واصل سماحة السيد عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثالث عشر من شهر محرم الحرام لعام 1443 هـ ، و تحت عنوان " في رحاب لغة القرآن " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة محمد " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)" ، القرآن الكريم يُعتبر كتاب هدىً ونورًا في كل العصور ، و شمسه ساطعة لا تأفل أبدًا ، و تغطي كل المعمورة بشتى أرجائها ، من سورة القمر " وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52) " والقرآن الكريم معجزة خالدة لرسول الله ( ص ) ، و يعمل على منهج متكامل يضمن للانسان سعادته في الدنيا و الآخرة ، بالإضافة الى التحدي و الإعجاز الذي فيه .
حينما جاء الرسول ( ص ) بالقرآن الكريم ، أحست قريش بأنه هدد وجودهم و عقائدهم ، هذه الآيات جعلت الوليد بن المغيرة يقول : والله لقد سمعت من محمد أنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق. وأنه يعلو ولا يعلى عليه. فكانوا صاغرين أمام القرآن الكريم ، و أخذ الوليد يتهم الرسول بالسحر من أجل ابعاد الناس عنه . وكلما تقدمت الدنيا و اتسع العلم فيها فإن القرآن الكريم يسبق زمانه .من سورة سبأ " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) "فالقرآن لكل قوم خلقهم الله عز وجل ، وهذا الكتاب كتابٌ عالميٌ خالد ، من سورة الفرقان " تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) " فمسألة النذير أيضًا تشمل نطاق العالمين . فاذا كان بهذا المستوى في أن يكون دعوة عامة للناس و أن يكون عالميًا و خالدًا ، ولم يؤطر بجماعة أو مكان أو زمان ، فلابد أن يشتمل القرآن على أمرين ضرورين .
الأمر الأول : أن يكون القرآن بكل ما فيه وكل جوانبه ، يشمل على المنفعة البشرية ولا يمكن لأحد من البشر أن يستغني عنه ، فهو عالمي وخالد وموجه لكل الناس ، فالقرآن يشكل للبشرية طريقًا كما هو الماء في حياتهم و في استمرارها و بقائها ، الأمر الثاني : يجب أن تكون لغة القرآن يفهمها كل البشر ، فلا يتعلل أحد بحجج واهية و انه لم يفهم ما جاء في القرآن . نحن لا نقصد هنا اللغة العربية ولا الألفاظ التي جاء بها القرآن ، انما نقصد باللغة العالمية التي يفهمها كل البشر هي لغة الفطرة ، ولا يمن أن يُنكر هذه اللغة أحد ، من سورة الروم " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) " . ولكن لا يمكن للكل أن يثدرك ما جاء القرآن من خلالها ، لتفاوت الطاقات البشرية وقدراتها .
من كتاب بحار الأنوار ، " قال الصادق عليه السلام: كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء. " ، نجد أن القرآن ينفذ الى قلوب البعض ، و في جانب آخر لا ينفذ لقلبه ، مع أن الذي لا ينفذ الى قلبه قد يكون حافظًا له و يمتلك صوتًا جميلًا ، و البعض يعرف معنى الآية الكريمة و يعمل خلافها ، ويصورهم الله عز وجل كما جاء في سورة الجمعة : " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) " ، لا يشتكي من ثقلها ولا يعرف قيمتها .
التعليقات (0)