واصل سماحة السيد عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثاني عشر من شهر محرم الحرام لعام 1443 هـ ، و تحت عنوان " تكريم المرأة " ، ابتدأ سماحته بمقطع من الآية المباركة في سورة الحديد " يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ " ، حينما نقف عند المجتمعات و الحضارات السابقة نجد أن فلسفتها في الحياة مختلفة وفق النمط الذي تعيشه ، لكن ما نجده مجتمعًا في كل المجتمعات هو ظلم المرأة ، حيث أجحفوا حقها و منعوها من أبسط حقوقها ، و بعض المجتمعات ينظر اليها نظرة دونية ، و البعض يرى بأن المرأة مخلوقًا شبيهًا بالرجل و شبيهًا بالإنسان و خُلق لتذليل صعوبات الذكر ( الرجل ) ، حيث الإنسان فقط ذكر .
حينما نفتش في هذا الأمر ، لا نجد أن المجتمع العربي في مأنى عن ذلك ، و يظهر من خلال تعامل الناس مع المرأة حتى مع مجيء الإسلام و بيانه المساحة التي يتحرك فيها كل منهما ، هناك بعض الأفكار التي صيغت على روايات نُسبت عن رسول الله ، تتعارض مع روايات صُدرت عنه و تتعارض مع القرآن الكريم من جانب آخر ، في رواية عن الباقر (ع): انه سئل عن أي شيء خلق الله حواء فقال: أي شيء يقولون هذا الخلق؟ قلت: يقولون إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم، فقال: كذبوا كان يعجز أن يخلقها من غير ضلعه، ثم قال: أخبرني أبي عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (ص): ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضل فضلة من الطين فخلق منها حواء. "
هنا انغلق باب أنها خلقت من ضلعه ، لكن هل هي مخلوق ثانوي و مهمش و أنها خلقت من فاضل الطين مما ينزل من قيمتها و منزلتها ؟ فنرد على ذلك أنه لا يمكن أن نقارن بين خلق الله و ابداعه و بين صنع الإنسان ، فالمُتقن من البشر لصنعه و مهنته اذا أراد أن ينتج شيئًا ، لا ينتجه الا عن طريق نظام و مقاييس ومقادير لا تنقص ولا تزيد ، فاذا فضل شيء من عمل هذا الإنسان يقولون أنه غير متحرّف لصنعه ، و لكن في الله عز وجل ، فجل وعلى أن يخلق شيئًا و يفضل من خلقه شيء ، فهذا يجرّنا الى عدم حكمة المولى وادارة المورد حاشى لله ، من سورة القمر " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) " فهذا خلق الله ، بالإضافة أنه لو قلنا بافراد طينة خاصة لقالوا أن المرأة لم تكن بمثل المقدار الذي كان لآدم ويشكك في مقدارها و الكيفية التي خُلقت بها حواء فالمرأة . والله يريد أن يكون خلق المرأة من ذات و عين الطينة التي خُلق منها الرجل ، وبالتالي هي ليست مخلوقًا ثانويًا .
نجد أن المرأة في المجتمع العربي أيضًا تمتلك النصيب و الحظ الأقل في الحياة في المجتمع ، و يصوّر لنا القرآن الكريم ذلك ، من سورة عبس " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ " السؤال يوجّه للموءودة و ليس للوائد ، حيث أن الجناية ثابتة عليه . ونرى أن الرجل رُبي على خلاف الطريقة التي ربيت فيه المرأة ، الرجل قاطع طريق و يغير على القوافل و يحمل سيفه على أي غضب يثيره ، و يُقدّم السيف على الرشد و العقل و يُنظر للمرأة على أنها عنصر استهلاك وليس انتاج ولما تتم الإغارة على القوافل تكون فريسة أو ضحية ، فتقع اما في القتل أو الأسر أو الإغتصاب أو النهبي أو التشريد أو الإعتداء . فكيف يلجأ العرب على منع هذا العار؟ فيعمدون على قتلها منذ بدايتها . و من أرجع للعرب كرامته هو رسول الله ( ص ) .
يقول سماحة الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل للآية المبارك " يقول المفسرون: كانت المرأة في الجاهلية إذا ما حان وقت ولادتها، حفرت حفرة وقعدت على رأسها، فإن ولدت بنتا رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاما حبسته، " و من أسباب الوأد لما تكون سوداء البشرة أو زرقاء العين ، حيث كان العرب يتشائمون من اللون الأزرق ، أو كسحاء لا تتحرّك . فيعمل على التخلّص منها بولادتها داخل حفرة . مع تغير الزمن لا زال هذا الفكر ورواسبه موجود مع هذا التغيّر الزمني ، الا اننا نجد بعض المجتمعات تطالب باقرار قانون يكفل المرأة باجهاض المرأة لجنينها كان ذكرًا أو أنثى . وحتى قبل أن ينزل الى عالم الدنيا .
الغرب اليوم يصوّر المراة على أنها سلعة و أنثى و ليست انسانًا ، ويسوقها في دور الدعايا و يوقفها في كل مكان ، فتكون صورة المرأة ومفاتنها أكثر حجمًا من صورة السلعة المراد تسويقه ، هذه أمور قد دُرست وخططت من أجل انحلال المجتمع الإسلامي و ضربه من خلال هذه الغريزة ، ومسألة ملكات الجمال و مساحيق التجميل كلها سمٌ مدسوس في العسل ، فالأب مسؤول و الأم مسؤولة . المجتمعات الأخرى بدلًا من أن تلزم المرأة على الستر ، تدفعها نحو التجمّل تماشيًا مع صديقاتها في مجتمع محافظ ، فهذا يجعلنا قلقين على الرسالة التي سنسلمها للجيل القادم . فنصل الى ما يُخاف منه . وتغلّف هذه الأمور بصورة التساوي في الحقوق ، و اثارة الجدل حول أحقية الرجل في الطلاق ، وعدم تساويهما في الإرث و عدم تساوي الشهادة في المحكمة . وهذه ليست دعاوي مساواة واما مماثلة من أجل الضرر بالمجتمع . والتساي يختلف عن الممثالة و الإسلام انما ينادي لمسألة التساوي في الحقوق و الواجبات ، وحدد لكل منهما ما يتناسب مع هيئته و أعضائه و بيئته . فالمسألة عبارة عن توازع أدوار وتصنيف مهام و مسألة تكامل بينهما . ولا يستطيع أحد منهم أن يقوم بعمل الآخر .
التعليقات (0)