شارك هذا الموضوع

الليلة الثالثة من موسم رمضان لعام 1438 هـ

أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية ، وذلك لليلة الثالثة من شهر رمضان المبارك لعام 1438 هـ ، وتحت عنوان " من آثار الإستغفار " ، إبتدأ سماحته بحديث للإمام علي بن أبي طالب ( ع ) " عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار " الإستفغار له ظاهر وباطن ، الظاهر هو لفظ خفيف على اللسان كما يقال في علم الصرف ما من كلمة الا ولها مادة ، كل حرف من حروف كلمة الإستغفار ينضم الى بعضه البعض فتوجد تلك الكلمة ، اذا نظرنا لكلمة الاستغفار فان ظاهرها لفظ خفيف على اللسان ، واما اذا ما تعدّينا عالم الألفاظ فإن الإستغفار له دلالات بعيدة عميقة ، الإستغفار هو طلب المغفرة من الله ، الله هو مصدر المغفرة ، و العبد هو من يطلب يده للمغفرة ، أن يفرّ العبد الى من يهب المغفرة ، وهذا معناه أن يكون العبد المستغفر عارفًا بموقعية المولى ، بصفات الجمال والجلال و الكمال ، الإستغفار يتضمن معنى آخر مهم ، فلا يستغفر الا المُعترف ، الإستغفار طلب المغفرة وهو علاج المذنبين ، يجب أن نقرّ بأننا عبادٌ مذنبون مقصّرون مُفرطون ، يجب أن نلجأ في استغفارنا لله ، من دعاء كميل " وقد أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذرا نادما منكسرا مستقيلا مسـتغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا ، لا أجد مفرا مما كان مني ولا مفزعا أتوجه إليه في أمري ، غيـر قبولك عذري وإدخالك إياى في سعة رحمتـك " حقيقة الإستغفار و روح الإستغفار هو فرار العبد المذنب الى الله ، أن تعرف الى من تفر ، أن تقر بذنبك وتقصيرك ثم الطلب من الله المغفرة و العفو .
الإستغفار تكرّر لفظه في القرآن وقد أثنى الله على المستغفرين " والمستغفرين بالأسحار " الله يثني عليهم ، ودعى لفعالية الإستغفار ، الورد و الذكر فاعلٌ مؤثر ، متى ما كان في زمنه الخاص يكون أكثر تأثيرًا ، كوقت السحر مثلًا ، من سورة آل عمران " الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار " ومن سورة الذاريات " كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " ، لا يوجد للإستغفار زمان محدد بل أن تستففر في كل لحظة ، ولكنه في وقت السحر أأكد و أكثر استحبابًا ، الله أبان فضل الإستغفار .
من آثار الإستغفار وفضله ، أولًا تحقيق التوبة و تحقيق جلاء القلوب ، هذه القلوب التي قد يتراكم عليها الرين وهو الصدأ المعنوي العارض على القلب ، يعيد للقلب بريقه بالإستغفار ، يقشع تلك الحجب و يزيلها ، و يعيد موازين التوبة والعدالة عند الإنسان ، النقطة الأولى ما دام الإنسان لا يلبس ثوب العصمة فهو في معرض الوقوع في الذنوب ، كل الناس خطاؤون ، قد يكون الذنب صغيرًا أو كبيرًا ، لا ينبغي للمؤمن أن يكون يائسًا من رحمة الله و قد ذمّ الله من يتسبّب في يأس الناس و قنوطهم ، مهما كان حجم الذنب و المعصية فقد جعل الله لها مفتاحًا وهو الإستغفار ، من سورة الزمر " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ " الإستغفار أن نقول أستغفر الله ربي و أتوب اليه ، لا يجب أن يحدّث المؤمن نفسه بالقنوط كما افتتحنا بالحديث عن الإمام علي عليه السلام ، الإستغفار خفيفٌ على اللسان و ثقيلٌ في الميزان ان كان العبد عارفًا ، النبي ( ص ) يقول " لكل داء دواء ، ودواءُ الذنوب الإستغفار " ، الأحكام الالهية لم تنزل دفعة واحدة ، في مكة نزلت الآيات التي تتحدث عن البعد العقدي ، كالتوحيد و المعاد ، أي التشكيل القواعد العقائدية كان بمكة ، وبعد هجرة النبي بدأت آيات الاحكام و التشريعات ، لأن الحكم الفرعي متوقف على القواعد الاولية وهي أصول الدين ، من مناجاة التائبين عن الإمام السجّاد عليه السلام " إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإنْ كَانَ الاسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَإنِّي لَكَ مِنَ الُمُسْتَغْفِرِينَ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى " .
الأثر الثاني من آثار الإستغفار هو قضاء حوائج العباد وتختلف حاجات العباد مع اختلاف حاجاتهم ، فهناك الفقير من المال ، ومن الناس من تكون حاجته مادية ، ومن الناس من يريد وجاهة ومكانة ، هذه الحاجات لها سر من الأسرار الا وهو الإستغفار ، من سورة نوح " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " . الإنسان الآمن هو من ينقي صفحته قبل موته ، الموت موتان ، فالنوم موت ، اذا اردت أن تنام لا تدري تفيق أو لا ، النبي أمان و الإستغفار أمان ، فأكثر منه من سورة الأنفال " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " ، أهل البيت أمان و الإمام الحجة ( عج ) أمان ، لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها ، فوجود الحجة أمان وهو سر من أسرار وجود المعصوم ، المعصوم أمام و الأعداء لا أمن لهم .


التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع