بمناسبة حلول شهر محرم الحرام
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
لقد أتيحت لي هذه الفرصة المتزامنة مع قرب حلول شهر محرم, وأيام عاشوراء الحماسية والمملؤة بالحيوية؛ لأكون في خدمتكم أيها الأعزاء ـ الفضلاء والخطباء والوعّاظ ومحيي القلوب والعقول والأفكار.
أشكركم على تحمّلكم الأعباء وتفضلكم بالمجيء، خصوصاً الإخوة الأعزاء الذين شرّفونا من قم المقدسة.
سوف أتحدث ـ قليلاً ـ عن قضية عاشوراء أولاً, وعن مسألة التبليغ ثانياً:
إنَّ قضية عاشوراء التي سوف أتحدث عنها ـ بمقدار سطر من سجل كبير ـ لم تكن واقعة تاريخية بحتة، بل هي ثقافة وحركة مستمرة, وقدوة خالدة للأمة الإسلامية.
إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) إستطاع من خلال نهضته ـ التي كان لها في ذلك الوقت باعثاً عقلائياً ومنطقياً واضحاً جداً ـ أن يرسم نموذجاً ويتركه للأمة الإسلامية.
إنَّ هذا النموذج لا يتمثّل في نيل الشهادة فحسب، بل أمرٌ متداخل ومعقد وعميق جداً.
إنَّ لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاث عناصر هي: المنطق والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف.
إنّ عنصر المنطق والعقل في هذه النهضة يتجلّى من خلال كلمات ذلك العظيم، فكل فقرة من كلماته النورانية التي نطق بها (عليه السلام) ـ سواء قبل نهضته, عندما كان في المدينة, والى يوم شهادته ـ تُعرب عن منطق متين، خلاصته: إنّه عندما تتوفر الشروط المناسبة يتوجَّب على المسلم تحمّل المسؤولية، سواء أدّى ذلك الى مخاطر جسيمة أم لا.
وإنَّ أعظم المخاطر تتمثل في تقديم الإنسان نفسه وأعزائه وأهل بيته المقربين ـ زوجته وأخواته وأولاده وبناته ـ الى أرض المعركة وفي معرض السبي قربة لله.
إنَّ مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمراً طبيعياً عندنا؛ لكثرة تكرراها، مع أنَّ كل موقف من هذه المواقف يهزّ الأعماق.
بناءً على ذلك، عندما تتوفر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر، فعلى الإنسان أن يؤدي وظيفته، وأن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلق بالدنيا والمجاملات وطلب الملذات والخلود الى الراحة الجسمانية، بل عليه أن يتحرّك لأداء وظيفته.
فلو أنه تقاعس عن الحركة، نتج عن ذلك تزلزلاً في أركان إيمانه وإسلامه، «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله): من رأى سلطانا جائرا مستحلاً لحرم اللَّه و لم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقّا على اللَّه أن يدخله مدخله».
هذا هو المنطق، فلو أن أصل الدين تعرض الى خطر ـ كما حصل في فاجعة كربلاء ـ ولم يُغيّر ذلك بقول أو فعل، كان حقاً على الله أن يبتلي الإنسان اللاأبالي والغير ملتزم بما يُبتلى به العدو المستكبر والظالم.
لقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) هذه المسؤولية من خلال كلماته المختلفة ـ في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي أماكن كثيرة خلال مسيره، وبيّن ذلك في وصيته الى أخيه محمد بن الحنفية.
لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) على علم بعاقبة هذا الأمر، وينبغي أن لا يُتصور أنَّ الإمام (عليه السلام) علّق آماله للحصول على السلطة ـ وإن كانت هذه السلطة من الأهداف المقدسة ـ وتحرّك من أجل ذلك، كلا، فليس هناك رؤية فكرية تستوجب علينا أن نعتقد بذلك؛ لأنَّ عاقبة هذا الطريق متوقعة وواضحة على طبق الحسابات الدقيقة للإمام الحسين (عليه السلام) والرؤية الإمامية، إلا أنَّ أهمية المسألة تتأتى من هذا الجانب, وهو أنَّ شخصاً يمتلك روحاً بعظمة روح الإمام الحسين (عليه السلام) ويتعرض لِما تعرض له (عليه السلام) من التضحية بالنفس, وجرّها الى ساحة الحرب، يعتبر درساً عملياً بالنسبة للمسلمين الى يوم القيامة، وليس درساً نظرياً يُكتب على لوحة الكتابة ثم يُمحى، كلا، فقد خُطَّ هذا النهج بأمر إلهي على صفحات جبين التاريخ، ونودي به، وأدى ثماره الى يومنا هذا.
إنّ نهضة الإمام الخميني (قدس سره) في محرم عام 1962م التي نتجت عنها واقعة الخامس عشر من خرداد العظيمة، إستُلهمت من ثمـار التطبيق العملي لدرس عاشوراء، وكذلك في محرم 1978م استلهم إمامنا العزيز نهضته منها حيث قال: (لقد انتصر الدم على السيف).
وأدّت هذه الحادثة التاريخية ـ التي ليس لها نظير في التاريخ ـ الى انتصار الثورة الإسلامية.
هذا ما تحقق في عصرنا، وأمام أعيننا، وإنَّ راية الفتح والظفر التي حملها الإمام الحسين (عليه السلام) ماثلة للشعوب على مرّ التاريخ، ولابد أن تكون كذلك في المستقبل، وهو ما سوف يكون إن شاء الله تعالى، هذا جانب المنطق العقلائي والإستدلاي لحركة الإمام الحسين (عليه السلام).
بناءً على ذلك، فلا ينحصر تفسير نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) على صعيد الجانب العاطفي، فهذا الجانب غير قادر على تفسير جوانب الواقعة لوحده.
العنصر الثاني: الحماسة؛ أي أنَّ العملية الجهادية الملقاة على عاتقنا، يجب أن تقترن بالعزة الإسلامية؛ لأنَّ؛ {لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[1]، وعلى المسلمين في نفس الوقت الذي يتحركون فيه نحو الهدف, ويتحمّلون المسؤولية الجهادية، أن يحافظوا على عزّتهم وعزّة الإسلام، ولابد أن يتحلّى الشخص بسمات الشموخ والعزة في أشد الأزمات.
فلو أننا نظرنا الى الصراعات السياسية والعسكرية المختلفة في تاريخنا المعاصر، سوف نجد حتى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح ويواجهون الحرب بأبدانهم، يُعرِّضون أنفسهم أحياناً الى مواقف الذلّة، إلا أنَّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة عاشوراء، فعندما يطلب الإمام الحسين (عليه السلام) أن يمهلوه ليلة واحدة، يطلبها من موقع العزّة، وفي الوقت الذي يقول: (هل من ناصرٍ ينصرنا) ـ يطلب النصرة ـ يطلبها من موقع العزّة والإقتدار، وعندما تلتقي به الشخصيات المختلفة في الطريق بين المدينة والكوفة، ويتكلم معهم ويطلب النصرة من بعضهم، لم يكن ذلك من موقع الضعف وعدم القدرة، وهذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء.
فينبغي أن يُطبّق عنصر الحماسية المشفوع بالعزّة في جميع الحركات الجهادية المدرجة في جدول أعمال سالكي طريق النهضة الحسينية، وأن تكون جميع الحركات الجهادية ـ سواء كانت سياسية، أو إعلامية، أو المواقف التي تسدعي التضحية بالنفس ـ منطلقة من موقف العزّة.
أنظروا الى شخص الإمام الخميني (قدس سره) في يوم عاشوراء عندما كان في المدرسة الفيضية: فقد كان رجل دين, ولم يكن يمتلك شيئاّ من القوة العسكرية, أو أي شئ من هذا القبيل, إلا أنّه كان يتمتع بشخصية لها من العزّة بحيث يركع العدو صاغراً لقوة بيانه، هذه هي مكانة العزّة.
هكذا كان الإمام الخميني (قدس سره) في تلك الظروف، وحيداً فريداً، ليس له عدّة ولاعدد، إلا أنّه كان عزيزاً، وهذه هي شخصية إمامنا العظيم (قدس سره).
نشكر الله تعالى الذي جعلنا في زمان تمكنّا فيه من الرؤية العينية المباشرة لنموذجٍ عملي، لما كنَّا نردده ونقرأه ونسمعه كثيراً منذ سنوات عدَّة في واقعة كربلاء، وهذا النموذج هو إمامنا العظيم (قدس سره).
