع المراة المسلمة الى الحجاب، وان ما فهمه الفقهاء من الايات الواردة في مسالة الحجاب كان خطا، وهذا ما سوف نفرد له مناقشة خاصة في هذا البحث. وقد تطرق د. نصر حامد ابو زيد لهذه المسالة، وراى ان الحجاب الخارجي للمراة - اي تغطية الجسد والراس - هو تجسيد رمزي لكل معاني التغطية العقلية والاجتماعية لها((287)).
والملاحظ ان هذه النظرة للحجاب اخذت تنتشر بين الكثير من الكتاب والمفكرين المسلمين، وكان قد اسس لهامجموعة من المفكرين في بدايات هذا القرن واواخر القرن الماضي، وكان من ابرزهم الكاتب المصري قاسم امين(18651908 ) - الذي اولى اهتماما كبيرا لقضية المراة وتحريرها، وكان له كتابان في هذا المجال.
يتناول قاسم امين مسالة الحجاب، من الوجهتين: الدينية والاجتماعية، فمن الوجهة الاولى يقرر مسبقا انه لو كان في النصوص الدينية ما يتصل مباشرة بالحجاب لاحجم عن البحث، لان الاوامر الالهية يجب الاذعان لها من دون بحث ولامناقشة((288))، ومن الوجهة الثانية كان يرى ان «الحجاب هو من العادات التي عرضت للمسلمين من جراء مخاطبة بعض الامم الاخرى، لكنهم - اي المسلمين - البسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت من الناس باسم الدين،لذلك لا نرى مانعا من البحث فيها»((289)).
حول تاريخ الحجاب
لم تكن مسالة الحجاب وليدة التشريع الاسلامي، بل كانت معروفة في الاديان والامم السابقة، فقد تشددت الديانة اليهودية، في الحجاب، تشددا بالغا، وكذلك المجوسية، فقد كانت المراة في بلاد فارس تحجب حتى عن محارمها كالاب والاخ والعم والخال، فلم يكن لها الحق في رؤية احد من الرجال اطلاقا((290)). وقد عرف الرومان ايضا هذه الظاهرة. يقول جواهر لال نهرو، في معرض حديثه عن نشوء ظاهرة الحجاب، في الهند: «ان هذه الظاهرة تسربت الى الهند بسبب نفوذ الامبراطوريتين الفارسية والرومانية؛ حيث كانت عادة الحجاب منتشرة فيهما»((291)).
وقد عزا بعض المؤرخين نشوء ظاهرة الحجاب، في الامم والاديان السابقة، الى انحطاط قيمة المراة في تلك المجتمعات، وذلك لما لاحظوه من عدم انفكاك بين ظاهرة الحجاب (الستر) وظاهرة (الحجب)، اي حجب المراة عن المجتمع الذي تعيش فيه، فان هاتين الظاهرتين هما في الواقع ظاهرتان منفصلتان ووجود احداهما لا يعني بالضرورة وجود الثانية، لكن، ولكثرة اجتماعهما وتلازمهما في الامم والاديان والمجتمعات السابقة، ولد عند الباحثين في هذاالمجال نوعا من الارتباط بينهما، ما كان له اثر سلبي على النظرة الى مفهوم الحجاب في الاسلام.
احصى الباحثون جذورا كثيرة لنشوء ظاهرة الحجاب في المجتمعات القديمة والحديثة، فمنها ما هو اقتصادي، ومنها ماهو اخلاقي، ومنها ما هو فلسفي او سياسي او نفسي((292)). وقد ثبتت هذه الجذور لابراز الحجاب بوصفه عملا ظالما بحق المراة وممارسة جاهلية تتنافى مع التطور الحاصل في مجال الحقوق عموما، وحقوق المراة بشكل خاص. واخذابراز هذه الجذور اصولا لمسالة الحجاب منحى سلبيا في بحث المسالة، وهنا ايضا وقع المحللون في ما اشرنا اليه مؤخرا، وهو مشكلة عدم الفصل بين ظاهرة الستر وظاهرة الحجب؛ حيث ان الباحثين تناولوا ظاهرة الستر بوصفها ظاهرة حجب للمراة عن المجتمع الذي تعيش فيه.
وهنا لا بد لنا من الاشارة الى ان مسالة الحجاب يجب ان تتناول بشكل موضوعي خارج عن النظرة القبلية التي يحملها الباحث. فان الاسلام - وهو يدعو الى الحجاب - قد يتفق مع الكثيرين في موقفهم من «ظاهرة الحجب»، الا انه لا يرى انه من الصواب تعميم هذه النظرة لتشمله، لانه يدعو الى «ظاهرة الستر» التي يتوخى من خلالها آثارا اجتماعية ايجابية تكون المراة اهم المستفيدين منها. وهذا طرح جدير باهتمام الباحث، ففي البحث الموضوعي لمسالة الحجاب يجب التفريق بين نظرة الاسلام، وغيرها من النظرات، الى المسالة، ويجب ان نفصل بين المجتمعات التي كانت الظاهرة فيهاذات مناشى اخرى، ويجب الفصل، ايضا، بين نظرة الاديان كل على حدة، الى هذه المسالة. ومن غير الموضوعي ان يخرج الباحث بنظرة واحدة تشمل الجميع على اختلاف المناشى، ثم تعم النتيجة تلقائيا على اي مجتمع وجدت فيه ظاهرة الحجاب.
وعندما نريد ان نبحث مسالة الحجاب، في الشريعة الاسلامية، علينا ان نتناول المسالة كما شرعها الاسلام، وكما ارادها،ثم نحاول ان نفهم ما هي الامور التي توخاها الاسلام من هذا التشريع، ثم بعد ذلك نستكشف ما اراده الاسلام: هل هو«حالة حجب» للمراة او انه «حالة ستر» لها، وهو ما يستلزم الاطلاع على الحقوق التي شرعها الاسلام للمراة على المتسويين الاسري والاجتماعي، ثم بعد ذلك ينتقل الباحث الى تطبيقات هذا التشريع. وهذا مجال آخر للدراسة، فان التطبيق، في هذا المجال، سوف تختلف اشكاله باختلاف مستوى المجتمع الذي يطبق فيه ثقافيا وحضاريا...
تعميم المفهوم اليهودي للحجاب
لعل الانموذج اليهودي للحجاب هو اكثر النماذج تشددا وتخلفا واكثرها حجبا للمراة عن المجتمع؛ حيث ان اليهودعزلوا المراة نهائيا عن المشاركة في الحياة الاجتماعية، يقول ول ديورانت:
«كان في وسع الرجل ان يطلق زوجته، اذا عصت اوامر الشريعة اليهودية بان سارت امام الناس عارية الراس، او غزلت الخيط في الطريق العام، او تحدثت الى مختلف اصناف الناس، او اذا كانت عالية الصوت، اي اذا كانت تتحدث في بيتها بحيث يستطيع جيرانها سماعها، ولم يكن عليه - اي الزوج - في هذه الاحوال ان يدفع لها بائنتها»((293)).
وقد ورد في سنن ابي داود، في سبب نزول آية (ويسالونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض...)، عن انس بن مالك، ان اليهود كانوا اذا حاضت منهم المراة اخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها جاي يجتمعوا معهاج في البيت، فسئل رسول الله عن ذلك، فانزل الله سبحانه (ويسالونك عن المحيض...) الى آخر الاية. فقال رسول الله(ص): جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح((294)).
الظاهر ان المطلع على هذا الانموذج سوف يخرج بانطباع سيء ومشوه عن فكرة الحجاب، حيث ان الفكرة هنا تعدت مسالة الستر لتصبح المسالة مسالة حقوق المراة في ظل هذه الظروف المحيطة بها، فان هذه التشريعات تمس المراة في وضعها الاجتماعي، فان عزل المراة كليا عن محيطها انما يكون ناشئا من النظر اليها بوصفها عنصرا في المجتمع، ولايكون ناشئا من مسالة الستر ولا يكون علاج هذه الحالة بمحاربة الحجاب، فان عزل المراة عن زوجها ومحيطها لمجردانها حائض يكشف عن ان المراة في ذلك المجتمع كان ينظر اليها على انها انسان ناقص وحقير بالنسبة الى الرجل، بل الى المراة نفسها، فان هذه النظرة لها سوف تقنعها بهذا، وسوف ترى في نفسها نقصا عضويا يميزها من الرجل، وهذاالاحساس كفيل بان يؤمن الارضية النفسية لها لكي تقبل هذه العزلة المفروضة عليها، وتصبح حالة طبيعية مقبولة داخل المجتمع.
ومن هنا نطرح تساؤلنا: لماذا نحمل الاسلام كل هذا التشويه الذي حصل عبر التاريخ؟ ولماذا ننظر الى الستر المفروض في الاسلام، بوصفه الحجاب الذي كان مفروضا في الديانة اليهودية، او الذي كان موجودا عند الفرس او غيرهم؟ والسبب يكمن في عدم التفكيك بين «مفهوم الستر» الذي فرضه الاسلام و«مفهوم الحجب» الذي نقله لنا التاريخ عن الامم والاديان السابقة، والذي قد يكون موجودا في بعض مجتمعاتنا الاسلامية الضيقة التي اساءت الى الاسلام من خلال هذا التطبيق السيء لمفهوم الستر.
الحجاب في الاسلام
قد لا يخلو اصطلاح «الحجاب»، في الشريعة الاسلامية، من تسامح، والاجدر ان يعبر عنه ب «الستر»، فالحجاب امرخاص بنساء النبي(ص)، كما ورد في القرآن الكريم: (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم... واذا سالتموهن متاعا فاسالوهن من وراء حجاب) [الاحزاب:53]. وقال تعالى: (يا نساء النبي لستن كاحد من النساء)[الاحزاب:32]، فان هذا المنع من الاتصال المباشر بين المؤمنين ونساء النبي لا يمكن تعميمه على النساء جميعهن؛ اذان الاية واضحة في تخصيص هذا الحكم بهن. ومن هذا الباب كان من الافضل الاصطلاح بالستر من دون الحجاب، ولكن طالما ان الباحثين اصطلحوا على هذه المسالة بالحجاب، في اكثر الاحيان، فلا اشكال في الاصطلاح، وهذا لايغير في المفهوم الاسلامي للستر في شيء.
ثم انه لا بد هنا من الاشارة الى مسالة مهمة، وهي ان مسالة الحجاب - اي وجوب الستر وعدم ابداء الزينة - هي تشريع مستقل عن باقي التشريعات الاخرى، وذلك اننا عندما نلحظ تشريع الاسلام، لمسالة الحجاب، نرى ان هذا التشريع في حدوده - اقتصر على وجوب ستر المراة جسدها وراسها امام الاجنبي من دون التعرض الى لوازم اخرى مثل الخروج من المنزل او العمل او...، وان التشريعات الاخرى، من قبيل منع الخلوة بين الرجل والمراة، او الاحكام الخاصة بالعفة وحفظ الفرج وغض البصر... هذه احكام خوطب فيها الرجل كما خوطبت فيها المراة من دون تمييز بينهما.
ان الباحث الذي يريد ان يبحث مسالة الحجاب في الشريعة الاسلامية يجب ان يتناول، اولا، اصل التشريع - وهو سترالمراة راسها وجسدها - بغض النظر عن التطبيق، اي يتناول هذا التشريع بشكل نظري ويرى مدى تناسبه مع منظومة التشريعات الاسلامية الاخرى، وما هي الامور التي توخاها هذا التشريع، ومن ثم اذا اراد دراسة انموذج تطبيقي لهذاالتشريع، فان عليه ان يكون دقيقا في اختيار النماذج التي يريد دراستها بان تكون متنوعة من حيث الوعي والثقافة والمعرفة والالتزام الديني، اذ اننا نلاحظ ان هنالك تفاوتا كبيرا بين مجتمع وآخر في مسالة تطبيق مفهوم الحجاب ومنشا الالتزام به.
الستر في القرآن
(وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او آبائهن او آباء بعولتهن او ابنائهن او ابناء بعولتهن او اخوانهن او بني اخوانهن اوبني اخواتهن او نسائهن، او ما ملكت ايمانهن او التابعين غير اولي الاربة من الرجال، او الطفل، الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون) [النور/31].
لا بد لنا من بحث عدة نقاط لمعرفة ما هي الحدود التي فرضها الله على زي المراة:
النقطة الاولى
تفرض علينا هذه الاية الكريمة ان نعود الى المجتمع الذي نزلت فيه؛ وذلك لانها نزلت عليه، وحددت حدود اللباس طبقا لما كان متعارفا لبسه في تلك المرحلة.
ولا يمكن ان نبين فهمنا للاية وحدود الزي من دون ان نعود الى المجتمع الذي نزلت فيه، وبعد تحديد الزي يمكنناتعميم هذه الحدود على اي مجتمع آخر في اي زمان كان، وذلك لان هذه الاية تتكلم على ستر جسد المراة، وهو لايتغير، وما يتغير هو الزي وطريقة الستر، ومن اليسير تحديد الزي طبقا لهذه الحدود مهما تغيرت الازياء وتطورت.
لباس المراة في الجاهلية
يظهر، بعد مراجعة بعض المصادر، ان المراة في زمن الجاهلية، والى ما بعد الهجرة، اي الى زمن نزول الاية، لم تكن تهتم كثيرا((295)) بمسالة الستر.
قال الزمخشري: «كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة»((296)).
ويقول ايضا: «كانت المراة تضرب الارض برجلها ليتقعقع خلخالها»((297)).
قال الغرناطي: «كن في ذلك الزمان يلبسن ثيابا واسعات الجيوب تظهر منها صدورهن، وكن اذا غطين رؤوسهن بالاخمرة يسدلنها من وراء الظهر فيبقى الصدر والعنق والاذنان لا ستر عليها»((298)).
قال الفخر الرازي: «ان نساء الجاهلية كن يشددن خمرهن من خلفهن، وان جيوبهن كانت من قدام، فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن»((299)).
ان ما نقلناه هنا يوضح لنا كيفية اللباس وكيفية اهتمام المراة بالستر في ذلك الوقت، بالاضافة الى ان الخمار نفسه لم يكن امرا ملزما للمراة، بل كانت بعض النساء تخرج من دون خمار في غير ايام الحر؛ حيث كن يختمرن اتقاء الحر، ولم يكن الخمار امرا مشرعا في دين الجاهليين او عرفهم، ولذلك قال الغرناطي «كن اذا غطين رؤوسهن بالاخمرة...»، فانه يظهر انه لم تكن المراة تستعمل الخمار دائما.
ويظهر، هذا الامر ايضا، مما نقل عن عائشة قولها: «ما رايت خيرا من نساء الانصار، لما نزلت هذه الاية (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، قامت كل واحدة منهن الى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرت، فاصبحن على رؤوسهن الغربان»((300)).
حيث انها قالت: «فاختمرت»، ولم تقل «فاصلحت خمارها»، او غيرها من التعابير، ما يدل على ان بعض نساء الانصار لم يكن مختمرات قبل نزول الاية وتشريع الحجاب.
النقطة الثانية: الزينة
في معنى الزينة
الزينة لغة: اسم جامع لكل شيء يتزين به، والزينة ما يتزين به((301)).
اما استعمالها، فقد استعملت في كثير من المواضع بمعان مختلفة ومتفاوتة:
قال تعالى: (الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) [النحل:8].
وقال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) [الاعراف:31].
نلاحظ، هنا، ان الزينة عبارة عن اشياء يستعملها الانسان، ففي الاية الاولى الزينة هي الحيوان المركوب نفسه وفي الاية الثانية الزينة هي الثياب. ويمكن ان تكون الزينة بمعنى المكان، فيكون المكان نفسه زينة، وذلك كالاماكن التي تكون بطبيعتها جميلة وملفتة كما تقول: تزينت الارض، وازينت اي حسنت. ويمكن ان تشمل الشيئية والمكانية معا كقوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق) [الاعراف:32]، فانها تشمل الاثنين معا، فزينة الله الواردة في الاية تشمل الشيء والمكان وغيرهما ايضا.
وفي الاية التي نحن في صددها اختلف في تفسير معنى الزينة، فذهب اكثر المفسرين الى ان الزينة هي ما تتزين به المراة من حلي او كحل او خضاب... وانه تعالى ذكر الزينة واراد مواضعها للمبالغة في الامر بالتصون والتستر((302)). وذهب بعض المفسرين الى ان الزينة هي جسد المراة كله((303)).
والظاهر ان المراد من الزينة هنا هو الزينة الطارئة على الجسد، وهي ما تتزين به المراة، ومن ثم يكون المقصود هومواضع الزينة، كما ذهب اليه اكثر المفسرين واللغويين، لكونها في اللغة «اسم لما تزين به»((304)). والجسد لا يتزين به، بل يكون موضعا للزينة وان استعمل في بعض الاحيان على انه زينة، فهذا يكون من باب مناسبة الحال والمحل.
التعليقات (0)