واصل سماحة السيد عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الخامس من شهر محرم الحرام لعام 1443 هـ ، و تحت عنوان " اللغو ثمرة الجهل " ، ابتدأ سماحته بالآية الكريمة من سورة القصص " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) " هناك بعض الآيات في القرآن يُطلق عليها بعض المفسرين المحدثين أنه بها جوانب نفسية ، و معنى ذلك أن بعض آيات القرآن تتعاطى مع نفسية من تخاطبه ، وعندما نرجع الى مجتمع مكة في زمن الجاهلية ، نجد أن التأريخ ينقل أنه كان مجتمعًا تجاريًا يقوم على الأموال و التجارة ، و عنده رحلة في الصيف و رحلة في الشتاء وبيّنت سورة قريش ذلك ، وبه طبقة فاحشة الثراء و أولئك كانوا يتعاملون برأس مالية ، أن أصحاب رؤوس الأموال هم من يتحكمون في توجهات ومصائر المجتمع ويميلون للمصلحة النفسية ، وكانوا يعتقدون -بسبب جوارهم لبيت الله- أنهم هم أهل بيت الله و يمتلكون صفاتًا أهلتهم وميزتهم عن باقي الناس ، ولما جاء الإسلام أعز الإنسان و أعطاه حقه في انسانيته و كيانه ، وكان من ضمن من دخل في الإسلام هم الفقراء و الطبقة المستضعفة مثل صهيب الرومي وخباب بن الأرت و بلال الحبشي و عمار بن ياسر وجندب بن جنادة ، وكانت هذه الطبقة قبل وجود الإسلام مهمشة في المجتمع . لكن بمجرد ارتبط اسمهم بالإسلام صُبغوا بصبغة الإسلام ، وُجد لهم كيانًا عظيمًا و جعل لهم مقامات اجتماعية عالية .
القرآن الكريم من خلال الآية الكريمة يأمر رسول الله ( ص ) أن يأمر المسلمين ألا يخوضوا فيما خاضوا فيه أولئك ، وأن لا يردوا على أي كلمة مهما كانت ، حيث جائت الآية كما ينقل بعض المفسرين في جوٍ مشحون بالتراشق بالكلمات ، فما معنى اللغو ؟ في اللغة العربية اللغو هو كل ما لا فائدة منه من الأفعال أو الأقوال ، و مراد الآية الكريمة هو القبيح من الكلام و ما يُكره منه و يُتفاحش منه . لماذا نهى القرآن عن هذا الكلام ؟ العرب يطلقون كلمة (كلام) على ما هو مفيد وله مردود صحيح . حينما يفرغ الإنسان طاقته في السباب و الشتم فانه يهدر طاقته و قدرته ، اضافة الى أنه يجب على الإنسان المؤمن و المسلم أن يتخلق بأخلاق الله المتمثلة برسول الله ( ص ) ، وقد قال الإمام علي ( ع ) " إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر " وهذا دفاع عن الشيعة في اتهامهم بسب الصحابة ، وانما أعداءهم هم من شرّعوا سب أمير المؤمنين عليه السلام لمدة ستين عامًا الى حكم عمر بن عبدالعزيز و القرآن الكريم يعلمنا بالصدّ عن رد السباب .
في الآية الكريمة " لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ " عدة آراء عند المفسرين ، أحدها أننا نتحمل وزر أعمالنا ، لما تختلف مع الغير وتكون فكرتك مخالفة لأهوائه تجد البعض يُخرجك من الملة و يشرع في سبك ، فلابد من الحوار و طرح الآراء بالدليل و الإحتكام للرأي و الرأي الآخر . الرأي الثاني في التفسير لنا ديننا ولكم دينكم ، فلا نسبّ الصنم كي لا يتجرأ أحد على الله ، من سورة الأنعام " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ " ، عن النبي ( ص ) في رواية عنه " من الكبائر شَتْمُ الرجل والديه قيل: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم، يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه، فيسبّ أمّه " . الرأي الثالث لنا أخلاقنا ولكم أخلاقكم . يجب ألا يتخلّى الإنسان عن أعماله و عن دينه و عن أخلاقه مهما كان من يقابله . أمير المؤمنين لم يمنع الماء في معركة صفين لما مًنع منه وهكذا سرت أخلاق أهل البيت ( ع ) .
التعليقات (0)