شارك هذا الموضوع

الدرس الثاني - رحلة التكامل الإنساني

حقيقة الإنسان:
يتألف الإنسان من روح وجسد. وهذه الروح هي: جوهر لطيف (مجرَّد عن المادة) يستخدم البدن وهو مادي في حاجاته وأفعاله. كالمسافر الذي يستخدم المركب للتنقل من ضفة إلى أخرى.
وما يهمنا هنا هو الروح لا الجسد، وهذه الروح تسمى بالنفس وبالقلب وبالعقل بحسب اختلاف الاعتبارات.
فإذا نظرنا إليها منفصلة عن البدن سميناها روحاً لأنها من روح الله "ونفخت فيه من روحي".
وإذا نظرنا إليها بما هي موجودة في البدن سميت نفساً لأنه يحيا بها.
وإذا نظرنا إليها بما هي عاقلة ومدركة للأمور سميت عقلاً.
وإذا نظرنا إليها بما هي متقلبة في الخواطر المختلفة ويقلبها الله تعالى بيده كيف يشاء سميت قلباً.
 
قوى النفس الأربع:
والنفس، وهي المرادة في بحث الأخلاق وتهذيب النفس لأنه لا يتم تهذيبها إلاَّ من خلال البدن وأفعاله، فيها أربع قوى، هي:
القوة العاقلة: وهي قوة ملائكية تأخذ بيد الإنسان للصعود والترقي إلى العالم العلوي.


قال رسول الله (ص): "العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان".


القوة الواهمة والمتخيلة: وهي قوة شيطانية تصور للإنسان الأشياء وتزيّن له المعاصي وتأخذه إلى التسافل نحو العالم السفلي.


القوة السبعية: وهي قوة الغضب في الإنسان تدعوه إلى الانتقام وإيذاء الاخرين.


القوة البهيمية: وهو قوة الشهوة إلى المأكول والمشروب والتناسل، وتدعو الإنسان إلى إشباع غرائزه كيفما كان.


والإنسان محتاج إلى هذه القوى الأربع ليكون إنساناً وإلاَّ لو كان عقلاً فقط لكان ملكاً ولو كان وهماً فقط لكان شيطاناً ولو كان غضباً فقط لكان سبعاً ولو كان شهوة فقط لكان بهيمة. فهو يحتاج إلى الشهوة ليعيش ويتناسل ويحتاج إلى القوة الغضبية ليدافع عن نفسه كي لا ينقرض ويحتاج إلى القوة الواهمة والمتخيلة والسبعية لكي يكيد لعدوه عندما تضعف قوته البدنية عن المواجهة ولاستخدام الطاقة الذهنية في التخيّل والتوهم وتصور الأشياء وما شاكل ذلك، ويحتاج للقوة العاقلة لكي يسيطر على القوى الثلاث فيستخدمها بما يسمح له بالتكامل والسير إلى الله تعالى، وهو الهدف الأقصى.


والمطلوب في هذا المجال أن تكون القوى الثلاث الأخيرة تحت سيطرة القوة العاقلة تأخذ منها ما يحتاجه الإنسان في وجوده وبقائه وتكامله دون إفراط ولا تفريط، وفي غير هذه الحال يختلّ ميزان النفس الإنسانية وتنحرف عن هدفها الذي رسم لها.
 
مراتب النفس:
تمرّ النفس البشريَّة في مسيرتها بمراحل تتصف فيها بصفات خاصة حسب استخدام القوى الأربعة المتقدمة، هي الملهمة والأمَّارة واللوَّامة والمطمئنة:


النفس الملهمة: وهي كل نفس قبل أن تظهر فيها إحدى القوتين العاقلة أو الشيطانية، فهي بحد ذاتها مؤهلة لأن تسير في طريق الخير أو طريق الشر. قال تعالى: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها".


النفس الأمَّارة: إن هذه النفس عندما تتفاعل فيها هذه القوى فقد تظهر فيها قوة الوهم الشيطانية فتصبح نفساً أمَّارة بالسوء فتسمى بالنفس الأمَّارة، وهي أسوأ مراتب النفس وأخسَّها حيث تدعو إلى إشباع الغريزة الشهويَّة والغضبيَّة دون مراعاة رضى الله تعالى وسخطه، "إنَ النفس لأمَّارة بالسوء إلاَّ ما رحم ربي".


النفس اللوَّامة: وعندما تظهر فيها القوة العاقلة التي تدعو إلى الخير والعمل الصالح فإذا خالفها العبد وفعل سوءً فإنها تلومه على فعله وتوبخه ليقلع عن ذلك ويعود إلى طاعة الله عزَّ وجل. فتسمى النفس حينئذٍ بالنفس اللوَّامة، "لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوَّامة".


النفس المطمئنة: فإذا أطاع العبد عقله وعمل بما يمليه عليه وابتعد عن شيطانه فإن نفسه تصل إلى مرتبة سامية هي مرتبة السكون والاطمئنان إلى إرادة الله فتسمى النفس المطمئنة، "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضيَّة فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".


وهذه الرتبة من رتب النفس هي المطلوبة التي يجب أن نسعى إليها بتحكيم قوة العقل وضبط قوة الوهم وشهوات الغضب والتناسل والأكل والشرب.
  
- للمطالعة


الإيمان يمنع الذنب
الإيمان يعني أن تعي قلوبكم وتصدق تلك الأمور التي أدركتها عقولكم. وهذا يحتاج إلى المجاهدة حتى تفهم قلوبكم أن العالم كلّه محضر للّه، فنحن الان في محضر اللّه، ولو أدرك قلبنا هذا المعنى بأننا الان في محضر اللّه، هذا المجلس محضر اللّه، ولو وجد في قلب الإنسان هذا الأمر، فإنه سيبتعد عن جميع المعاصي. إذ أن سبب جميع المعاصي أن الإنسان لم يجد هذا الشيء، يوجد برهان عليه أيضاً، وإن البرهان العقلي قائم أيضاً على أن اللّه تبارك وتعالى حاضر في كل مكان. فالبرهان موجود وجميع الأنبياء قالوا بذلك أيضاً "وهو معكم أينما كنتم" فهو معنا، وأينما نكون يكون معنا، والقران يقول ذلك وسمعناه منه، وثبت ذلك من خلال البرهان، لكنه لم يصل الى قلوبنا.. حتى إذا ما أردنا أن نغتاب، أو نتهم، أو نعمل قبيحاً نرى أننا في محضر اللّه، ولا بد أن نحترم هذا المحضر.


عندما يكون الإنسان في محضر عظيم يعتقد بعظمته فإنه يحترم ذلك المحضر، إذا كان يوجد عندكم شخص وتعتقدون أنه عظيم فإنكم لا ترتكبون أية مخالفة أمامه فضلاً عن مخالفته هو في محضره. لا يرتكب الإنسان أي عمل سيىء مطلقاً في محضر شخص يدرك بأنه عظيم ومحترم فضلاً عن إرتكاب ما يخالف احترام هذا المحترم وفي محضره، فالمحضر، هو محضر الله تبارك وتعالى، العالم محضر، كل العالم محضر، والمعصية هي مخالفة معه، مع من نحن في محضره.
الإمام الخميني (قدس سرّه)  منهجية الثورة
 


- أسئلة حول الدرس
1-  ما هو عمل النفس الأمَّارة؟
2-  ما هو هدف الإنسان في الحياة؟
3-  كيف تتردّد النفس بين حالة وأخرى؟
4-  أين يقع البدن بالنسبة للروح وما هو دوره؟
 
- تمارين
حدد الصحيح من الخطأ :
أ-  حقيقة الإنسان في غاية الخفاء ولا يعلمها إلاّ الله تعالى.
ب- قد تختلف حقيقة الإنسان بين شخص واخر.
ج- النفس الأمَّارة واللوّامة والملهمة والمطمئنة هي حالات مختلفة لحقيقة واحدة.
د- إذا خرج الإنسان من مقام أمَّارية النفس يمكنها الوصول حينها للمقامات الأخرى.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع