أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية ، ليلة الخامسة عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1438 هـ ، وتحت عنوان " مستويات الإنقطاع الإلهي " ، أسمى التبركيات نرفعها لمفام النبوة و للأمة الإسلامية وللحضور في ظل ذكرى ولادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، من سورة الإسراء " وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا " القرآن الكريم و من خلال هذه الآية يشير الى نقطتين مهمتين ، الأولى متى يتوجه القلب الى الله ؟ ، الآية تدل على الأجواء و الظروف و الأحوال التي من خلالها تتوجه بوصلة القلب نحو الله ، فالقلب متقلّب .
النقطة الثانية ما هي مستويات التأثر والإتصال بالله . القلب من شأنه أن يتقلّب في مواقفه ، أنت و أنا لنا روحٌ واحدة ، تارة يذكر النفس المطمأنة و تارة اللوامة وتارة الأمّارة بالسوء ، هذه حصيلة تقلب القلوب ، النفس واحدة وليس متعددة ولكنها حال عارض ، والحال سريع التغير و الزوال ، اذا خضعت النفوس لله و رضيت بقضائه فانها النفس المطمأنة ، أرواحنا بسيطة ، و النفس لها حالات و مقامات ، عندما ترجع للقرآن فالقلوب ثلاثة ونفوس ثلاثة ، من سورة الزمر " فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " تناسب النفس الأمّارة بالسوء ، من سورة الشعراء " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " ، النفس المطمأنة هي الوسط فلا الصلاح غالب فيها و لا الفساد ، من سورة محمّد " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " .
الآية الشريفة تجسّد صورة الإنقطاع لله ، تنفتح الفطرة لله حين لا يوجد ناصر ، البعض اخذه غرور المال و البعض الحسب و النفس و البعض في تيه من شهواته و ملذاته ، لابد أن يكون القلب مع الله ، فلماذا يعرض ، نحتاج للإنقطاع لله ، من سورة العنكبوت " فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ " ، حتى تكون قلوبنا مع الله نحتاج الى الإنقطاع ، ويكون الإنقطاع على نحوين إما اضطراري و إما إختياري ، يجب أن يكون إنقطاعنا إختياريًا و لا نطرق الباب حينما تنقطع بنا السبل فقط ، المنقطعون اختياريًا هم الذين ينقطعون في شهر رمضان ، في الإعتكاف ، في الحج ، اذا قبضت على كتاب الله ، والا ابتلي بأسباب تفجّر فطرته نحو الله ، فيتوجه العبد الى الله ، كما فعل هؤلاء الغرقى ، تغيّر روحي غير طبيعي من شرك واعراض ، و إذا بقفزة روحية الى مرتبة الإخلاص .
ما حجم ثبات ذلك التغير في النفس ؟ّ التأثر صار من وسط البحر الى الساحل فانقلبوا ، هل سيأخذ هذا التغير في هذا الشهر الى القلب ! ، عندما نعانق صلاة الليل و نكوّن ألفة بكتاب الله ، هذا التغير الإيجابي ، علماء السلوك يقولون مستويات التغيير ثلاثة ، إما على مستوى الحال ، الحالات هي صفات عارضة على الإنسان سريعة الزوال ، أي ليست ذاتية على الإنسان ، ولا نريد تغيرًا مع الله على ذلك النحو ، وإما على مستوى الملكة ، والمراد من الملكة هو التغيير الراسخ في عمق النفس و يأخذ صفة الرسوخ و الثبات ، أي لا يتزلزل بسهولة فمن عنده التقوى الملكة يكون صابرًا ، و لا يعني ذلك أنه لا يعصي ولكن سرعان ما يعود الى جادة الإستقامة ، رسّخ علاقتك بالمسجد و بوالديك وبكل شيء خير في هذا الشهر ، و إما على مستوى الإتحاد ، وهو مستوى المعصوم ، المعصومون لا نجد الفضائل عارضة عليهم ، فلا تذهب عنهم التقوى يومًا ولا تنفكّ عنهم الخصال و السجايا .
في ظل ذكرى مولد الحسن المجتبى عليه السلام الذي تجسدت في ذاته الخصال النبيلة ، هو عليه السلام مظهر لتلك الخصال ، إنما نجتمع لنتعلّم من دروسهم و نأخذ من عطائهم ، قد إتسمت شخصيته عليه السلام بخصال ينبغي ان نتحلى نحن بها ، أول تلك الخصال هو الحلم ، أن تكون قادرًا أن تفرض هيمنة العقل على قواك الغضبية والشهوية ، التحكم في النفس ضرورة ، وهي مهارة تعبر عن القدرة في إدارة النفس ، الخصلة الثانية التواضع ، وهي صفة تعبر عن قوة الإمام ، الإنسان قد يعطى مالًا و يرة منصبًا فيصاب بالتكبر بسبب بماله ومنصبه ، وقد يعطى اإنسان عشرة و نسب فيرى العوائل الأخرى حقيرة ، يجب أن يتحرك الإنسان حركتين متعاكستين إذا أرت الكمال ، حركة صاعدة وحركة نازلة ، من دعاء زين العابدين عليه السلام " اللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَلا تَـرْفَعْنِي فِيْ النَّاسِ دَرَجَـةً إلاّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِرَاً إلاّ أَحْدَثْتَ لِي ِذلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا " ، الخصلة الثالثة الصبر ، له الكثير من المواقف التي تدلّ على صبره عليه السلام . الخصلة الرابعة الخوف ، كان شديد الخوف عندما يذكر الله ، الخوف إما سلبي كالخوف من الإعداء أو عدم الدفاع عن الشرف و الدين ، و إما إيجابيّ كالخوف من الله . وللإمام الحسن عليه السلام الكثير من الخصال و الصفات التي يجب أن نتسّم بها فهو الثمرة المباركة التي تولدت في العش المحمّدي ، تلك الشجرة التي زرعها النبي ( ص ) و سقاها علي وفاطمة ( ع ) .
و قد ختم سماحة الشيخ إبراهيم الصفا مجالسه الرمضانية في هذه الليلة و سيبارك منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس سماحة الدكتور عبدالله الديهي ابتداءً من ليلة الغد ، ليلة السادس عشر من شهر رمضان لعام 1438 هـ عند الساعة العاشرة و الربع مساءً حتى ليلة العيد .
التعليقات (0)