ألقى سماحة السيد محمد الغريفي كلمة بعد صلاة العشائين وذلك بعد انتهاء فعاليات يوم العاشر من المحرم : في مثل هذه الليلة السيدة الحوراء زينب تبدأ مشوار الغربة و المأساة التي حلت ببيت النبوة ، و ترعى الأرامل و الأيتام بعد مجزرة عظيمة لسبط النبي الأكرم ( ص ) ، تلفّ من خيمة الى أخرى باحثة عن الأطفال و النساء ، و تجمع الأيتام و الأرامل لكي تخفف عليهم من مأساة هذا اليوم و قساوته ، دورٌ كبيرٌ رعته الحوراء زينب ( ع ) فلها الدور الكبير و البارز في ابراز معالم ثورة الحسين ( ع ) ولولاها لما وجدنا شيئًا ممّا حصل على أرض كربلاء ، فقد عرّفت الأمة بمقام المعصوم ، وما صنع به في أرض كربلاء .
و علينا أن نقرأ ثورة كربلاء قراءة مستوعبة وشاملة لكل مفرداتها من مصادرها الصحيحة ، ولا نكتفي بالاستماع الى خطيب هنا أو هناك ، من أجل أن تعطينا قوةً و تزيدنا وعيًا و تبصرنا لكل حيثيات و مفردات واقعة كربلاء . مطلوب من أبنائنا وشبابنا الوقوف على هذه السيرة و قراءتها قراءة شاملة كاملة . بعد انتهاء موسم عاشوراء فلنرجع الى الكتاب لنقرأ هذه الواقعة ، و نعمل اختبارًا لبعض معلومات عندنا سمعناها من الخطيب ، هل هي كما جاءت ، أم هناك زيادة او نقيصة ؟ حفظ هذا المنبر و تقدمه ، نتيجة هذا الوعي الجماهيري الذي استطاع أن يوجه و يعطي الكثير من الملاحظات و التصورات ، وهذا لا يأتي من فراغ أو حالة مزاجية أو نفسية ، و إنما يكون نتاجًا لقراءى مستفيضة لواقعة كربلاء الحسين ( ع ) ، وبذلك نتقدم بالمنبر و الموكب ، وهو صمام الأمان لأي خروج وضياع وتشتيت للأفكار المطروحة .
أيها الأحبة ، السؤال الذي ينبغي أن يُطرح ، بماذا خرجنا من موسم عاشوراء ؟ ، فلقد دخلنا موسمًا حافلًا بالوعي و العطاء وتوثيق العلاقة بيننا وبين الله و بيننا وبين أهل البيت ، و مستوى العاطفة و العظة و العبرة . بلا شك من يضع الأهداف والرسالة أمامه فهو يتجه نحو تحقيق هذه الأهداف ، يجب أن يسأل الخطيب نفسه ، و يسأل الرادود نفسه ، و تسأل الإدارات المأتمية أنفسها ، و يسأل الجماهير أنفسهم . بلا شك ما كنا عليه قبل الموسم ليس كما هو أثناء احياؤنا لموسم عاشوراء وليس كما هو بعد عاشوراء . والا سيكون ذلك احياءً شكليًا مفرّغًا عن كل المحتوى و المضمون ما لم نلتمس هذا التغيّر . كل ذلك يحتاج الى عملية تقييم لكي نقف عند أي موقف نقص ونُكمل ذلك في محطات و مناسبات قادمة مُقبلة مثل وفايات أهل البيت ( ع ) .
لاشك أن المنبر الحسيني يُشكّل أساسًا في وعينا ، هذا الوعي يحتاج أن يتكامل من خلال ما يُطرح على المنبر الحسيني و من خلال ما يكون من ثقافة نتزود بها عن مفردات كربلاء بصورة شاملة ، و اليوم هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الموقع . بمقدار ما نملك من وعيٍ ، بمقدار ما نحصّن هذه المواطن من أي خطر أو انزلاق ، وهذا كلّه مرهونٌ بوعيكم لواقعة كربلاء ، وكذلك هو الموكب ، هناك عمادان لموسم عاشوراء ، المنبر و الموكب ، ولا تقل قيمة الموكب عن قيمة المنبر ، البعض من الشباب يشده الموكب أكثر من المنبر ، و البعض من الآباء و الشباب يشدهم المنبر أكثر من الموكب ، فلابدّ أن نخلق هذا التوازن ، فالموكب و المنبر طرفان يتقوّم بهما موسم عاشوراء ، اذن ينبغي أن تكون حالة التكامل بين المنبر و بين الموكب .
لا نخشى على موقعية المنبر لانّه محفوظ من قبل الله و أهل البيت ، و لكن حتى نتقدم بهذا الموقع ، نحتاج أن نتقدم بمستوى الوعي الكبير لهذا المنبر و الموكب ، واذا غابت هذه الرسالة و الأهداف عنّا ، فستكون النتيجة أن نتعاطى مع أحدهما بحالة شكلية ، أيها الأحبة عندنا اعلام حسيني و اعلام مضلل ومشوه لأجواء ومراسيم عاشوراء . الفضاء الاعلامي مفتوح ، و أنت من خلال هذا الإعلام تقدم النموذج و الرسالة لمدرسة أهل البيت ( ع ) ، و لذلك نتوجه للأحبة في اللجان الاعلامية ، فهم كثيرًا ما يعمدون الى ابراز المقاطع في النعي و الرثاء وتغيب الكلمة ، وهذا اجحافٌ كبير في حق هذه المواضيع التي استوعبها هذا الموسم في مختلف المجالات ، على مستوى سيرة أهل البيت ، و سيرة كربلاء و الجوانب العقائدية و الفكرية و السلوكية وغيرها . حيث هذا الجيل مأسورٌ اليوم الى شبكات اعلامية واسعة و كبيرة ، فاذا غابت الكلمة الناصحة و الراشدة عنهم ، فسيبحثون عن مواقع أخرى لا يُعرف هدفها . لابد أن يمتلك الجهاز الإعلامي قدرة متقدمة على كيفية ابراز هذه الكلمات . فدقيقة واحدة قد تكون غير كافية أحيانًا ، و تكوّن صورة سلبية منقوصة لتلك الكلمة ، فلابد من تحرّي الدقّة اللازمة .
في كلمة أخيرة ، أما آن الأوان لمشروع حسيني يحتضن النشئ الحسيني في مناطقنا و قرانا ، بدل من كونها صناعة فردية تخضع لبعض الإجتهادات ، نحتاج أن نصنع الرواديد و الخطباء في حالة مؤسساتية تحتضن هذا النشئ و تقوّم وترشّد ما يطرح في هذه المواقع ، و هنا تأتي المسؤولية على المؤسسات الدينية الحسينية و العلمائية . لأن الإجتهادات الفردية قد تكون صائبة و قد تكون خاطئة . حتى نجد ثمار هذه التنشأة في مواكبنا و مآتمنا ، و الحمد لله رأينا بعض العينات من أبنائنا الصغار يرتقون المنبر و قادرون على تحريك الموكب الحسيني ، لكن لا زالت تلك الحالات نتيجة اجتهادات أفراد و ليس من عمل مؤسسة يتدرّب وينشأ فيها . لا ندعو لإلغاء تلك الجهودات الفردية فلها ايجابيات كثيرة ، لكن العمل المؤسسي أفضل لصناعته و ترشيده و متابعته في جميع حركاته .
التعليقات (0)