العنصر الثالث: العاطفة؛ أي أنّه قد أصبح للعاطفة دوراً مميزاً في نفس واقعة كربلاء وفي إستمرارها، أدّى الى إيجاد برزخٍ بين النهضة الحسينية والشيعية من جهة وبين النهضات الأخرى من جهة ثانية، فواقعة كربلاء ليست قضية جافة ومقتصرة على الإستدلال المنطقي فحسب، بل قضية إتّحد فيها الحب والعاطفة والشفقة والبكاء.
إنَّ الجانب العاطفي جانب مهم؛ ولهذا اُمرنا بالبكاء والتباكي, وتفصيل جوانب الفاجعة.
لقد كانت زينب الكبرى (عليها السلام) تخطب في الكوفة والشام خطباً منطقية، إلا أنها في نفس الوقت تقيم مآتم العزاء، وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) بتلك القوة والصلابة ينزل كالصاعقة على رؤوس بني أمية عندما يصعد المنبر، إلا أنه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.
إنَّ مجالس العزاء مستمرة الى يومنا هذا، ولابد أن تستمر الى الآبد؛ لأجل استقطاب العواطف، فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء.
إنَّ العناصر الثلاثة للنهضة الحسينية تعتبر من العناصر الأساسية لبناء هذه النهضة، هذا على مستوى التحليل، وزاوية من زوايا عاشوراء الحسين (عليه السلام)، إلا أن هذه الزاوية تمثّل لنا دروساً عمليةً كثيرةً.
وبما أننا نبلّغ بإسم الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، وقد اُتيحت لنا فرصة تخليد هذه الشخصية العظيمة، التي من خلالها يمكن تبليغ الدين على جميع الأصعدة، فينبغي أن يكون لكل عنصر من هذه العناصر الثلاثة دور في تبليغنا، فكما يعتبر الإقتصار على الجانب العاطفي والغفلة عن الجانب المنطقي والعقلي الكامن في واقعة كربلاء، تقليل من قيمة الواقعة، كذلك التغافل عن الجانب الحماسي المشفوع بالعزة هو تقليل من قيمة الواقعة، وضياع مجموعة من الكنوز الثمينة، فيجب على الجميع ـ قارئ العزاء، والخطيب المنبري، والمدّاح ـ أن يلاحظ ذلك.
ما معنى التبليغ؟ التبلغ يعني إيصال فكرة، وجوب الإيصال، الى أين؟ الى آذان المستمعين؟ كلا، الى قلوبهم، بعض المبلغين لا يتمكنوا من إيصال مطالبهم حتى الى الأسماع، فضلاً عن القلوب، بل إنَّ السمع لا يتحمل ما يقولون ولا يستقبله، فالسمع عندما يستقبل شيئاً، يُحَوّله الى الدماغ، ولا بد أن لا تنتهي المسألة عند هذا الحد، بل لابد أن تنفذ الكلمات الى القلب وتترسخ فيه، بحيث تتناغم شخصية المستمع مع شخصية المبلّغ، هذا هو دور عملية التبليغ.
إننا لا نؤدي الوظيفة التبليغية من أجل الحديث فقط، بل من أجل إيصال المادة التبليغية الى قلب المستمع وترسيخها فيه.
ما هي المادة التبليغية؟ هي المبادئ والقيم الإسلامية، التي ضحَّى من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وحُرمه وأهل بيته، والتي خطّها خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع أنبياء الله وأوليائه الصالحين، وكان مظهرها أبي عبدالله (عليه السلام).
نحن نريد أن نقوم بتبليغ المنطق والقيم والأخلاق الإسلامية وجميع المسائل، من أجل بناء الهوية الإنسانية على أساس الدين، وبناء شخصية المستمع بناءً إسلامياً, ومن جملة ذلك بناء الجمهورية الإسلامية.
إنني أعتبر أنَّ تشكيل الحكومة الإسلامية من أهم الأعمال، وهذا لا يعني أن نتغافل عن صيانه الهوية الإنسانية للأفراد ـ الأشخاص الذين نتعامل معهم فرداً فرداً ـ فإنَّ هذا من أهم الأمور.
إنَّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأ ببناء الإنسان ـ بناء اللبنة الأساسية ـ وعندها استطاع أن يحمّله مسؤولية بناء الإسلام.
فلم يغفل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع الأحوال ـ في قلب المعركة، وفي مرحلة البناء، وفي حالة العبادة، وعند التحدّث الى الناس وعلى مدى تلك الأعوام العشرة ـ التي كانت بمثابة مئة سنة لِما اشتملت عليه من مهام ـ عن بناء هوية مستمعيه، بل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم ببناء هوية الإنسان حتى عند جعجعة الحروب الشديدة كحرب الأحزاب، وبدر، وأحد.
لاحظوا آيات القرآن الكريم، ستجدون أنَّ أهم أهداف التبليغ هو بناء الإنسان.
علينا أن لا نصطدم بمسألتين:
الأولى: عدم التغافل عن طرح القضايا السياسية من دائرة كلامنا وأقوالنا وسعينا وجهادنا التبليغي، وهذا ما صَرَف عليه الأعداء الأموال خلال عشرات السنين، الا أنَّ مجيء الثورة الإسلامية أدّت الى تبديد هذه الآمال ونفيها من الوجود، وأدخلت الأقوال والأفكار السياسية في مجال النشاطات الدينية.
الثانية: عدم التصوّر بأن كل ما يقال من على المنبر التبليغي, ومخاطبة المؤمنين، هو الجلوس والتحدث في قضايا أمريكا وإسرائيل والتحليل للمسائل السياسية، كلا، فإذا لم يكن هناك مسائل ذات أهمية قصوى، فهناك مسائل أخرى مهمة، وهو قلب مستمعكم، ينبغي لكم إصلاح وبناء وإرواء قلبه وروحه وفكره، وهذا ما يحتاج الى جذور معنوية، نحن أيضاً لابد أن نمتلك جوانب معنوية لكي نستطيع التأثير في المستمعين، وبدونها لا يمكن تحقق ذلك.
لا بد أن يشتمل هذا الخزين المعنوي على عنصري الفكر والمنطق، وعلينا أن نتسلح بهما، لكي لا نتفوه بالكلام الضعيف، فقد صدق من قال: أنَّ أكثر الهجمات تأثيراً، هي التي يقابلها مقاومة مبتورة وضعيفة، وهو كلام دقيق، فعندما يكون الدفاع عن الدين ضعيفاً ورخواً، يكون الأثر السلبي لهذا الدفاع أشد على الدين مما لو هُجم عليه، فعلينا أن نستعين بالله على ذلك.
يجب أن لا يشتمل كلامنا ومنبرنا وتبليغنا ـ العملية التبليغة التي نقوم بها ـ على كلام هش، لا متانة له ولا ثبات.
فليس من العيب أن نطرح بعض المطالب التي نجدها أحياناً في كتاب وليس لها سند، كأن تكون حكمة أو من المسائل الأخلاقية التي لا تحتاج الى سند، إلا أنَّ العيب في أن نطرح مسألة بعيدة عن ذهن المستمع، ويصعب عليه فهمها؛ لأنّها سوف تبعده عن أصل المطلب، وتؤدي الى التقليل من هيبة الدين والمُبلّغ في عقله وقلبه، ويُعتقد أن هذا الأمر يفتقر الى المنطق، في حال كون أساس عملنا هو المنطق.
بناءً على ذلك، فإنَّ المنطق هو عنصر أساسي في التبليغ.
بعد هذا، تصل المرحلة الى أسلوب عملنا.
فإننا عندما نذهب الى المدينة أو القرية الفلانية علينا أن نلاحظ سلوكنا، قيامنا وقعودنا، معاشرتنا، نظرنا وعبادتنا، تعلقنا بالملذات الدنيوية وأكلنا ونومنا، فهذه تعتبر أهم وسائل التبليغ، وهي إما أن تكون مع التبليغ أو ضده، فإذا كانت صحيحة تكون تبليغاً, وإذا كانت خاطئة تكون ضده.
فكيف نتمكن من جعل قلوب الناس في الوسط الإجتماعي والحياتي يطمئنون لكلامنا, والعمل على تقوية ثقتهم بنا، ونحن نتكلم في ذم الإنغماس في الشهوات الدنيوية، وذم التعلق بالمال والإنهماك في طلب الملذات الدنيوية، في حين كوننا نعمل على خلاف ما نقول ـ لا سمح الله ـ !؟
وكيف يمكن لهذا الكلام أن يؤثر في المستمعين إذا كان كذلك؟ فهو إما أن لا يؤثر أصلاً، أو يؤثر تأثيراً عابراً، أو يؤثر وفي الوقت الذي تنكشف فيه حقيقة أعمالنا، سوف يكون تأثيره معكوساً تماماً, وبناء على ذلك فإنَّ العمل بما نقوله مهم جداً.
العنصر الثالث: التفنن في طريقة إلقاء الكلام.
إنَّ لديَّ قناعة تامة بالمنبر، فمع إنتشار شبكة المعلوماتية (الإنترنيت)، والفضائيات، والتلفاز، ووسائل الاتصال الأخرى بكثرة، إلا أنه ليس هناك وسيلة من هذه الوسائل تضاهي المنبر، فالمنبر يعني التكلّم وجهاً لوجه، وقلباً لقلب، وهذا له تأثير مباشر وممتاز, ليس له وجود في أي وسيلة من الوسائل الأخرى، فعلينا الحفاظ على المنبر، فهو أمر قيّم، غاية الأمر يجب أن نتعامل معه بطريقة فنية من أجل أن يؤدي غرضه.
سوف أتعرض كذلك الى مسألة أخرى تتعلق بالعملية التبليغية: في أدعية الصحيفة السجادية يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في أحد الأدعية التي يناجي بها ربّه: «تفعل ذلك يا إلهى بِمَنْ خَوفه أكثر من رجائه لا أن يكون خوفه قنوطاً»، إنَّ خوفي أكثر من رجائي، لا أنني قنوطاً.
هذا المعنى يمثل بياناً رسمياً وقانوناً، ولذلك يجب عليكم أن تنفثوا روح الرجاء والخوف في القلوب، على أن يكون الخوف أكثر من الرجاء.
فمن الخطأ، عندما تتعرضوا الى آيات الرحمة الإلهية ـ حيث أنَّ بعض هذه الآيات مختصة بمجموعة معينة من المؤمنين ولا تشمل الجميع ـ تلقوها بصورة تؤدي الى غفلة البعض فيتصورا ـ بسبب حالة معنوية واهمة ـ أنها تشملهم, وأنهم قد وصلوا الى أعلى درجات المعنوية، فيغفلون عن أداء واجبات الدين الضرورية عند التطبيق.
إنَّ البشارة في القرآن الكريم خاصة بالمؤمنين، أمّا الإنذار فهو للجميع، فالمؤمن والكافر هما محلٌ للإنذار.
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي، فقال له أحدهم: يا رسول الله، إنَّ الله تعالى يقول: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[2]. فما هو سبب بكاءك؟ قال: (ألا أكون عبداً شكوراً)؛ أي أنّه لو لم أشكر هذه المغفرة، سوف تنهار القواعد الأساسية لهذه المغفرة، فلا بد أن يكون الإنذار هو المسيطر على قلوبنا وقلوب مستمعينا في جميع الأحوال.
طريقنا، طريق شاق وصعب، فعلى الإنسان أن يهيئ نفسه لطيّ هذا الطريق والوصول الى نهاية المطاف.
إنَّ العمل التبليغي، عمل عظيم، وهو عمل حساس ومؤثر، ونحن نرى اليوم بركات الجهود التبليغية التي بُذلت في السابق، وإن شاء الله سينتفع المجتمع من بركات هذه الأعمال التبليغية في المستقبل.
إنَّ تأثير التبليغ ليس تأثيراً لحاظياً وآنياً، بل بعيد الأمد، فعلى المُبّلغ أن لا ييأس عندما يرى بعض الظواهر التي توحي بأنها ليس من الدين، وإنَّ بعض الأوهام القاضية بابتعاد الشباب عن الدين هو ضرب من الحرب النفسية، فإنَّ واقع القضية هي على خلاف هذه الأوهام؛ لأنَّ شبابنا متعلقون بالدين وقلوبهم متعطشة للنهل من حقائق الدين، وكل شاب سليم الفطرة والسليقة كذلك، فليس الأمر محصور في بلدنا.
إنَّ الأرضية هنا مهيأة ـ ولله الحمد ـ فشبابنا عطاشى ومشتاقون للنهل من الدين، ولابد من إرواء رغباتهم الروحية، وإشباعها من الحقائق الدينية.
إنَّ ثمار هذا التبليغ سوف تأتي أكلها، وسوفَ يجني المجتمع ثمار هذه الأعمال التبليغية في المستقبل.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من الشاكرين لنعمة التبليغ الإسلامي، والقيم الإلهية، والصراط المستقيم الذي مّهدته لنا الثورة الإسلامية، وأن يوفقنا الى التمكّن من أداء مهامنا الصعبة.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
التعليقات (0)