شارك هذا الموضوع

القصيدة الدارجة المظلومة

القصيدة الدارجة المظلومة
الشعر في محيط الموكب ينقسم إلى نوعين ....الشعر الفصيح الملتزم بالعربية بكامل ضوابطها من بناء وإعراب ...والشعر العامي المتحدث باللهجة الدراجة ...ما يعنينا هنا هو النوع الثاني ...ولا يخفى على كثيرين أن القصيدة الدارجة أخذت مساحة واسعة من رقعة المواكب ولها طلب وتأثير ...ولكن هذه القصيدة لنا عليها مآخذ في الفترة الأخيرة أو بالأحرى على من ينجزها من الشعراء... كثيرون هم الشعراء الكاتبون القصائد باللهجة الدارجة ...وأحسب أن شطرا كبيرا منهم يستضعفون هذه القصيدة ويستهينون بها ويستبسطونها فتراهم مجردين أقلامهم فيها دون التزود بلوازمها وضوابطها ...فمن الطبيعي أن يقعوا في حُفر الضعف والأخطاء والركة ... القصيدة الدارجة تحتاج لعفوية النفس والسليقة السليمة وأن تكون أميل إلى اللهجة المتحدثة في الأجواء المحيطة مع إحاطتها بجمال التهذيب والتشذيب وإضافة رقة الإحساس والعاطفة ... لكني من خلال مروري على كثير من القصائد لشعراء كثيرين لمست غير هذا ولحظت تدنياً في نص القصيدة الشعبية ... وأدركت هبوطا أودى بالقصيدة الموكبية وجعلها نصا هزيلا ساذجا لا يحمل مميزات القصيدة ولا يمتلك المقومات الأدبية ...فأن تكون القصيدة باللهجة الدارجة هذا لا يسلبها جمال الأدب ...ولا يخرجها من جادة القواعد الفنية لنجاح القصيدة ...وسوف أضع إصبعي على بعض من هذه الثغرات في الفقرات التالية مستعينا ببعض من الشواهد المتصيدة من نصوص القصائد ...
النصوص المكررة التي لا يعتني أصحابها بابتكار الصور الجديدة والصياغات المستحدثة كثيرة في القصيدة الدارجة ...هذه الظاهرة جعلت القصيدة الدارجة هشة دائمة التكرار في المعنى والمبنى والصور والأحداث ...وما هي إلا اختلاف أوزان وقوافي ...وهذا راجع لضعف قدرات الكاتب وقلة الاطلاع وعدم التسلح بالتجديد ... · آخرون تنقصهم قوة التركيب والصياغة فتكون نصوصهم شبه حكي (سوالف) موزونة مقفاة مما يفقد الشعر قيمته الأدبية ...وهذه النصوص تفتقر إلى الصور الأدبية والكنايات والمجازات والاستعارات والمبالغات والخيال ... · وآخرون تجدهم يتكلمون بلسان الحال عن المعصوم بأسلوب غير لائق فتراهم يرفعون الكلفة بينهم وبين المعصوم في الخطاب أحيانا أو في العتاب فيدخلون في محاذير ومراحل غيرمستحسنة ...سيما واللهجة الدارجة تقربه من درجة الاستهانة مما يعكس الحالة السلبية على السامع والمتعاطي مع النص .... · بعض الكلمات في اللهجة الدارجة ليس لها وقع جميل وهي متحولة من كلمة أخرى وليست أفضل من الكلمة الأصلية فتراهم (الشعراء) يستخدمونها غير منتبهين إلى قبحها ...أو حبا في استعراض قدرة..مثل كلمة (كيف) تحولت في الدارجة إلى (جيف)ثم إلى (جيفه) فتراهم أحيانا يحولونها إلى (شيفه) تحويلا إلى أدنى استخدام في اللهجة ..وهي باعتقادي ليست أجمل من الكلمة الأصلية والمتحولة (جيف) · بل بعضهم يضع كلمات تكاد تكون غير مستخدمة في اللهجة المتداولة .... ولملاك بحرم لحسين تصب حسرتها علقبره
ترى الشاعر هنا قال (علقبره) ولم يقل (أعلى قبره)غير منتبه إلى صعوبة ورودها في التداول المحكي فالمتكلمون يقولون ...عالقبر..ولم نسمع هذه الصياغة ...بعض الأحيان تصبح الأخطاء بالاستهانة بها متداولة ...وتقرأ لآخر يقول :

طريح اعلى الترب يصعد

شمر بنعاله علصدره

وهذه ظاهرة تنذر بخلل يتسرب إلى نصوص كثيرة وإلى عدم استيعاب إلى ما يمكن صياغته في اللهجة الدارجة ومالا يمكن وروده...

بالتصفح في القصائد الموكبية ستجد كما لا يستهان به من هذه النماذج ...ستجد شاعرا يقول:


يلروحي مخلوقه لجله وعشانه


بقراءة هذا النص يمكنك أن تحلق في رحاب المعنى وجماله ...إلا أن الكلمة الواقعة في القافية هبطت بجمال المعنى وسلبته كثيرا من جماله ... على الشاعر أن يتنبه إلى المفردات حين استخدامها ...حقا إن اللهجة دارجة لكن ليس المطلوب من الشاعر الهبوط إلى أدنى الاستخدامات الشعبية وتوظيفها في نصوصه... كلمة (عشانه) جاءت عوضا عن كلمة (لأجله) فأصبحت (لشانه) وبالتالي (على شانه) أما إدغامها بهذه الطريقة فهي وإن كانت مستخدمة شعبيا إلا أنها تكاد تكون استخدام عوام العوام أو الطبقة البسيطة جداً جداً ... وهي حالة غير مضطر إليها الشاعر والبدائل أجمل وأفضل ... · أما الأمثلة على هذه الكلمات فهي لاتعد ...إنما على الشاعر أن يضع لنفسه ترمومترا حساسا بحساسية الذوق الأدبي يقيس به ما يكون مقبولا من الذي لا تقبله الذائقة السليمة ...فأقرأ هذا البيت مثلا:
سالت الدمان بعيون الأكوان
ليست القافية ولا الضرورة هي من فرضت على الشاعر توظيف كلمة (الدمان)... بمعنى الدماء... وإنما هو ربما قدر أن استخدام كلمة غير مستخدمة سيعزز من قوة نصه ...ولكني أراه أضعفه ولم يقوّه ... · بعض الأخوة الشعراء حفظهم الله لا يشخصون المعنى الحقيقي للكلمة فيدرجونها في النص في المكان الخطأ وذلك تابع لفهمهم الخاطئ لمعناها ..هاك هذا المثال :
وحليلة حيدر بمهزولة تركب (الحليلة) هي الزوجة بينما الشاعر هنا يقصد بنت حيدر ...هو يريد أن يقول كريمة حيدر أو عزيزة حيدر ولكن جمال الكلمة أغراه باستخدامها دون التبصر في حقيقة مؤداها فكانت في غير محلها ... وبعضهم يتخفف من الضروريات فتراه يحذف من الأسماء بعض الحروف حين يجبره الوزن فيغير اللفظة اعتمادا على فهم السامع لها مثلا:
ونادى بن سعد حرمل
وهو بالطبع يقصد حرملة بن كاهل فحذف التاء المربوطة حين ألزمه الوزن ومثل هذه السقطات الفنية تضعف القصيدة الدارجة ...ويقع الظلم عليها من ناظمها .... كل ما ذكرته لا يعني تنقيصا من شأن ومكانة القصيدة الدارجة في الموكب وشعرائها .. بل هو محاولة لتنقيتها من الشوائب التي طرأت عليها بعامل التعاطي معها باستصغار واستضعاف واعتبارها من الفن السهل .... والواقع يقول أن القصيدة الدارجة فن ليس من الممكن أن يتقنه كل شاعر ..وهي فن يحتاج لقدرة وملكة واحساس خاص وإلمام بأساليبها .. وفي مواكبنا شواهد حازت أوسمة الروعة في الرقة والدقة والجمال وكمال الصورة ... لاحقا سأفرد مقالة خاصة استعرض فيها شواهد من القصيدة الشعبية الموكبية بما يعطيها ال
كل ما ذكرته لا يعني تنقيصا من شأن ومكانة القصيدة الدارجة في الموكب وشعرائها .. بل هو محاولة لتنقيتها من الشوائب التي طرأت عليها بعامل التعاطي معها باستصغار واستضعاف واعتبارها من الفن السهل .... والواقع يقول أن القصيدة الدارجة فن ليس من الممكن أن يتقنه كل شاعر ..وهي فن يحتاج لقدرة وملكة واحساس خاص وإلمام بأساليبها .. وفي مواكبنا شواهد حازت أوسمة الروعة في الرقة والدقة والجمال وكمال الصورة ... لاحقا سأفرد مقالة خاصة استعرض فيها شواهد من القصيدة الشعبية الموكبية بما يعطيها المكانة السامية الراقية العالية ...

عبدالشهيد الثور -15 أغسطس 2017م

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع