شارك هذا الموضوع

الشيخ إبراهيم الصفا - ليلة 7 رمضان 1438 هـ

قال الله في محكم كتابه و جليل خطابه: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )
انطلاقاً من قوله تعالى يتعرض القرآن الكريم و الشريعة السمحاء لبيان شخصية الإنسان المؤمن و لمرتبة الإيمان العظيمة عند الله ، و الدليل هو قول الأعراب ( آمنّا ) فرد عليهم

المولى دعواهم بـ: ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) فالإسلام رتبة و الإيمان رتبة و اليقين رتبة فوقهم ، فلا يمكن للإنسان أن يزعم أنه مؤمن إن لم يتحلى بصفات

الإيمان. و البحث هذه الليلة يدور حول ( صِفاتُ الشّخصِيّة الإيمانِيّة ).
الإنسان يبقى في دائرة الغموض بأمرين و لا يخرج منها إلا بطريقين :
الأول : كلامه و منطقه ، يقول الإمام علي عليه السلام ( تكلّموا تُعرَفوا ). ما دام الإنسان ساكتاً فلا تستطيع أن تحكم عليه عالماً كان أو جاهلاً و الطريق لمعرفة عقله و

الوصول لِلُباب فكره هو منطقه و حواره و خطابه و هو يفرّغ و يعبّر عن ما يؤمن به الإنسان ، حيث أن الرسول صلى الله عليه و آله عند فتح مكة سمع أحد الصحابة عند

الكعبة ينادي ( اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة ) ، ما يعبر عن آيدلوجية و عقيدة ورؤية مرعبة و خطيرة جداً ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه و آله إلا أن

أسكته و أمر علياً بالنداء فنادى ( اليوم يوم المرحمة اليوم تصان الحرمة ) مما يكشف عن مبادئ و قيم رسول الله.
الثاني: فعله و سلوكه العملي ، يقول المولى عز و جل ( قُلْ كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته ) ، فالسلوك الخارجي ينبئ عن الجوهر الباطني.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كما أن هناك صفات قرآنية يكون بها المؤمن مؤمناً و من دونها يكون إيمانه إيمان الأعراب المزيف كما في الآية الاستهلالية.
الصفة الأولى: ربّانية السلوك و المراد منها كما في الآية ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، فمن كانت منطلقات سلوكه لله و أهدافه لله و خطواته

لله و سكوته لله و منطقه لله و فعاله لله فهو رجلٌ رباني و يراعي رضا الله جل و على فى حركاته و سكونه. فشخص وضعوه في المنجنيق ورموه في الهواء ليلقى في

النار و هو إبراهيم الخليل ، كان مع الله و هو يذهب إلى الموت حين يسأله جبرائيل هل لك من حاجة فيرد عليه قائلاً: ( علمه بحالي يغني عن سؤالي ). ومثال على

ذلك رباني كربلاء الذي يذبح رضيعه فيأخذ دمه ويرميه في السماء قائلاً ( إلهي إن كان هذه يرضيك فخذ حتى ترضى ).
الصفة الثانية: الثبات و الإستقامة ، لا ريب أن القاعدة الاساس للإيمان هي أن تعتقد بالله و تعقد قلبك على التسليم لأوامره و نواهيه ، لكن الإيمان المجرد وحده لا ينفع. و

لكي يكون الإيمان راسخاً فعليك أن تثبّته كما في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ

)، و قوله سبحانه و تعالى ( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ) و المطلوب هنا ليست القوة العضلية بل القوة السلوكية و العملية بتطبيق الأحكام و العمل بالحق و لو على نفسك.
و قد خلد لنا الدين أناساً جسدوا الثبات على الدين و القيم و المبادئ كأم عمارة ( نسيبة بنت كعب الأنصارية ) التي جسدت الثبات الحقيقي للإيمان الصادق بخروجها مع النبي

صلى الله عليه و آله في الحروب لمداواة الجرحى ، و تحولها في أحد إلى مقاتلة ما إن رأت سيدها و مولاها قد خالف أمره المسلمون و صار في مرمى الأعداء إلى أن

ضربها المشركون بضربة على كتفها فوقعت على الأرض ، فنادى النبي صلى الله عليه وآله على ابنها وقال له: ( أمك أمك ) فإذا بها تصرخ في وجه ابنها ( بني ،

دعني و امضي إلى رسول الله ). و في حادثة أخرى أرسل النبي صلى الله عليه و آله ولدها الآخر حبيب إلى مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة ، وقد أراد مسيلمة أن

يساومه بأن يناديه حبيب بين الناس بالنبوة فأبى ، إلى أن قطعوا أطرافه ولسانه و مات شهيداً ، فهل نملك حالة الثبات على الدين و نحن اليوم في زمن الزلزلة العقائدية و الفكرية

القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.
الصفة الثالثة: الإتزان و الإعتدال ، فالمؤمن متزن في أفكاره معتدل في سلوكه فلا إفراط و لا تفريط ، فالدين أسس لبعدين جسماني و روحي و ليس كالدين الذي ابتدعه

النصارى كما قال المولى ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) فأهملوا البعد الجسدي و كبلوا أنفسهم بالسلاسل في اسطوانات المعابد طوال أعمارهم حتى يموتوا. فالله جاء بدين يجمع بين

الأمرين فلا يوجد دين أبله أحمق يجر للضياع و لا دين متصلب و متطرف يحركنا بغباء و بلاهة.
لما أراد عثمان بن مضعون (اخ الرسول من الرضاعة) من شدة ورعه و تقواه العزوف عن الدنيا فصار يقوم الليل بتمامه و يصوم النهار بتمامه و هجر زوجته ، ما إن سمع

النبي بذلك نهره و قال ( إني أصوم و أفطر و أقوم و أرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ). و أحد المشاكل الإجتماعية التي نواجهها هي أن يكون

الآباء في حالة من التشدد الديني مما يؤدي لفساد الأبناء و يكرههم في الدين ، و يقابلها كونهما في حالة من التساهل لدرجة أن يفسد الأبناء فيجب على المؤمن و حتى العالم أن

يكون متزناً، فلو أن إماماً يطيل في الصلاة فالناس تنفر و إن أقامها سريعة لأبعد الحدود أدى أيضاً لنفور المصلين ، بل إن الإسلام قد دعا العالم للصلاة بصلاة أضعفهم.
الصفة الرابعة: الإستقلالية ، فمن أبرز صفات المؤمن أن يكون مستقلاً و المراد من الإستقلالية ما يقابل الأمعة ( أي من يعطل عقله و يكون تابعاً للآخرين إن صلحوا صلح

معهم و إن فسدوا فسد معهم ). يقول النبي: ( لا تكونوا امعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا و إن ظلموا ظلمنا ). و مثال على ذلك بعض الموضات و الأعراف في

الأعراس المخالفة للدين و التي تجر عها عدداً كبيراً من الناس.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: ( لا تكن عبد غيرك و قد خلقك الله حراً ) ، فلا توجد ولاية علينا في الدين إلا ما ثبت بالدليل وهي ولاية الله علينا، كما أعطى سبحانه

ولاية للنبي و الأئمة، كما أعطى للأب ولاية على أبناءه و للزوج على زوجته ولكن لا تعني هذه الولاية أن تسير الزوجة أو الأبناء مسيرة عمياء وراء زوجها أو آبائهم ، فـ (

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) و مثل هذه الولاية يضرب بها عرض الحائط.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و إن أردنا نأخذ نموذجاً مخلداً للإيمان فهو صاحب هذه الليلة أبوطالب عليه السلام و الذي سُدِّدت له طعنات في ذلك الزمان و لا زالت تسدد إليه. فلولا وجاهة أبو طالب لفتك

المشركون برسول الله و ما رحموه حيث كان ثابتا وصلباً ، و هاقد رحل عن الدنيا و لا زات بعض الأقلام المأجورة تصفه بالكفر. فلو كان أن أبوطالب كافراً للزم أن يكون

الرسول المعصوم عاصياً لقول القرآن ( وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ). فأم الإمام علي فاطمة بنت أسد عليهما السلام كانت من أوائل المؤمنات و زوجها أبو طالب مشرك

! فكيف رضى النبي بأن تبقى الزوجية بينهما و هو يعلم بذلك ! إلا إن قلنا بتهاون الرسول في الأحكام الشرعية و هو ما لا يقبل.
الأمر الآخر ، روى أبناء العامة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله يقول ( إن أبا طالب في ضحضاح من النار ) ، أي على بوابة النار وليس في أسفل

الدركات مما يعني بأنه قد خفف عليه. فإن قلنا بأنه مشرك فكيف نوافق بين الآيات القرآنية التي مفادها أن المشركين لا يخفف عنهم العذاب كقوله ( خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ

الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ )، فالرواية تعارض أكثر من 9 آيات في القرآن الكريم.
بالإضافة إلى قول الرسول صلى الله عليه و آله ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ) و أثار لسبابته و الوسطى. ومن أعظم من أبي طالب الذي كفل النبي وسانده و وقف

معه إلى أن فارق الدنيا ، و أمره صلى الله عليه و آله بتغسيله و تكفينه و دفنه و دعا له ، فلو كان مشركاً لما أمر بذلك له و كما أنه صلى الله عليه و آله أعلن ذلك

العام عاماً للحزن فإنما يحزن على المؤمنين ، و هنا نختم.


التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع